«سلملي على وائل كفوري»، صرخ جندي إسرائيلي يشارك في الإشراف على ورشة تشييد جدار رأس الناقورة باتجاه أحد الأشخاص الذين تفقدوا أمس الأشغال المعادية من الجانب اللبناني. حاول جندي العدو وزملاؤه الإيحاء للعسكريين والإعلاميين بأنهم غير مكترثين أو خائفين. العمال الذين كانوا يتحدثون بالعربية، عكفوا منذ التاسعة من صباح أمس حتى الخامسة على الحفر والتشييد، فيما الجنود يجولون بينهم ويتلهّون بالتقاط الصور للجانب اللبناني.
مشهد أمس يشبه الأيام الماضية، مذ أطلق العدو مشروع تشييد جدار «الساعة الرملية»، الذي يخطط منذ عام 2010 لأن يمتد على طول الحدود مع لبنان لحماية نفسه من اختراق المقاومة للأراضي المحتلة في حال شنّه عدواناً على لبنان. في ذلك الحين، حرّكت حادثة شجرة العديسة ملف النقاط الثلاث عشرة التي تحفّظ عليها لبنان خلال ترسيم الخط الأزرق، مؤكداً أنها تقع ضمن أراضيه، فيما أصرّ العدو على أنها تقع ضمن الأرض المحتلة. من بعض تلك النقاط، بدأ العدو بتنفيذ مخططه، بداية مع جدار كفركلا عام 2012 ثم الطريق العسكرية في مزارع شبعا المحتلة قبل أشهر. فصول المخطط المقبلة التي أعلن عنها العدو سوف تقع في جانب آخر من كفركلا عند الحدود بين سهل الخيام ومستعمرة المطلة.
حالياً، تدق الساعة الرملية في رأس الناقورة. تجري الأشغال عند سفح المرتفع الصخري عند آخر الحدود، حيث تقع نقاط الجيش اللبناني والأمن العام واليونيفيل ومقر الاجتماع الثلاثي (الجيش واليونيفيل وجيش العدو). تبدو مكعبات الإسمنت الضخمة العالية امتداداً للجدار الأقل ارتفاعاً الذي شيّده العدو قبل حوالى أربع سنوات. والجداران يقعان خلف السياج الشائك. توقف حينها العمل بعد طلب قائد قوات اليونيفيل الأسبق باولو سيرا، إثر اعتراض لبنان بسبب مسّه بالمنطقة المتحفّظ عليها. يؤكد الجيش اللبناني أن الأشغال الحالية بعيدة لأمتار عدة عن تلك المنطقة. لكنّ مصدراً أمنياً مواكباً لفت إلى أن العدو «أجّل التشييد في المنطقة المتحفظ عليها ولم يلغها نهائياً، بل نقل الأشغال إلى نقطة أخرى غير متنازع عليها». الجدار الجديد ينحو صعوداً باتجاه الشرق بمحاذاة السياج الشائك. في الجهة المقابلة نزولاً، توصل معاينة موقع الجدار إلى خط الطفافات الذي ترسم الخط الأزرق المائي. وبحسب المصدر، يسعى العدو «لتحويل خط الحدود المتعرّج إلى خط مستقيم يقضم من الجانب اللبناني عشرات الأمتار، ويعدّل بالتالي في الحدود البحرية». حتى مساء أمس، تم حفر خندق بطول أكثر من كيلومتر ونصف، تمهيداً لصبّ المكعبات الإسمنتية فوقه.
المكعبات التي ارتفعت بدأت تحجب الرؤية عن نهاريا وساحل فلسطين المحتلة وعن موقع التفتيش الإسرائيلي الواقع في نقطة جغرافية منخفضة عند السياج مباشرة، يمكن رؤيته بشكل واضح من الجانب اللبناني، علماً بأن رأس الناقورة من الجانب المحتل يشكل قبلة سياحية يديرها الكيان الصهيوني الذي يسمح للسياح والمدنيين بالوصول إلى السياج الشائك.
تجري الأشغال تحت نظر برج المراقبة المعادي الذي يتمركز فيه قناصة لحماية الورشة. في الجانب اللبناني، استحدث الجيش دشماً وخنادق، فضلاً عن نقطة مراقبة صغيرة. بالتزامن، كان الجيش واليونيفيل يجريان مناورة «العاصفة الفولاذية» بالذخيرة الحية في موقع قريب من جدار رأس الناقورة.
وسط انشغال اللبنانيين بجدار رأس الناقورة، استكمل العدو تشييد جدار مماثل في ميس الجبل. لم تحظَ كروم الشراقي بالاهتمام الرسمي والأممي الذي حظي به رأس الناقورة، علماً بأن خرق العدو للمنطقة المتحفّظ عليها ثابت، إذ تجري الأشغال خارج السياج لناحية ميس الجبل، وتدخل يوماً بعد يوم إلى عمق الأراضي اللبنانية، إذ من المخطط أن تصل إلى 200 متر بعيداً عن السياج.