أحدثت تظاهرة احتجاجية على حبس ناشط مدني في مجال مناهضة الفساد في العراق، كانت قد شهدتها محافظة المثنى بجنوب البلاد هذا الأسبوع، مفعول الدومينو في عدد من كبريات المدن على رأسها العاصمة بغداد التي شهدت، الجمعة، تظاهرة حاشدة ردّد خلالها المتظاهرون هتافات مناهضة للطبقة السياسية ومندّدة بفسادها ومطالبة بإطلاق حرب حقيقية على الفساد.
وباتت ظاهرة الفساد المنتشرة على نطاق واسع في العراق والمتغلغلة في مختلف مفاصل الدولة، بمثابة عصب حسّاس لرجل الشارع الذي يلمس انعكاس الظاهرة بشكل مباشر على حياته اليومية في مختلف مظاهرها.
ورفع رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي، الذي أراد أن يكون مختلفا عن سلفه نوري المالكي الذي أصبح لدى الغالبية العظمى من العراقيين أحد أكبر رموز الفساد في البلاد، عاليا شعار التصدّي للظاهرة ومحاربتها ومحاسبة المسؤولين عنها، دون أن يستطيع تحقيق إنجازات تذكر في المجال، الأمر الذي أصبح يشكّل مصدر عدم ثقة العراقيين في العبادي نفسه.
وأثار حكم صدر من محكمة جنايات محافظة المثنى في جنوب العراق بسجن الناشط المدني العراقي باسم خزعل ست سنوات بتهمة “الإساءة لمؤسسات الدولة” بعد تنديده بالفساد، احتجاجات بالمحافظة ما لبثت أن انتقلت شرارتها، الجمعة، إلى بغداد وعدة مدن عراقية أخرى.
وفجرت الحادثة موجة تنديد على وسائل التواصل الاجتماعي. فكتب أنس الخفاجي أن “باسم خزعل الذي هزم الفاسدين وأرجع المليارات من أموال الشعب العراقي المسروقة إلى خزينة الدولة، كافأه القضاء بالسجن 6 سنوات، ما أنّه يعني سجن الشريف وأعفى الحرامي”.
وتظاهر المئات من المواطنين في شوارع مدينة السماوة تنديدا بالحكم القضائي وهتفوا “النزيه في السجن والفاسد في المنطقة الخضراء” في إشارة إلى المنطقة عالية التحصين في بغداد والتي تضم أهم مقار الحكومة العراقية.
وتفاعلا مع القضية دعا نشطاء في عموم البلاد، إلى تظاهرات، لنصرة خزعل والمطالبة بالإفراج عنه، لكن المطالب تطورت لاحقا إلى ملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم.
وشهدت العاصمة بغداد، تظاهرة حاشدة، حمل خلالها المتظاهرون نعوشا رمزية لضحايا الحرب على داعش، مردّدين هتافات مناهضة للطبقة السياسية التي قالوا إن بقاءها في السلطة تطلّب التضحية بدماء آلاف الشبان العراقيين.
وطالب المتظاهرون، رئيس الحكومة، باتخاذ خطوات حقيقية لمحاربة الفاسدين، منتقدين اكتفاءه بتهديدهم إعلاميا. وفرضت القوات الأمنية العراقية إجراءات مشددة بإشراف مباشر من قيادة عمليات بغداد.
وفي المثنى، تجمع المئات، مطالبين بالإفراج عن خزعل ومحاسبة السلطات المحلية التي اتهمت بالالتفاف على قضاياه ضد الفساد وسجنه لإسكاته.
وفي النجف، تحولت تظاهرة داعمة للناشط خزعل إلى مناسبة للتنديد بالفساد المستشري في البلاد. وقالت وسائل إعلام محلية إن المتظاهرين توجهوا إلى مقر المرجع الأعلى علي السيستاني في المدينة، مطالبين إياه بإصدار فتوى ضد الفاسدين على غرار فتوى الجهاد الكفائي التي تطوع بموجبها الآلاف من الشبان الشيعة، في الحرب ضد تنظيم داعش. وشهدت محافظات بابل وذي قار وكربلاء تظاهرات مماثلة.
ولا يستبعد مراقبون، أن يكون موسم التظاهرات في العراق، المرتبط بفصل الصيف عادة، حيث ترتفع درجات الحرارة وينخفض معدل تزويد السكان بالطاقة الكهربائية، قد بدأ مبكرا هذا العام.
ويرجّح متابعون للشأن العراقي أن تكون الفترة القادمة، فترة غضب جماهيري غير مسبوق، بعد طيّ صفحة الحرب على تنظيم داعش والتي ساهمت، رغم المآسي التي تسبّبت بها في كشف هشاشة أوضاع البلاد وعرّت مساوئ العملية السياسية الجارية، ومقدار فساد الطبقة الممسكة بزمام السلطة، كما ساعدت العراقيين على تجاوز حاجز الخوف وهو ما يبدو متجسّدا في الحماس للتظاهر رغم تشديد القبضة الأمنية ورغم تهديد ميليشيات على صلة بالأحزاب الحاكمة للمتظاهرين.