ينتظر لبنان وصول وزير الخارجية الاميركية ريكس تيلرسون الى بيروت بعد غد، إذ على هذه الزيارة يتبيّن الخيط الابيض من الخيط الاسود، وتبعاً للون الخيط الذي سَيتبدّى، يتحدد ما اذا كانت تطورات الجدار الاسرائيلي وإعلان ملكية اسرائيل للبلوك رقم 9 سيدفعان الجبهة الجنوبية الى التصعيد او الى التبريد.
يأتي ذلك وسط تبلّغ المراجع الرسمية اللبنانية حرصاً اميركياً نقله مساعد تيلرسون، دايفيد ساترفيلد، بأنّ واشنطن معنية بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، وعدم فتح الجبهة الجنوبية على اي تصعيد مع الجانب الاسرائيلي قد تترتّب عليه توترات يخشى ان تمتد على مساحة كل المنطقة. الّا انّ صدقية هذا الاصرار، وفق ما اكد مرجع كبير لـ«الجمهورية» تحتاج الى ان تقترن الرغبة الاميركية بالتهدئة بخطوات عملية تفرضها واشنطن على اسرائيل.
واذا كان بعض الاطراف في الداخل يعتبرون انّ اللقاء الرئاسي الثلاثي في قصر بعبدا امس، وهو الثاني بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، يشكّل اختزالاً للحكومة اللبنانية ويقوم بما يجب عليها القيام به، الّا انّ اهمية هذا اللقاء وفق تأكيد الرؤساء الثلاثة انه يبثّ جوّاً اضافياً من التفاهم الداخلي، ما ينسحب تلقائياً على المناخ الداخلي بشكل عام والملفات العالقة تحت اكثر من عنوان، ويتعزّز ذلك ايضاً باللقاء الثنائي في عين التينة بين بري والحريري، والذي يأتي بعد فتور في العلاقات بينهما على خلفية أزمة مرسوم الاقدمية.
وما تسرّب عن اللقاء الرئاسي يَشي بأجواء جيدة جدا، وبأنّ خط الانسجام الرئاسي صار أمتن من ذي قبل، خصوصاً انّ الامور والقضايا تتمّ مقاربتها بروحية ايجابية، وباستعداد لتجاوز اي عقبات يمكن ان تعترض المسار الداخلي، وكذلك باستعداد لتجاوز كل الهنات التي حفلت بها مرحلة ما قبل الوئام الرئاسي، وأدخلت البلد في مدار التأزيم والسجال. واللافت في هذا السياق كان اللقاء الودّي بين بري والحريري الذي يمكن وصفه، مع الغداء الذي تخلله بـ«لقاء المصالحة على مائدة الخبز والملح». وحرصت أجواء عين التينة على مقاربة اللقاء بارتياح، حيث تمّ فيه بحث قضايا الداخل بأولوياتها كافة.
وقال بري امام زوّاره: «بحثنا في كل الامور، وخلال ذلك أعدتُ طرح موضوع الموازنة العامة للعام الحالي وضرورة إحالتها سريعاً الى مجلس النواب ليُصار الى إقرارها خلال الفترة الباقية من عمر مجلس النواب».
والهدف الاساس الذي اشار اليه بري «هو انّ الوضع المالي صعب جدا ويتطلب إرسال الموازنة لإقرارها قبل نهاية ولاية المجلس لأنّ التأخير في ذلك قد يوقعنا في الدوامة من جديد، اذ انه بعد الانتخابات النيابية ستنتهي ولاية الحكومة الحالية، وتشكيل الحكومة الجديدة قد يستغرق وقتاً ربما لشهر او لأشهر، وساعتئذ بدل ان نكون امام موازنة العام 2018 نصطدم بموعد موازنة الـ2019. وعندها، نعود الى الدوران حول أنفسنا بموضوع قطع الحساب وما شابه ذلك من تعقيدات. لذلك الافضل ان تأتي الموازنة الآن».
