التكليف الشرعي عبارة سنسمعها كثيرا خلال المرحلة القادمة التي تسبق الإنتخابات النيابية وإن كانت بعناوين مختلفة، لكنها الثقافة التي سيجري إسقاطها على شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني كتمهيد يسبق عملية الإقتراع أو كوسيلة يتم من خلالها جذب الأصوات واستقطاب البسطاء من الناس للإقتراع لصالح هذا الحزب أو ذاك.
تسويق ثقافة التكليف اختُصّت ببعض الواعظين، والمرشدين من العلماء وهي تعني باختصار شديد، الالتزام بالتكليف الشرعي الإلهي الذي ورد بالنص وهو متعلق بالعبادات بالدرجة الأولى كالصلاة والصوم والحج وغيرها، ويأتي تشريع التكليف إنطلاقا من قوله تعالى :
"﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيل﴾ النساء59.
هذه الآية اعتمدها الفقهاء في تثبيت ثقافة التكليف الشرعي كوسيلة لضبط الإلتزام بالأوامر والنواهي الإلهية حصرا، وقد تم تعميمها لاحقا كثقافة حزبية الهدف منها إستغلال التابعين والمؤيدين لمآرب سياسية وتنظيمية متعددة، حيث يجري إسقاط الرأي السياسي على الشرائح الشعبية تحت هذا العنوان لإقفال الطريق على أي محاولة لإبداء الرأي أو الإعتراض أو أي محاولات للتغيير أو قطع الطريق على أي بديل يريد أن يتحمل مسؤولياته تجاه مواطنيه ومنطقته، فيتم استحضار عدة الإتهامات التي تبدأ بالتخوين ولا تنتهي بالعمالة فقط .
إقرأ أيضًا: خزان المقاومة يشكو نوابه
ثقافة التكليف الشرعي بلغت ذروتها عام 2016 خلال الإنتخابات البلدية الأخيرة التي شهدها لبنان حيث استخدمت كوسيلة للتأثير على قرار الناخب بالاختيار من خلال تعميم أصدره حزب الله وقتذاك بطلب التصويت للوائح التي أعلن عنها الحزب .
وعلى ذلك سيستعيد الحزب نفس هذه اللغة كوسيلة للتأثير وكواحدة من شعارات الحزب الإنتخابية التي تبدأ بالمقاومة والتحرير وتنتهي بالتكليف الشرعي .
من يحدد التكليف الشرعي ؟
لا شك أن تحديد التكليف الشرعي يعود لأهل الإختصاص من العلماء ورجال الدين من أهل الخبرة في الشؤون الدينية وما يتعلق بالعبادات، وأما سائر شؤون الحياة قفد أتاح الشرع للإنسان نفسه تشخيص مصلحته الشخصية بما لا يتجاوز حدود الشرع والتعاليم الدينية، وذلك إنطلاقا من أن إسقاط التكليف الشرعي في الشؤون الحياتية يتنافى مع روح الديمقراطية التي تقتضي المحاسبة والنقد والتغيير وتداول السلطة، وعليه فإن إسقاط التكليف الشرعي على الشرائح الإجتماعية التابعة والمؤيدة لتسول الأصوات الإنتخابية لا يتماشى مع روح الديمقراطية التي تكفل حرية الرأي والتعبير والإختيار، سيما وأن التجربة النيابية الحالية أكبر دليل على إخفاق نظرية التكليف الشرعي لنيل الأصوات، لأن هذا التكليف لم يكن في محله، لم يكن في مصلحة الناس، لم يؤد إلى التغيير، لم يعالج الحد الأدنى من الشؤون الحياتية للمواطن اللبناني، بل ازدادت مع هؤلاء النواب نسب الفساد والمحاصصة والهدر والبطالة والفقر والعوز، وباتت بعض المناطق اللبنانية ساحات مفتوحة للسرقة والجريمة والمخدرات، والسؤال الطبيعي ماذا فعل التكليف الشرعي؟ ما هي الحلول التي أتى بها التكليف الشرعي؟ ما هي الإنجازات؟ ما هي المشاريع التي قدمها هؤلاء النواب الذي انتخبوا تحت ثقافة التكليف الشرعي؟ والجواب واضح ومعروف.
إقرأ أيضًا: أهالي بعلبك الهرمل لنوابهم : هناك آلاف العاطلين عن العمل ولم تفعلوا شيئا
إذن على أي مواطن لبناني حزبي أو مستقل أن يتحرر من عقدة التكليف ومن عقدة الحزب ومن عقد الإسقاطات الحزبية ويجعل عقله في أذانه وأمام عينيه ليميز الخبيث من الطيب، ليميز الصحيح من الخطأ، ليقرأ الواقع بشفافية وتجرد بعيدا عن الولاء الحزبي والانقياد التنظيمي ولتكن المصلحة الأولى والأخيرة هي مصلحة الوطن مصلحة المنطقة مصلحة القرية، ولتكن المصلحة هي رفع الظلم والحرمان والعوز والبطالة، عندها يستطيع المواطن العاقل تحديد خياراته واختيار الأفضل ليكن صوتك صرخة عالية في وجه البطالة والجوع والحرمان .
بعد التجربة وبعد ربع قرن في المجلس النيابي ولأن هذه الفترة لم تقدم ولم تؤخر في حياة الناس ومطالبهم المعيشية، يصبح الصوت صوت كل مواطن أكبر من التكليف الشرعي أكبر من الحزب وأكبر من الزعيم، البديل متوفر واختيار الأصلح فرض وواجب ولا تسمحوا لأي حزب أو زعيم أن يأخذكم بالشعارات إلى أماكن أخرى يريدها هو، بل على كل مواطن أن يختار هو ما يريد لمصلحته ولمصلحة وطنه ومنطقته وأهله وأولاده ومستقبله .