كيف يمكن للحكومة اللبنانية أن تتعاطى مع تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضد حزب الله ولبنان، والتي وردت على لسان أكثر من مسؤول سياسي وعسكري إسرائيلي؟ هل عليها أن تدرج هذا الأمر في خانة التهديدات الكلامية التي تهدف إلى التهويل والتخويف والردع؟ أم عليها ان تأخذ بجديةٍ بالغةٍ هذه التهديدات، وأن تعمل على تطويقها، ونزع فتيل التفجير قبل حصول ما لا تُحمد عقباه؟ تقضّ هذه الأسئلة مضاجع المسؤولين في لبنان، في الأيام الأخيرة، وهي التي دفعتهم، على الأرجح، إلى تخطي خلافاتهم والحزازات السياسية الناشبة بينهم، والانصراف إلى مواجهة أكبر خطر يحدق بلبنان في هذه الفترة، وهو إمكانية اندلاع حربٍ جديدةٍ بين حزب الله وإسرائيل.
الجديد في التهديدات الإسرائيلية الجديدة أنها تزامنت مع عدد من التطورات، مثل زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، موسكو، وما رشح عنها من تعزيز التعاون العسكري، وحصول نتنياهو على ضوء أخضر لوقف تعاظم النفوذ الإيراني في سورية ولبنان، والأهم اتخاذ كل الخطوات اللازمة للحؤول دون بناء إيران مصانع صواريخ دقيقة وبعيدة المدى في لبنان. كما برز تطور آخر ذو دلالة، هو بدء الجيش الإسرائيلي بناء جدار إسمنتي، ارتفاعه عشرة أمتار، يبدأ من رأس الناقورة، ويمتد على طول الحدود مع لبنان، وصولاً إلى جبل
"ما يجري رسالة تحذير إلى الرأي العام اللبناني وإلى حكومته وجيشه"
الشيخ، بهدف منع تسلل مقاتلي حزب الله إلى المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لهذه الحدود، في حال نشوب حرب جديدة. ويضاف إلى ذلك تهديد وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، بمنع لبنان من التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9، بحجة أنه ضمن حدود المياه الاقتصادية الخالصة لإسرائيل. وقد ترافق هذا كله مع كم غير قليل من التحليلات والتعليقات في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تناولت إمكانية نشوب حرب "ثالثة" ضد لبنان. فهل ستبقى هذه التهديدات كلاميةً ذات هدف ردعي، وإعادة ترسيم الخطوط الحمراء لإسرائيل في لبنان؟ أم أنها بداية مرحلة جديدة في التعاطي الإسرائيلي، مع تعاظم قوة إيران العسكرية في سورية ولبنان، ومخططاتها تزويد حزب الله بأسلحة صاروخية دقيقة ومتطورة من نوع جديد. مرحلة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها بداية المواجهة العلنية والمباشرة بين إسرائيل وإيران في سورية ولبنان.
في الرد على السؤال الأول، هناك أكثر من مؤشر، يدل على أن هدف التصعيد الكلامي بصورة أساسية الردع، وأن ليس هناك توجه فعلي لدى الحكومة الإسرائيلية نحو الدخول في مواجهة عسكرية جديدة ضد حزب الله، تعلم تماماً أن من سيدفع ثمنها، بالدرجة الأولى، هم المدنيون الإسرائيليون. لكن من جهة أخرى، يجب عدم الاعتماد بصورة كاملة على هذا التقدير، وأخذ التهديدات بجدية، وضرورة أن تبدأ الحكومة اللبنانية وضع خطة واضحة لاحتوائها. والمثير للقلق في التهديدات الأخيرة أنها تستند إلى تقديرات الجيش الإسرائيلي بأن الحرب المقبلة ستكون ضد الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى والدقيقة. وهذا مهم في استراتيجيا الجيش الإسرائيلي، وستكون له انعكاساته على أمن إسرائيل. وفي تقديرات المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، إذا نجحت إيران في تزويد حزب الله بصواريخها الدقيقة وبعيدة المدى، فإنه، من الآن وحتى عشر سنوات، سيكون لدى الحزب ألف صاروخ من هذا النوع، وعلى افتراض أن المنظومة الإسرائيلية لاعتراض الصواريخ "القبة الحديدة " استطاعت اعتراض 90% من هذه الصواريخ، فإنه يبقى لدى الحزب مائة صاروخ يمكن أن يلحق ضرراَ بالغاً بالبنى الحيوية التحتية الإسرائيلية، كما يمكن أن يربك الاداء العسكري للجيش في أثناء المواجهات. ويشكل هذا خطراً لا يمكن التقليل من أهميته.
حتى الآن، تتمركز الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف تابعة لحزب الله، أو إيران،
"وسائل الإعلام الإسرائيلية تناولت إمكانية نشوب حرب "ثالثة" ضد لبنان"
موجودة داخل الأراضي السورية، من دون أن تستهدف الأراضي اللبنانية. تدرك إسرائيل أن نظام بشار الأسد لن يرد على هذه الهجمات، لكنها تعلم أن أي هجوم من هذا النوع داخل الأراضي اللبنانية لن يمر من دون رد من حزب الله. وما دامت إسرائيل تحافظ على خطة تحرّكها هذه، ولم تقدم حتى الآن على ترجمة تهديداتها لحزب الله بعمل عسكري ضده داخل لبنان، فهذا معناه أنها لا تريد وقوع مواجهة عسكرية واسعة النطاق معه. أما إذا خرجت إسرائيل عن هذا الخط، وأردفت استفزازاتها للبنان على الحدود من خلال بناء الجدار، أو من خلال منع لبنان من التنقيب في بلوك 9، بهجوم على مواقع تابعة لحزب الله في لبنان، فإن هذا مؤشر على نوايا عدوانية مبيتة، وستكون محاولة مكشوفة منها الى جرّ حزب الله وحكومة لبنان وجيشه وشعبه إلى حرب مدمرة.
ما يجري حتى الآن رسالة تحذير إلى الرأي العام اللبناني، وإلى حكومته وجيشه، وأيضاً رسالة إلى الرأي العام الإسرائيلي، لإعداده نفسياً لإمكانية نشوب حرب جديدة، وإلى الرأي العام الدولي، لحثه على التدخل لمنع تعاظم النفوذ الإيراني على الحدود مع "إسرائيل".
رنده حيدر