وفيما بَدا من نتائج اللقاء انّ الحريري عبّر عن استعداد للتعجيل بإحالة الموازنة قريباً، الّا انّ ذلك يتطلّب عقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء مخصصة لها، والاسبوع المقبل موعد ملائم لذلك، علماً انّ مشروع الموازنة مُنجز من قبل وزارة المالية وما ينقص هو الطرح امام مجلس الوزراء. الّا انّ مصادر وزارية اكدت لـ«الجمهورية» انها تستبعد عقد جلسات للموازنة، لأنّ الوقت داهمنا جميعاً ولم يعد يتّسِع الّا للانتخابات.
الّا انّ الاساس، في اللقاء الرئاسي، وفق اجواء الرؤساء ليس تجاوز الحكومة في مرحلة تشهد تراجعاً طبيعياً في الانتاجية الحكومية ربطاً بالزمن الانتخابي الحالي والتحضيرات لإجراء الانتخابات في ايار المقبل، بل هو أكل العنب، إن لناحية بَثّ المزيد من الارتياح الداخلي، أو لجهة إظهار صورة لبنانية موحدة من التهديدات الاسرائيلية واجراءاتها الاستفزازية على الحدود. وبالتالي، إظهار انّ القيادة السياسية في لبنان موحّدة وفي اعلى درجات التنسيق حيال مسألة وطنية كمسألة التهديد الاسرائيلي للسيادة اللبنانية.
ما يعني، إرسال رسالة شديدة الوضوح الى الخارج، بأنّ لبنان لا يتهاون في موضوع سيادته وحقوقه، وهو على استعداد للدخول في حرب اذا ما وجد تَعنتاً اسرائيلياً وإصراراً على المَس بسيادته وقضم الحق اللبناني في برّه وبحره، وانّ قراره هو عدم السماح لإسرائيل بأن تسطو على بَرّنا وبحرنا وثرواتنا، في سبيل ذلك سيستخدم كل ما يملك من قوّة وقوى للتصدي والدفاع.
والتأكيد على موقف التصدي والمواجهة تمّ تزويده لممثّل لبنان في اللجنة الثلاثية مع «اليونيفيل» والجانب الاسرائيلي، بعدما تبيّن انه خلال اجتماع اللجنة في الناقورة أمس، قدّم الجانب الاسرائيلي جواباً سلبياً، يتضمّن تَمسّكاً ببناء الجدار الإسمنتي في المنطقة التي حدّدتها إسرائيل، اي ضمن النقاط المتنازَع عليها مع لبنان بما يعني ضمناً مصادرة هذه الاراضي واعتبارها ملكاً لإسرائيل، وما يعني ايضاً انّ هذه النقاط البريّة تمتد الى الحقل النفطي بحراً وقَرصَنته وحرمان لبنان منه. وهو الامر الذي اكد الجانب اللبناني في اللجنة الثلاثية انه يرفضه جملة وتفصيلاً، ولن يسمح بالتعدّي على أرضه.
فسيادة لبنان أولاً، وحق لبنان في برّه وبحره اولاً ايضاً ولا ينازعه عليه احد. فيما بَدا انّ «اليونيفيل» اقتصر دورها على التأكيد للجانبين اللبناني والاسرائيلي على تهدئة الامور والالتزام بالقرار 1701.
وقال مرجع سياسي كبير لـ«الجمهورية»: «انّ لبنان ليس معنياً بالتصعيد، وقد لمسنا هذه النيّة بعدم الرغبة في التصعيد من الموفد الاميركي ساترفيلد، واذا كنّا لسنا معنيين بالتصعيد، فهذا لا يعني ابداً انه تخلّينا عن حقنا وارضنا وبحرنا وسيادتنا، وقرارنا أبلغناه لكل المستويات الدولية، وتحديداً للأميركيين، بأنه ممنوع وغير مسموح التعدّي على السيادة اللبنانية لا في البر ولا في البحر، والتعليمات التي أعطيت للجيش خلاصتها الرَدّ بكل الوسائل المناسبة على أيّ اعتداء، وعلى اي محاولة للاقتراب من النقاط المتَحفّظ عليها على الحدود. واذا اراد الاسرائيليون ان يبنوا الجدار فهذا شأنهم، لكن فليبنوه على الجانب المقابل من خط الحدود الدولية مع لبنان، وليس من الجهة اللبنانية.
