عبد الجبار الرفاعي من لاهوت التحرير الى لاهوت الحرية

د.مجيد مرادي

 في آخر لقاء لي مع المرحوم السيد حسن الامين صاحب دائرة المعارف الشيعية، قُبيل أشهر قليلة من وفاته، سألته هل تساعدك لجنة في هذا العمل؟ فأجاب بـ "لا". فقلت له: تذكرني بالشيخ عبد الجبار الرفاعي، الذي يصدر مجلة قضايا اسلامية معاصرة، ويدير مركز دراسات فلسفة الدين من سرداب بيته في قم. فقال لي: "الشيخ عبد الجبار أنا رأيته، والقضية ليست في أن تكتب كتابا وتنشره، الشيخ عبد الجبار يعرف كيف يكتب! الآن اذا وجدنا واحداً مثل الشيخ عبد الجبار فهذا شيئ نادر. لو كان " المشايخ" يريدون ان يعملوا، لجاؤا بالشيخ عبد الجبار و وضعوه في "قصر" ووفروا له كل ما يحتاجه، وقالوا له انصرف الى الكتابة والفكر. الدولة الفاطمية هكذا عملوا.. انا عندي أشياء اخذتها مباشرة من مجلة الشيخ عبد الجبار، ولو لم يكتبها الشيخ عبد الجبار لا ندري من كان يستطيع ان يكتبها.. هذا شخص ممن يندر ان يأتينا الزمان بمثله، وللأسف غير مستفاد منه.. انا زرته في بيته. مشاغل الحياة و همومها تستهلك الكثير من الانسان. انت تبحث عن طعامك و احتياجات عائلتك، وهي تأخذ وقتك منك. انا أرى ان الشيخ عبد الجبار طاقة ضخمة و فكر نيّر. و المواضيع التي يطرقها هي مواضيع يجب أن تطرق و لا أحد يكتبها". ( انتهى كلام السيد حسن الامين)

رغم معرفتي به من خلال آثاره، عرفت عبد الجبار الرفاعي شخصيا في تسعينات القرن الماضي لسبب بسيط؛ عند ما حاول الحصول على رخصة كتاب يتضمن فصلا حول جمال الدين الافغاني، الذي يصر الايرانيون وبحق أن يعتبروه اسدآباديا، و لهذا السبب لا يقبلون عادة تسميته بالأفغاني، لكني تدخلت و أقنعت أصدقائي في وزارة الإرشاد في قم، بأن هذا الكتاب سينشر بالعربية والعرب لا يعرفون جمال الدين الأسد آبادي، وانما يعرفون جمال الدين الافغاني.

و لهذا السبب أعتبر انني كنت في معرفتي بالدكتور عبد الجبار الرفاعي مدينا لجمال الدين "الأفغاني الاسدآبادي". وجدت جماليات الدين لدى عبد الجبار أكثر مما كانت عند جمال الدين الافغاني.

قبل التعرف على الشيخ عبد الجبار،كنت أتصور مثل الكثيرين، بأنه مدعوم من المؤسسات الثقافية الايرانية، لكنني فوجئت عندما وجدت أن كل ما يقوم به من أعمال ثقافية هو من ماله الشخصي، ولا تساعده أية جهة ايرانية، وبالطبع ولا خارجية. وأسفت كثيراَ عند ما اطلعت على أنه أصبح مضطراً لأن يبيع آلافا من كتبه، ليسدد تكاليف مجلته القيّمة "قضايا اسلامية معاصرة".

 وفيما بعد انتبهت إلى أنه لو كان يقدر لمجلة عبد الجبار أن تحظى بدعم حكومي، لما كانت تستطيع أن تجتاز الحدود الايرانية وتصل إلى أقاصي العالم الاسلامي، من لبنان إلى مصر حتى المغرب، وتجتذب آلافا من الدارسين والباحثين والمثقفين، وتتحول إلى مدرسة من مدارس الفكر الاسلامي المستنير المعاصر. شاهدي على ذلك هو العشرات من الصحف و المجلات التي تطبع بدعم حكومي ايراني، ولم تجتذب انتباه القارئ، بما يتناسب وحجم الميزانية التي تنفق عليها.

