أعلنت مصر إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في 3 محاور رئيسية، حاشدة عددا وعتادا غير مسبوقين، في عملية عسكرية لم تفصح جهة رسمية عن أهدافها النهائية أو الاستراتيجية التي ستتبعها لتحقيق هذه الأهداف.
وستركز العملية، التي تشارك فيها معدات ثقيلة وآلاف الجنود، على شبه جزيرة سيناء ومناطق في الدلتا إلى جانب الظهير الصحراوي الغربي لوادي النيل، قبيل أسابيع على إجراء انتخابات رئاسية، من المتوقع أن يفوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بها دون عناء.
وحجم القوات المشاركة ومتابعة السيسي لها من غرفة العمليات، وفقا لوسائل إعلام رسمية، يوضح أن العملية، التي أطلق عليها “سيناء 2018″، ليست روتينية، لكنه لا يعكس في الوقت ذاته ما إذا كانت تستهدف حصار متشددين إسلاميين يقاتلون ضد القوات الحكومية منذ سنوات، أم أنها تهدف إلى القضاء عليهم قضاء مبرما.
وأصدر الجيش، الجمعة، بيانين عن العملية أعلن فيهما تنفيذ “خطة مجابهة شاملة للعناصر الإرهابية والإجرامية” في شمال ووسط سيناء ومناطق بدلتا مصر والظهير الصحراوي غربي وادي النيل.
وجاء في البيان الأول أن “العملية الشاملة سيناء 2018″ تأتي “في إطار التكليف الصادر من رئيس الجمهورية للقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية بالمجابهة الشاملة للإرهاب والعمليات الإجرامية الأخرى بالتعاون الوثيق مع كافة مؤسسات الدولة”.
وذكر البيان أن العملية تهدف إلى “إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية للدولة المصرية وتطهير المناطق التي يوجد بها العناصر الإرهابية”.
كما أوضح البيان الثاني قيام طائرات حربية باستهداف مخازن للأسلحة في شمال سيناء، بالتزامن مع تشديد قوات حرس الحدود تأمين المنافذ الحدودية، ومشاركة القوات البحرية في العملية.
وقال السيسي في حسابه على فيسبوك “أتابع بفخر بطولات أبنائي من القوات المسلحة والشرطة لتطهير أرض مصر الغالية من العناصر الإرهابية”.
اللواء محمد رشاد: معلومات كشفت وجودا متزايدا للإرهابيين في الدلتا
وتأتي العملية بعيد أيام قليلة من نفي مسؤولين مصريين تقارير غربية عن قيام طائرات إسرائيلية بتنفيذ عمليات في المنطقة، بالتنسيق مع مصر. وقال المسؤولون حينها إن الإمكانيات العسكرية والاستخباراتية المصرية لا تحتاج إلى دعم إسرائيل، في وقت تحصل فيه مصر بشكل روتيني على معلومات من أقمار صناعية أميركية وروسية عن المتشددين ومواقعهم. لكنهم لم ينفوا كذلك وجود تنسيق أمني ومعلوماتي مع إسرائيل وحماس.
ويسعى الجيش إلى الانتهاء من العملية قبيل مهلة 3 أشهر حددها السيسي لقادته ودعاهم إلى استخدام “القوة الغاشمة” خلالها للقضاء على الإرهابيين. ومن المنتظر أن تنتهي المهلة بنهاية الشهر الجاري.
ويقول خبراء عسكريون إن ضيق الوقت عائق يسير في الاتجاه المعاكس لرغبة المخططين العسكريين المصريين، رغم ضخامة العملية واتساع نطاقها.
وإذا كان الهدف النهائي من العملية اجتثاث الجهاديين من شبه جزيرة سيناء، فالاستراتيجية التقليدية المصرية نفسها ستقف حائلا أمام تحقيق ذلك في المدى المنظور، إن لم تقدم القيادة على تغييرها.
وتقوم هذه الاستراتيجية على تنفيذ عمليات انتقائية دقيقة تهدف إلى التقليل، بقدر الإمكان، من الخسائر في صفوف السكان المحليين في مناطق العمليات في نطاق مدن رفح والعريش والشيخ زويد ووسط سيناء. وشكلت الاستراتيجية المصرية الحذرة عائقا أحيانا أمام قوات كبيرة متمركزة بالفعل في المنطقة.
وقبل نحو عام قال السيسي إن هناك 41 كتيبة تضم أكثر من 25 ألف جندي تتمركز في سيناء. لكن الحرص الزائد وتبني “عمليات جراحية” في تعقب المتشددين، إلى جانب غياب المعلومات الاسخباراتية أحيانا، قلل كثيرا من فاعلية هذه القوات.