بدوره، قال مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية»: «الجيش يأخذ كل التدابير على الحدود الجنوبية، لكن حتّى الساعة لم يسجّل أيّ خرق إسرائيلي للخطّ الأزرق، وعندما يتمّ التعدي على أرضنا فلكل حادث حديث»، لافتاً الى انّ «الحدود الجنوبية تعيش هدوءاً، والحياة مستمرة في القرى الحدودية بشكل طبيعي».
وكان عون قد أكّد في حديث صحافي انّ لبنان أخذ قراراً بالدفاع عن أرضه في حال حصول اعتداء اسرائيلي عليها او على حقوقه في النفط. وقال: «إنّ الاستفزاز الاسرائيلي الكلامي لا يهمنا، ولكن اذا دخل حَيّز التنفيذ ستكون هناك حروب جديدة»، مُستبعداً في الوقت نفسه ان تقدم اسرائيل على تنفيذ تهديداتها، وقال: «نحن طرحنا حلاً، هناك نقاط حدودية متنازَع عليها مع اسرائيل، فلنحلّ النزاع حول هذه النقاط أولاً، لأنه لا يمكن لإسرائيل ان تبني جداراً في اراضينا».
وفي سياق أمني آخر، قال مرجع امني كبير لـ«الجمهورية: «لبنان ينعم بوضع امني جيّد جداً قياساً مع أمن سائر دول العالم، فالوضع ممسوك ومطمئن، خصوصاً انّ الجيش والاجهزة الامنية تقوم بجهود كبيرة في هذا المجال منعاً للإخلال به».
وأضاف المرجع: «لن نسمح لأيّ كان في الاخلال بالامن. الجيش ومديرية المخابرات يفككان يومياً خلايا إرهابية ويقبضون على ارهابيين، كما حصل مؤخراً في عرسال وطرابلس، وحَذرنا الأساس في هذه المرحلة هو من عودة الإرهابيين الذين كانوا يقاتلون الى جانب المجموعات الارهابية في سوريا، وقرار الجيش هو ملاحقة من تَمكّن من التسلل الى لبنان، ومنع الآخرين من التسلل، خصوصاً انّ هؤلاء يشكلون قنابل موقوتة تهدد الاستقرار الداخلي وأمن كل الناس».
مؤتمر روما
وفي هذه الاجواء، أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، في الاجتماع التحضيري لمؤتمر روما 2 في السراي الحكومي، «انه يرى في المؤتمر، فرصة تاريخية نحصل فيها على احتياجاتنا من أجل مستقبل آمن، ليس في لبنان فقط، إنما في العالم».
وقال: «نتطلّع إلى اليوم الذي يصبح فيه السلاح غير الشرعي بأمرة الدولة، ونتطلّع إلى اليوم الذي يعود الجيش إلى ثكناته ليقوم بواجبه في حماية حدود الوطن. وتبقى قوى الأمن مسؤولة وحدها عن أمن اللبنانيين».
وقال المشنوق: «لم ترفض أيّ دولة عربية حضور المؤتمر، وتحديد موعده في 15 آذار المقبل مؤشر إيجابي».
وقال مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» إنّ «قيادة الجيش تبلّغت أنّ أسباباً لوجستية وتقنية تقف وراء عقد مؤتمر روما 2 في 15 آذار بدلاً من أواخر شباط، وذلك من أجل تنظيم أكثر للمؤتمر وتنسيق المواقف بين الدول المشاركة»، مشدداً على عدم «وجود أي أسباب سياسية وراء تأجيله بضعة أسابيع».
ولفت الى أنّ «المهم نجاح المؤتمر، علماً انّ دولاً كبرى أبدَت حماستها في المشاركة والدعم».