المسار الفكري للدكتور الرفاعي:

 المسار الفكري لعبد الجبار الرفاعي تطغي عليه النظرة النسبية لمنتوجات الفكر البشري، وعدم اعتبار أي معلومة نهائية حتى اشعار آخر، لهذا أجد ان صاحبنا اجتاز مراحل وتحولات فكرية وتصورية عديدة. يمكنني أن ألاحظ أربع مراحل في مساره الفكري، ولا بأس بتسميتها "الأسفار الاربعة" كما سمى صدر المتألهين الشيرازي أثره الخالد بإسمها متأثرا بالفكر العرفاني الإسلامي.

 

الأسفار الاربعة للرفاعي:

السفر الاول:الالتحاق بالاسلام الحركي:

 عند ما خرج الرفاعي من القرية الى العاصمة، كان ينوي التأهيل الأكاديمي، لكنه انحرف من الدراسة الى العمل السياسي الإسلامي. عند ما التحق بحزب الدعوة الإسلامية في العراق، وهو شاب في مطلع العشرينيات من عمره، كان يتصور ان مهمته تغيير العالم بأكمله، وصنع عالم مثالي على الأرض. في هذه المرحلة كان متاثرا بسيد قطب، خاصة كتابه "معالم في الطريق"، ولما ينس الرفاعي بأنه عندما قرأ فصل " جيل قرآني فريد " من هذا الكتاب أجهش بالبكاء، شوقا الى عودة هذا الجيل الذي صنعته مخيلة سيد قطب. وكان من تأثيره انه انصرف بكل طاقته الى حزب الدعوة.

كان التعرف والتتلمذ على السيد محمد باقر الصدر قد كرّس في ذهن الرفاعي ما تعلمه من سيد قطب. والصدر أيضاكان بدوره متأثرا بالخطاب القطبي؛ وقد جعل مهمة أسلمة العالم مشروعه الأساسي، وشق طريقا لإيجاد جسر بين الإسلام والعلوم والفلسفة، فيما الوسط الشيعي التقليدي المتمثل في الحوزة العلمية بالنجف، كان يذهب في اتجاه آخر، وأقصى طموحاته كانت بيان الأحكام و تبليغ الدين وإقامة الشعائر، وليس تطبيق الشريعة وتأسيس الدولة.

استراتيجية التيار التقليدي في النجف كانت حصيلة خبرته في ثورة العشرين، ويأسه من الحصول على المأمول. أما في الستينيات و السبعينيات، فقد حصلت تحولات عميقة في العالم، منها ظهور لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، وحركات اليسار في شتى مناطق العالم، وظهور الشيوعية كأيديولوجيا للنضال مع الامبريالية، وأصبح المشروع التغييري والتحريري كأطار مرجعي لكثير من الحركات والتيارات والشخصيات في العالم الثالث.

اكتشاف الرفاعي لمدرسة الصدر كان تحولا في مساره الطبيعي، كوّن عنده رؤية تحريرية للعالم، جعلته يميل الى النضال من أجل تحقيق عالم مثالي على ارض الواقع.

السفر الثاني: من الاسلام الحركي الى الاسلام اليساري:

لكن الرفاعي لم يتجمد في المرحلة السابقة، وانتبه فيما بعد الى أن تحقق العالم المثالي في عالم الناسوت مستحيل، ويجب أن يقتصر على أهداف متوسطة المدى، وأكثر قابلية للتحقق.

منذ عام 1982 بدأ الرفاعي بمطالعة الدكتور حسن حنفي ونقده للأصولية الاسلامية، هكذا ابتعد من سيد قطب، الذي كان خطابه يقتصر على المشاعر والأحاسيس والعواطف، و نصوصه حسب تعبير الرفاعي "بمثابة أناشيد للفداء والإستشهاد". اذ أخرجه حنفي من حالة اليقين الى التساؤل، وحرره من سجن "معالم في الطريق"؛ هذا الكتاب الذي كان منتوجا داخل زنزانات نظام جمال عبد الناصر القمعي.

سحر الاسلام اليساري شغل روح الرفاعي، فوجد صديقنا نفسه يتفاعل معه وجدانيا، ويتوهج معه عقليا، وربما يسكر عقليا، مثلما سكر من قبل مع نصوص سيد قطب.