وأصبحت أمام القوات المصرية نماذج يمكن اتباعها في المنطقة. فتحرير مدن رئيسية في العراق وسوريا وليبيا (الموصل والرقة وسرت) من سيطرة تنظيم داعش كان فعالا، لكن الآثار الجانبية للعمليات كانت مدمرة.
واستخدمت القوات، التي شاركت في العمليات في النماذج الثلاثة، قوة نيران كثيفة على غرار القوة التي تلجأ إليها مصر اليوم، لكن كلفة الانتصار في المعركة شملت تدمير المدن الثلاث بالكامل وتهجير عشرات الآلاف من سكانها.
وفي مصر، لا يسيطر داعش على الأرض، كما لم يتمكن من إحكام قبضته على مدن أو قرى بشكل مشابه. ويقول خبراء عسكريون إن “هذا هو جوهر صعوبة وتعقيد العملية، إذ مازالت عائلات كثيرة في سيناء تشكل ملجأ آمنا للمتشددين الذين لا يمثلون هدفا واضحا للقوات المصرية يمكن استهدافه بشكل مباشر”.
وكشف اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، لـ”العرب” أن الشهر الماضي “شهد إعداد قاعدة بيانات جديدة لأماكن تواجد العناصر الإرهابية، وأظهرت الخريطة تواجدا متزايدا لتلك العناصر في مدن الدلتا”، لافتا إلى أنه “تم القيام بمسح شامل لتواجد هذه البؤر ورصد المنازل التي تأوي إرهابيين”.
عملية شاملة
وقالت مصادر إن نطاق العمليات يشمل مناطق جنوب العريش، ومزارع الزيتون المحيطة بمطار العريش حتى منطقة “الطويل” الواقعة شرق العريش، ومحيط “مطار الجورة”، بالموازاة مع إجراءات إخلاء المرحلة الرابعة للمنطقة العازلة الحدودية في رفح، والتي ستصل إلى ألفي متر.
وخلال الأيام الماضية وصلت معدات عسكرية أكثر تطورا إلى شمال سيناء، بينها طائرات دون طيار وكاميرات مراقبة ومجسات ومعدات رؤية ليلية. كما تم إرسال طائرات استطلاع واعتراض الاتصالات تحلق فوق نطاق يشمل سيناء ويمتد إلى قطاع غزة الفلسطيني.
وقال مسؤول أمني مصري كبير، رفض الكشف عن اسمه، لـ“العرب” إن “مصر لن تفرط في سيناء، وحربها ضد الإرهاب هناك مكنتها من إرسال معدات عسكرية كبيرة إلى مناطق لم يكن مسموح لها وفقا لاتفاقية السلام بالوجود فيها، بما يدحض الأفكار التي انتشرت بشأن التخلي عن جزء من سيناء لصالح الفلسطينيين، ضمن ما يسمى بصفقة القرن”.
وأضاف “أن مشروعات التنمية وشبكة الطرق التي تربط بين سيناء ومدن القناة والوادي والعمق المصري عموما، تؤكد أن الرئيس السيسي يملك رؤية لتعمير سيناء وعدم تركها ليمرح فيها إرهابيون، وليقطع الطريق على أي سيناريوهات إسرائيلية تفكر في تحويل جزء من سيناء إلى وطن بديل للفلسطينيين”.
وتم توفير تحصينات مستوردة جرى تصنيعها خصيصا في الصين للتصدي لهجمات السيارات المفخخة وقذائف آر بي جيه، بينما كان تأمين نقاط التفتيش يعتمد في السابق على الكتل الإسمنتية وأكوام الرمال.
وقالت مصادر أمنية إن مصر “نجحت في الحصول على قاعدة بيانات مهمة، بالتعاون مع جهات مختلفة، بأسماء 20 ألف أرهابي من جنسيات مختلفة لمنع تسللهم إلى داخل البلاد”.
وأكد اللواء نبيل أبوالنجا، الخبير العسكري، لـ”العرب” أن “تكثيف العمليات العسكرية وسط سيناء يستهدف بشكل أساسي مواجهة عمليات التسلل، عقب الحديث المتواتر عن سيطرة تركيا على جزيرة سواكن السودانية، والتي قد تتحول مستقبلا إلى قاعدة انطلاق لنقل العناصر الإرهابية نحو البحر الأحمر عبر خليجي العقبة (شرق سيناء) وخليج السويس (غرب سيناء) وشواطئ مدن دهب ونويبع (جنوب سيناء) ومن ثم انتقال تلك العناصر من الجنوب حيث صعوبة التحرك إلى الصحراء وسط سيناء الشاسعة”.