إذا صحّ أن المواجهة فجر السبت في الأجواء السورية والفلسطينية كانت فخّاً نصبه الإيرانيون للطيران الإسرائيلي، ونجح فيه الأولون في تسجيل هدف ثمين بإسقاط طائرة «إف 16» إسرائيلية، نكون قد تقدمنا خطوة جديدة في طريق التصعيد المدروس المستمر منذ أعوام، والذي يتخذ حتى الآن من سورية ساحة وحيدة له.
وفق المقولة السابقة، يكون استدراج الإيرانيين من خلال إرسالهم طائرة من دون طيار إلى أجواء الجولان المحتل وانتظار خروج الطائرات الإسرائيلية لقصف أهداف متوقعة منها، العربة التي يعتقد الإسرائيليون أنها كانت محطة التحكم والسيطرة بالطائرة المسيّرة، بالتالي الحصول على الوقت الكافي للتعامل مع الطائرات الإسرائيلية بالأسلحة المضادة المناسبة، يكون هذا بمثابة تغيير في قواعد اللعبة المستمرة في الأجواء السورية منذ أكثر من خمس سنوات شنّ خلالها سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 115 غارة على مخازن ومصانع أسلحة يقول الإسرائيليون أنها كانت منخرطة في توريد عتاد «كاسر للتوازن» إلى «حزب الله» اللبناني.
يجوز الاستنتاج أن حوادث فجر السبت كسر حرية الحركة المطلقة الإسرائيلية في أجواء سورية واستطراداً لبنان الذي كانت الطائرات المهاجمة تُطلق في مرات كثيرة صواريخها نحو الأهداف الإيرانية والسورية من أجوائه. منطق الحوادث يشير إلى التمسك الإسرائيلي بحرية الحركة هذه التي تعتبرها حيوية لمنع نقل تكنولوجيا عسكرية متقدمة إلى حدودها الشمالية، سواء في لبنان أو في الجولان. عليه، ستحاول إسرائيل استعادة المبادرة والرجوع إلى الوضع السابق الذي تميز بتفوقها الجوي. ما يعني بداهة ضرورة توقع رداً إسرائيلياً عنيفاً على مواقع إيران و «حزب الله» في سورية يكون أفضل إعداداً من الاندفاع المتسرع الذي حصل أمس إلى الشباك الإيرانية. غني عن البيان أن الإيرانيين وحلفاءهم سيكونون في انتظار هذا الرد بجاهزية عالية.
تمكن إضافة التصعيدين السياسي والميداني على الجبهة اللبنانية القريبة لرسم صورة أوسع للاستراتيجية الإسرائيلية الرافضة ترك الإيرانيين يتمددون في سورية ولبنان من دون أي إزعاج ووسط مشاعر النصر الذي شاركوا في تحقيقه على قوى المعارضة السورية وعلى «داعش» وانتزاعهم دوراً مقرراً في مستقبل الحل السياسي في المنطقة ككل من خلال إضافة استئناف علاقاتهم مع «حماس» وضم هذه مجدداً إلى لائحة القوى الموالية لهم. فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية قراراً إسرائيليا ببناء جدار فاصل على الحدود مع لبنان الذي يعترض عليه لانتهاك الجدار الأراضي اللبنانية في عدد من النقاط، كما لوّح وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان بالاستيلاء على المربع (البلوك) الرقم تسعة من المنطقة الاقتصادية الخاصة التي سيبدأ لبنان التنقيب عن النفط والغاز فيها.
الاقتراب من الصدام المفتوح الإيراني – الإسرائيلي بهذه الخطوات المدروسة والمُفكّر فيها ملياً لن يكون سريعاً على الأرجح، بل ستشهد الأيام التي ستلي كل جولة منه اتصالات كثيفة بين الأطراف الإقليمية لتقييم الأرباح والخسائر وضبط الإيقاع، على غرار ما حصل في الساعات الأولى من صباح أمس.
والغالب على الظن أن أي مواجهة واسعة إذا وقعت، ستعامل العالم معها كصراع على النفوذ بين قوتين إقليميتين ضاريتين ما يبرر تساءل «السكان الأصليين» في هذه المنطقة عن مصلحتهم الملموسة في ما يحصل أي استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وهي لبّ الصراع في الشرق الأوسط. أو بحسب الرطانة السائدة، سيعيد طرح السؤال عن الجهة الحقيقية التي تتجه إليها «البوصلة» الطيبة الذكر. هل سيحمل هذا الصراع جزءاً ولو يسيراً من التقدم على طريق عودة الحقوق إلى أصحابها أم إنه سيخدم جداول أعمال داخلية لطرفين لا يقيمان وزناً لأصحاب البلاد؟