في كتابه "إسلام السوق" يصف الكاتب باتريك هايني الظاهرة الإسلامية الحديثة أو من أسماهم بالإسلاميين الجُدد بالحالة الليبرالية بعد سقوط مرحلة الاسلام السياسي أو وصول الاسلاموية الى حائط مسدود نتيجة أسباب واقعية غير متفاهمة مع النصوص الاسلاموية، لذا جاءت الموجة الجديدة للإسلاميين سبحاً في بحر الحداثة أي باعتماد نمطية السوق الليبرالي من البابوج الى الطربوش وهذا ما فرضته إعادة محاكاة الأفكار الاسلامية بتأويل آخر أفضى الى التعاطي مع متع السوق الليبرالي وهذا ما رآه الكاتب في جُملة من التغيرات الأساسية بحيث تمّ التغيير في لباس الحشمة في الشكل و في الألوان فلم يعد الشادور والحجاب الرسمي واللون الأسود هم الأغطية المعتمدة لحشمة المرأة إضافة إلى تغيير النشيد الإسلامي من جرعته الزائدة في الخطاب الجهادي وتضمنه لأدوات القتل والموت إلى أناشيد فرحة في الحياة ومتضمنة لمفردات السعادة في الدنيا بعد تركيز على الآخرة.
إقرأ أيضًا: 40 سنة على اليونيفل رغمًا عن ...
طبعاً يستعرض الكاتب في كتابه عدة فنون تمّ نقلها من حال الى حال آخر أكثر اتصالاً بالحياة ويستعرض مشاهد كثيرة على رحيل مرحلة الاسلاموية الظلامية وبداية عصرنة منفتحة على التطورات العلمية وعلى أنماط السوق الاستهلاكي من الزي الاسلامي الجديد للرجل والمرأة والخاضع لمعايير أزيائية الى طبيعة الاستهلاك اليومي من ملبس و مأكل وتربية تعتمد على المنهاج الغربي في إعتماد المدرسة والجامعة المدنية أو في المؤسسة الاسلامية المعتمدة على المنهاج التعليمي الغربي نفسه بحيث أن المحتوى التعليمي ليبرالي واليافطة اسلامية.
في متابعته الحثيثة عبر التواصل المباشر في الوسط الاسلامي يكشف باتريك هايني عن دور كبير لمنشقين عن الاسلام التقليدي واصطدامهم مع جيل المحافظة على التراث وهذا من جملة ما أدّى الى تشظي الحركة الاسلامية والاخوانية خاصة بطريقة أسّست لنهضة اسلامية مختلفة مع الماضي ومرتبطة أكثر بالمستقبل وكان المتعلمون في الغرب وأميركا تحديداً هم نواة القيام على السائد الاسلامي وعلى المدرسة السياسية الاسلاموية وبالتالي العمل على انتاج معرفة غير موروثة ولا علاقة لها بالتراث الماضوي بل لها تأويلها الخاص لنصوص متكيفة مع الواقع ولا تستعديه ولا تصطدم به وهذا ما فتح الباب أمام اسلاميين معاصرين لا مشكلة معهم مع التطور الحداثوي بكل مفاهيمه وهنا تبرز وجوه اسلامية على خلاف تام مع الاسلاميين الملثمين بسواد الدنيا ونصوص القتل.
إقرأ أيضًا: الطائرة التي سقطت أسقطت الحرب
من هنا يرى الكاتب أن الإسلاميين الجُدد يؤسسون الشركات بدلاً من تأسيس الأحزاب ويقيمون في الفنادق بدلاً من المغاور ويمارسون الرياضة اليومية ويزاولون المهنة الحرّة ويؤمنون بالدولة وبالعولمة ويختلفون جذرياً مع الاسلام السياسي والجهادي في العقلية وفي الممارسة وفي المهمة وفي الدور وفي الوظيفة البشرية وفي فهمهم للدين كمعطى بشري يدفع الى التي هي أحسن.
ما في كتاب باتريك هايني مشاهد نراها يومياً وهي دقيقة جداً بحيث أن الاسلام التركي يعكس بشكل واضح صورة الاسلاميين الجُدُد كما أن الاسلام الايراني بصورته الاصلاحية يعكس هوية الاسلاميين الجُدُد كذلك حال الاسلام الأندونيسي وطبيعة التحولات القائمة في العقل الحزبي من حزب العدالة والتنمية الى بعض الفروع الأخرى للإخوان المسلمين الذين يرفعون شعارات الديمقراطية والمشاركة السياسية بعد تكفيرها وهذا ما هو عليه الاسلام السياسي الشيعي أيضاً اذا اعترف حزب الله بالكيان اللبناني وبالدولة اللبنانية العلمانية وهذا حال حزب الدعوة العراقي الذي تأسّس أيضاً على أن الإسلام هو الحل وعلى ضرورة بناء الدولة الاسلامية نراه يساوق في مدح الدولة المدنية وبشرعية الدولة الديمقراطية وهذا ديدن كل الإسلاميين الذين فرضت عليهم السلطة الإبتعاد عن نصوصهم الدينية لصالح النصوص السياسية وهذا ما جعلهم من الإسلاميين الجُدُد.