 و سرعان ما وجد الرفاعي، نفسه في فكر حسن حنفي في سجن آخر. من سجن الى سجن. لكن تفكيره المتواصل وتساؤلاته المزمنة أخرجته من هذا السجن.

 لعل معرفته بالفكر الاصلاحي الديني داخل ايران مكّنته من الخروج من هذا السجن. عندما تعرف على هذا الفكر من خلال مجلات فكرية من امثال "كيان، نقد ونظر". بطبيعة الحال المفكرون الايرانيون ايضا كانوا بدورهم متأثرين بإلاتجاهات والرؤى المنهجية في الفكر الغربي. سروش كان متأثرا بمدرسة كارل بوبر، لذلك تابع منذ بدايات الثورة فكرته في الإشادة بالمجتمع الحر المفتوح. وشبستري كان مهتما بالمنهج الهرمنيوطيقي، وملكيان كان يدعو للعقلانية والمعنوية، والذي ترجم عمله الأساسي الرفاعي من الفارسية الى العربية، وأصدره في كتاب ضخم يتجاوز 500 صفحة، بعنوان: " العقلانية والمعنوية: مقاربات في فلسفة الدين". وقد أثرهذا الاتجاه في التفكير الديني على الرفاعي، ومعظم المثقفين، بل على الحالة الفكرية داخل ايران. وواصل الرفاعي مطالعاته وتفكيره الديني مع الفيلسوف الايراني داريوش شايغان، الذي صاغ منظورا عميقا للهوية، في كتابه"هوية بأربعين قطعة"، الذي ترجمت معظم فصوله مجلة قضايا اسلامية معاصرة.

هنا انفصل الرفاعي عن "لاهوت التحرير"، واقترب من "لاهوت الحرية"، الذي اصبح شيئا فشيئا اطارا مرجعيا للمثقفين الايرانيين. تنبه الرفاعي الى أن لاهوت التحرير اليساري " يختزل الدين في ايديولوجيا المقاومة والثورة ويطمس الوظيفة المحورية للدين". ويكتب الرفاعي: "الدين أرحب واشمل وأوسع من الأيديولوجيا. الأيديولوجيا مظهر وتعبير اجتماعي للدين، تحويل الدين الى أيديولوجيا يعني اختزال الروح في القانون، والعقيدة في الثورة، والله في الانسان، والالهي في البشري، والسماء في الارض، والغيب في الشهادة، والميتا فيريقا في الطبيعة، والآخرة في الدنيا، والروح في الجسد، والرمزي في الحرفي، والرؤيوي في المحسوس، والمعاد في المعاش، والعبادات والطقوس في المداليل الاجتماعية والتنمية والانتاج ، والديني في الدنيوي. وحين يتحول الديني الى دنيوي في لاهوت التحرير تختلط الحدود بينهما، فيتم تديين الدنيوي، وتعميم الفهم الديني لكافة حقول المعارف البشرية، وتديين المعرفة في خاتمة المطاف يفضي الى التضحية بالعقل و الخبرة البشرية المستقلة عما هو ديني".

 هذا قمة انقلاب الرفاعي على منهج لاهوت تحرير حسن حنفي الثوري. اختصر الرفاعي في الفقرة التي ذكرتها معظم مدعيات حسن حنفي و ثغراتها التي تثير مخاوف الرفاعي. ذلك انها ستفضي الى انتاج ظاهرة "الانتحاري، الذي يقاوم بقتل نفسه، ويتلذذ ويبتهج بالدم المسفوح حينما يفجر نفسه بمصلين في مسجد أو حسينية أو كنيسة، أو أبرياء في الأسواق و الشوارع و المباني".

 

السفر الثالث: من لاهوت التحرير الى الأصالة الفكرية والتعمق في التراث:

مكوث الرفاعي في قم ثلاثون عاما، واستمرار دراسته وتدريسه الفقه والاصول والمنطق والفلسفة وعلم الكلام في الحوزة العلمية، سنحت له فرصة الخروج من اعباء الأصولية والحزبية. التحاق الرفاعي الى الحوزة كان من شأنه أن يوصله الى الحقيقة القائلة: "بان ما انتجته الجماعات والشخصيات الأصولية الاسلامية ليس الا قراءات مستعجلة وانتاجات غير منضبطة، وانما هي في معظمها شعارات واشعار، أنشدها مثقفون متدينون درسوا خارج المعاهد الاسلامية التقليدية، ويفتقرون الى الثقافة الدينية، وانما يقدمون قراءات ايديولوجية تحت تأثير التيارات اليسارية".

