يحاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، التكيف مع متطلبات مرحلة ما بعد تنظيم داعش، عبر إقناع الولايات المتحدة بإيجاد شكل قانوني جديد لوجودها العسكري في العراق، وسط تصاعد الجدل الداخلي بشأن حقيقة انتفاء الحاجة للوجود الأميركي، بعد زوال التهديدات الإرهابية.
ويواجه العبادي ضغطا هائلا من منافسيه المرتبطين بإيران في الأوساط الشيعية على أعتاب استحقاق انتخابي حاسم، ربما يستخدم فيه الوجود العسكري الأميركي في العراق، بشكل سلبي، ضد رئيس الحكومة العراقية.
وترى الأحزاب السياسية الشيعية العراقية الموالية لإيران، أن العبادي حليف وثيق للولايات المتحدة، وأن مصيره السياسي مرتبط بها، وهو ما يدفعها إلى استخدام هذا الملف ضده في الدعاية لانتخابات مايو القادم.
ويقول مراقبون إن العبادي ناقش مع الجانب الأميركي فرص التوصل إلى تكييف قانوني جديد بشأن وجود قوات الولايات المتحدة على أرض العراق، وهو ما يمكن أن يلعب فيه حلف شمال الأطلسي “ناتو” دورا مهما.
ووفقا لتصريحات مسؤولين أميركيين وقادة في الناتو، فإن حلف شمال الأطلسي على أعتاب تطوير تعاونه مع العراق بعد انتهاء الحرب على داعش، بما يحقق توسيعا لمهام تدريب القوات العراقية التي كان يضطلع بدور صغير فيها.
وتقول مصادر سياسية في بغداد إن الناتو ربما يشكل غطاء جديدا للوجود العسكري الأميركي في العراق، مع حصر مهامه بالتدريب فقط.
وأعلن ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الثلاثاء أن الناتو مستعد للاستجابة لدعوة وجهتها الولايات المتحدة له بهدف توسعة مهمة تدريب صغيرة يقوم بها في العراق دعما لإعادة إعمار البلاد بعد حرب استمرت ثلاث سنوات مع تنظيم داعش.
وقال ستولتنبرج في مؤتمر صحافي “يتعين أن نكسب السلام”، متوقعا أن يبدأ وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف التخطيط لمهمة تدريب أكبر خلال اجتماع في بروكسل الخميس وأن يتخذ القرار النهائي في يوليو.
وتتفق قيادة الحلف الأطلسي ومسؤولون أميركيون بشأن تضاؤل خطر تنظيم داعش في العراق وسوريا، لكنهم يتفقون أيضا على ضرورة عدم تجاهل قدرات المجموعات الإرهابية في المنطقة، وتجربتها في التكيف مع الضغوط العسكرية التي تعرضت لها سابقا، ما يجعلها مصدر تهديد مستمر.
ينس ستولتنبرج: الناتو مستعد لتوسيع مهماته في العراق لكسب السلام
ويعتقد مراقبون أن استمرار الوجود العسكري الأجنبي في العراق وسوريا، سيبقى حاجة ملحة في المدى المنظور، لافتين إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة، التي تقوم على موازنة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، تلزمها بضمان وجود عسكري أجنبي في هاتين الدولتين.
وفي هذا الإطار، دعا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في اجتماع في الكويت، الثلاثاء، التحالف الدولي ضد تنظيم داعش إلى مواصلة الحرب على الجماعة المتطرفة بعد الانتصارات الأخيرة في العراق وسوريا.
وكان تيلرسون يتحدث أمام وزراء وممثلين عن الدول والمنظمات المنضوية ضمن التحالف وعددها 74، مجتمعين في الكويت التي تستضيف أيضا مؤتمرا لإعادة إعمار العراق بعد الحرب المدمرة مع التنظيم المتطرف.
وقال تيلرسون “عندما أطلقنا حملتنا في 2014، كان تنظيم داعش يتوسع، لكنه اليوم أصبح منهزما”. إلا أنه حذر من أن انتهاء العمليات العسكرية الكبرى ضد التنظيم “لا تعني أننا هزمناه نهائيا”.
وتابع “علينا أن نواصل عملنا في محاربة تنظيم داعش كونه يسعى بشكل متواصل إلى (…) التجنيد وإلى إدارة العمليات عبر الإنترنت”، داعيا إلى “تعزيز قوة تحالفنا من أجل مواجهة شبكات المقاتلين الأجانب التابعين” للتنظيم.
وتتزامن هذه التطورات مع تهديدات صريحة أطلقتها قيادات سياسية عراقية موالية لإيران ضد الوجود الأميركي في العراق.
وقال زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، “من أجل سيادتنا الوطنية ومن أجل ضمان أمن العراق من المشاريع التي تستهدف تقسيم العراق خدمة للكيان الإسرائيلي فإننا نرفض رفضا قاطعا استمرار التواجد العسكري الأميركي بعد انتهاء داعش”.
ميليشيات موالية لإيران هددت باستهداف القوات الأميركية
وعصائب أهل الحق ميليشيا منشقة عن تيار الزعيم الديني الشيعي مقتدى الصدر، وتعلن خضوعها للمرشد الإيراني علي خامنئي. وشكلت الحركة حزبا سياسيا لخوض انتخابات مايو في العراق.
وأضاف الخزعلي “يجب أن نميز الصديق من العدو فهناك دول صرفت المليارات من الدولارات وقدمت الدعم اللوجستي لداعش”، في إشارة إلى دول خليجية مثل السعودية معتبرا أن “الولايات المتحدة الأميركية بقيت تتفرج علينا ولم تتدخل إلا بعد تعرض أربيل للخطر، وعندما كانت تقصف داعش كانت تقصف العراقيين بعنوان الضربات الخطأ”.
وتابع موجها حديثه إلى الولايات المتحدة، “يا أميركا، خذوها منا تحذيرا أو اعتبروه تهديدا.. نحن شعب لا يقبل بوجود قواتكم على أرضه وأنتم تتوهمون إذا كنتم تتصورون أنكم تستطيعون البقاء رغما عن الشعب العراقي، سنجعلها عليكم ليلة ظلماء ليس فيها دليل”.
ومضى قائلا “نحن نعتقد أن أميركا تريد أن تبقي تواجدها العسكري في غرب العراق من أجل إيجاد ملاذات آمنة للمجاميع المسلحة في المستقبل من أجل إكمال ما فشلت في تحقيقه في تقسيم العراق من خلال داعش”.
ويرى مراقبون أن إثارة الجدل بشأن الوجود الأميركي في العراق، من قبل حلفاء إيران في هذا التوقيت، هو دليل واضح على دخول هذا الملف في الحسابات الانتخابية.
ويضيف هؤلاء أن “استخدام هذا الملف انتخابيا ضد العبادي، ربما يؤذيه في ظل المشاعر الشعبية السلبية، بشكل عام، ضد أي وجود عسكري أجنبي في العراق، وهو ما تحاول طهران استغلاله لدعم فرص حلفائها للفوز برئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة”.