إسقاط طائرة الـ «أف - ١٦» الإسرائيلية، بصواريخ سورية، حدث استثنائي، لأنه منذ العام ١٩٨٦، لم تُسقط الدفاعات السورية أي طائرة إسرائيلية رغم وقوع عشرات وربما مئات الغارات الإسرائيلية، لأنه في كل مرة كانت دمشق تُسارع إلى القول: «سنرد في الوقت والمكان المناسبين، ولم يحصل أن عثرت دمشق - الأسد - والابن، على الوقت والمكان المناسبين للرد على الغارات. وجد الممانعون في الرد «السوري» تغييراً في قواعد الاشتباك، وقد وصل الأمر إلى درجة حصول انقلاب في القوى ستتردد إسرائيل مائة مرة قبل الإقدام على «مغامرة» جديدة لأنها ستكون مُكلفة جداً.
لم تتغير موازين القوى لمصلحة نظام الأسد حتى يمكن التبجح بمفاعيل القوة العسكرية السورية المُستجدة. رغم الغارة الأولى بالطائرة بدون طيار و«الرد السوري» ومن ثم الغارات الإسرائيلية وردود الفعل، تؤكد جميعها على أمر واحد، الرغبة والإرادات بأن تقف نتائج ما حصل عند هذه الحدود، وعدم الانزلاق نحو مستنقع مليء بالألغام. باختصار لا أحد يريد تحويل سوريا إلى ساحة حرب شاملة تتمدد في المنطقة خصوصاً لبنان، لأنها قد ترغم قوى أخرى اعتمدت «الحروب بالوكالة» حتى الآن، ومنها إيران وإسرائيل، على المواجهة المباشرة. كل هذا يثير عشرات الأسئلة التي يجب أن تُطرح حتى ولو كان بعضها بلا إجابات وافية أو واضحة، وهي بالعكس تزيد الغموض غموضاً.
* لماذا سمحت موسكو التي تُمسك بالأرض والفضاء وحتى القرار، لسوريا بإطلاق الصواريخ المضادة؟ من المستحيل أن لا تعلم موسكو بالقرار السوري، خصوصاً أن إسرائيل قامت بحوالى ١١٥ غارة على سوريا سواء كانت الأهداف سورية أو إيرانية أو حتى لـ«حزب الله» ولم يقع أي تحريك للصواريخ التي من بينها آس ٢٠٠ الروسية إلى جانب سام - ٦ وغيرها؟ هل هذا ينبئ بتغير في الموقف الروسي من إسرائيل؟ ولماذا قبولها في جميع الحالات بتوجيه هذه الرسالة الدامية لها؟ وكل ذلك وقع بعد أقل من ٧٢ ساعة على انتهاء القمة التاسعة بين بوتين ونتنياهو؟
* لماذا أنكرت طهران مسؤوليتها عن الطائرة بلا طيار، ولماذا سارعت إلى التأكيد بأن تواجدها في سوريا «استشاري»، في وقت كانت فيه لا يمر يوم واحد من دون تصريح لجنرالات «الحرس الثوري» يؤكدون فيه الدور الاستثنائي لهم في الحرب في سوريا؟ الأطرف من كل شيء أن موقع «الحرس» ركز على: كيف بكى الجنرال قاسم سليماني على كتف مخرج فيلم إيراني «بتوقيت الشام» وكيف سارع جواد ظريف وزير الخارجية إلى الإعلان كيف بكى بدوره لدى مشاهدته الفيلم نفسه.
طهران سواء أعلنت أو تمنعت عن كشف دورها في كل ما يحصل أرادت توجيه رسالة للجميع، أي موسكو وواشنطن وحتى إسرائيل، بأنها موجودة في دمشق وفي قلب «القرار الأسدي» فلا يحاول أحد تجاهلها فهي قادرة على قتل أي محاولة تنتج حلاً من دون موافقتها مهما كانت الكلفة خصوصاً أنها نادراً ما تدفع من «كيسها». سوريا بالنسبة لطهران ضرورية لأنها إذا لم يكن بإمكانها بلع لبنان و«هضمه» لأسباب عديدة، فإنها لن تتخلى عن سوريا الضرورية للإمساك بلبنان ومن ثم العراق والأهم الاتصال الجغرافي بإسرائيل الذي يسمح لها بالتهديد بالحرب كل يوم من دون أن تقع تلك الحرب الموعودة بتحرير القدس ولو بعد ألف عام.
* ماذا عن واشنطن؟ لا شك أنها سعيدة بمسارعة إسرائيل بقصف ١٤ موقعاً في سوريا محاذية للوجود الروسي الثابت والمتحرك والتي منها «مطار التيفور» و١٢ موقعاً عسكرياً المهم منها الإيراني (جنوبي السيدة زينب في تل أبو الثعالب) ومنها قاعدة الفرقة ١٠٤ للحرس الجمهوري. الصمت الأميركي مربك جداً وغامض. السؤال إلى متى يستمر هذا الموقف، وهل ستتابع تقدمها نحو استراتيجية جديدة تقيد الحركة الروسية وتجعلها تقف في مواجهة طهران مما يخفف عنها أعباء إضافية في تجميد التمدد الإيراني؟
لا يوجد حالياً «مخزن للبورسيلان» يتطاحن فيه «الفيلة» أفضل من «المخزن السوري». الخسائر السورية مستمرة، وما يحصل حتى الآن وضمن الشروط المتوافرة هو عمليات الهدف منها رسم كل طرف الحدود التي يريدها لنفسه من الأرض، والنفوذ ليس في سوريا فقط وإنما في منطقة الشرق الأوسط.