و للمناسبة يطيب لي القول بأن الحركات الأصولية الاسلامية نشأت خارج المعاقل التقليدية للإسلام السني والشيعي. على سبيل المثال حسن البنا وسيد قطب، والنسخة الشيعية لهما، وهو نواب صفوي لم يترعرعا داخل المراكز الرسمية للعلوم الدينية. الحركة الأصولية داخل إيران ايضا نشأت خارج قلب الحوزات و المعاهد الدينية. أبرز وجوه الاسلام الأصولي في إيران سيد مجتبي نواب صفوي كان صديق قادة الاخوان المسلمين، حمله الأخوان على أكتافهم اثناء مظاهراتهم في القاهرة، لكنه لم يُعترف به في الحوزة العلمية في قم وعند مراجع الدين. عندما قام بإغتيالات للسياسيين، ورغم أنه كان يلبس زي رجال الدين، لم تكن لديه ثقافة علمية عميقة بالتراث الديني. وبسبب المشاغبات التي أطلقتها جماعته بمدينة قم أخرجهم المرجع الشيعي الكبير آية الله البروجردي من هذه المدينة. ويقال أن الأخير التزم الصمت بعد إصدار حكم بعقوبة الإعدام بحقه ورفاقه، ولم يتوسط عند شاه لتخفيف الحكم.

بطبيعة الحال الطبيعة المحافظة للحوزة دفعت صديقنا أن يبتعد شيئا فشيئا عن الاسلام الحركي، الذي يتلخص مشروعه في الوصول الى السلطة.

وبالرغم من استمراره في الدراسات الفقهية والأصولية، اهتم الرفاعي أيضا بالفلسفة الاسلامية،  وألف كتبا قيمة في مجالي أصول الفقه و الفلسفة الإسلامية.

السفر الرابع: لاهوت الحرية:

السفر الرابع هو سفر الأسفار، أرحبها وأوسعها وأخصبها، اذ يتسع ويحتضن كل جديد في مجال الفكر. في هذه المرحلة يعيد الرفاعي النظر في فهم الدين، يتوغل في استكشاف آفاقه الروحية والمعنوية والجمالية، ويهتم بتأويل النصوص، لكن بعد أن يخلع نقاب الأيديولوجيا عنها، ويمكن أن نسمي هذه المرحلة  "السفر الدائم". أصبح الرفاعي دائم السفر بتبنيه الفكر النقدي التحديثي. بطبيعة الحال هذا  المنحى الأخير يتسع لكل التحولات والتبدلات الفكرية.

 في هذه المرحلة اتجه الرفاعي الى تمجيد وتبجيل التراث الصوفي، والاستغراق في مدياته العميقة، وما يمكن أن يضفيه على الحياة المعاصرة المتخشبة الجافة الباردة من معنى ودفء وطاقة حيوية ايجابة وتراحم، وأثر ذلك في تحقيق الأحلام الانسانية وتخفيف الآلام والصراعات في العالم الاسلامي، وما ينجم عن التطرف والكراهية والعنف والإقصاء و نفي الآخر.

 كذلك عمل الرفاعي في حقل اصلاح التعليم الديني، فنبه الى ضرورة استخدام المناهج الجديدة لفهم النص. ثقافته العميقة في الدراسات الدينية تؤهله للتقدم في هذا المجال، خلافا لبعض الانتهازيين الذين يلوثون مجال النقد والإصلاح بالأساليب الإستفزازية ويدّعون الإصلاح، فيما يفتقرون الى تكوين معمق في التراث والعلوم الإنسانية الجديدة، وهو ما يتميز به الرفاعي.

رغم إطلاق كثير من المحاولات التحديثية للمعرفة الدينية، من خارج المؤسسة الدينية، الا ان المشكلة الأساسية لمعظم هذه المحاولات انها تطبق بطريقة عشوائية غير مدروسة، نظرا لعدم معرفة القائمين عليها بلغة التراث الدينية التخصصية. ان إعمار المناطق الأثرية ليس شأن الذين درسوا الهندسة الجديدة ولا يعرفون شيئا من القواعد الناظمة لهذه الأماكن الأثرية.  لهذا أرى ان أهمية مفكرين من أمثال الدكتور عبد الجبار الرفاعي تأتي من أنه عالم بتفاصيل العلوم الدينية التقليدية، والعقلية السائدة فيها، ومنطق المناهج المتبناة لدى أعلام التراث، مضافا الى انه عالم بالمناهج الحديثة للعلوم والمعرفة الإنسانية.

انه يدرك تماما بأن التغيير يجب أن يأتي من الداخل، والمؤسسة الدينية التي أنتجت علماء مستنيرين، من أمثال الشيخ محمد حسين النائيني والعلامة محمد حسين الطباطبائي تستطيع ان تُجدّد وتُحدّث نفسها. يقول الرفاعي:"نحن بحاجة الى تعليم ديني بأسلوب كلاسيكي، من داخل التجربة، لكن من خلال إستيعاب أدوات ومعطيات ومناهج العلوم الانسانية الجديدة، ودمجها في إطار الدراسات الدينية".

يبدو أن الرفاعي وجد ضالته في الإسلام الصوفي العرفاني، لكنها ليست بالضرورة ممارسة الطقوس والمراسيم والمواجيد والتراتبية المتعارفة في خانقاهات وتكايا المتصوفة، وانما هي استدعاء ما يكتنزه التصوف والعرفان من منابع لإلهام الروح وخلع معنى وجمال على ما لامعنى له، ووراء و فوق ذلك التسامح والشفقة والرفق و اللين، والنظر الى الخلق كعيال الله، حسبما ورد في حديث عن الرسول (ص): "الناس كلهم عيال الله، وأقربكم إلى الله أنفعكم لعياله". خلافا لمنهج العنف والتسلط والكراهية، الذي تتبناه جماعات متطرفة، يتوهمون أن الله بحاجة الى جرائمهم البشعة، ليفرض سلطته على خليقته، ويسجلون تصرفاتهم الغبية بإسم التضحية من أجل الله، وعلى حساب الله، ويرجون من الله الجزاء الحسن مقابل قتلهم الناس، أي قتلهم عيال الله.

 و رغم النقد الذي يوجهه الى المنهج الدراسي و فوق ذلك الى أساليب الإجتهاد والإستنباط الفقهي، لكنه عندما يصل الى التصوف يخلع حذاء النقد،كما فعل موسى النبي، الذي أُمر من قبل الله بخلع حذائه، عندما رأى نارا من جانب الطور الايمن.

استطاع الدكتور الرفاعي بفضل تعلمه اللغة الفارسية أن يتجول في آفاق التراث العرفاني والصوفي الايراني، وقراءة قصائد مولانا جلال الدين محمد الرومي، الشاعر الفارسي الكبير، أثرت عليه التراث العرفاني الصوفي الى الفكر العقلاني النقدي .

و نظرا لإنحياز صديقنا العزيز الدكتور عبد الجبار الرفاعي الى التراث الصوفي، وخصوصا بالشاعر مولانا جلال الدين الرومي، أذكر بالمناسبة أبياتا من كتابه المثنوي، الذي كانت ترجماته المتعددة في الغرب من أكثر الكتب مبيعا. يصف الشاعر الكبير الايراني، الشيخ الجامي هذا العبقري في قصيدة بالفارسية:

من نمي كويم كه آن عالي جناب

هست بيغمبر ولي دارد كتاب

لا اقول أن ذلك الرجل العظيم كان نبيا،

لكنه صاحب كتاب

يقول مولانا:

از جمادي مردمو نامي شدم

وز نما مردمبه حيوان سر زدم

 مُردم از حيواني و آدم شدم

پس چه ترسم؟ کي زمردن کم شدم؟

 ور ملک هم بايدم جستن ز جو

 کُلُّ شَي ءٍ هالِک الا وَجهُهُ ..

أماتني  الجماد فصرت ناميا

وأماتني  النما فصرت حيوانا

 وأماتني  الحيوان فصرت انسانا

فلم الخوف؟ متى أنقص الموت مني شيئا ؟

 اما ان رمت المُلك من النبع فليكن

كل شيء هالك الا وجهه