بعد تجاوزِ قطوع الخلاف الرئاسي، وانتهاء أزمة مرسوم الأقدمية بتوقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صباح أمس على مراسيم ترقية الضبّاط في الأسلاك العسكرية كافة، ظلّت الأنظار مشدودة إلى التهديدات الإسرائيلية للثروة النفطية في لبنان، وكذلك إلى الحدود اللبنانية مع إسرائيل التي واصَلت أعمالَ بناء الجدار الإسمنتي. وفي هذه الأجواء، تشخص الأنظار اليوم إلى قداس عيد مار مارون، في كنيسة مار مارون في الجمّيزة والذي يترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس في حضور أركان الدولة يتقدّمهم رئيس الجمهورية.

توقّعت مصادر مواكبة أن يركّز الراعي في عظته على الوضع السياسي «وأن يجدّد مباركته للصلحة الرئاسيّة، ويؤكد مجدّداً على أهمّية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني، ويحذّر من الوضع الاقتصادي الهشّ الذي يتطلب تحرّكاً سريعاً والمبادرة الى طرحِ خطط إنقاذية».

وقالت مصادر كنسية لـ«الجمهورية»:» إنّ عيد مار مارون له رمزيته، وهو عيد لا يقتصر على مذهب، بل يشكّل مناسبة لالتقاء أركان الدولة السياسيين والعسكريين والإداريين كدليل على أنّ الموارنة الذين بنوا لبنان الكبير، لم يفكّروا بوطن قومي للمسيحيين، بل بوطن قابل للحياة، يعيش فيه المسيحي والمسلم جنباً إلى جنب».

وشدّدت على «وجوب أن يكون الموارنة أصحابَ برامج تغييرية وتطويرية، فعندما يستقيلون من هذا الدور أو يتراجعون عنه يفقدون علّة وجودهم، وهذا واجب على من يمثّلهم ويمثّل المسيحيين في السلطة».

ودعَت «أبناء الطائفة أوّلاً، واللبنانيين ثانياً إلى التنبّه للمخاطر التي تعصف بالوطن والتي كادت أن تشعلَ الحرب الأهلية الأسبوع الماضي»، وإلى أن «يعلم الجميع أهمّية عودة التوازن الوطني، إذ لا يجوز أن يشعر أيّ فريق بالغبن أو الانتقاص من حقوقه، لأنّ لبنان وطنٌ للجميع، والدولة هي المرجعية الوحيدة ويجب أن تمارسَ سيادتها على كلّ الأراضي، وتحصر السلاح بيدها».
 

تتويج التفاهم

سياسياً، أقفَل أسبوع بعبدا السياسي، الذي طوى مرحلةً استثنائية، على جلسة لمجلس الوزراء توَّجت تفاهمَ اللقاء الرئاسي، فلم تخرج فيه قيد أنملة عن أجواء التهدئة والمناخات الإيجابية. وكانت ضرورة التوحّد ضدّ اعتداءات اسرائيل حافزاً إضافياً للترفّعِ عن السجالات الضيّقة.

وحضَرت تهديدات إسرائيل والجدار في لقاءات مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى السفير ديفيد ساترفيلد، امس مع كلّ من رئيس الجمهورية وقائد الجيش العماد جوزف عون وكذلك في زيارته مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى الناقورة حيث اجتمع مع القائد العام لليونفيل اللواء مايكل بيري، وقام الجميع بجولة ميدانية لمعاينة الأوضاع عن كثب على طول الخط الأزرق.

وأبلغَ عون ساترفيلد موقفَ لبنان الذي تمّ التأكيد عليه في جلسة مجلس الوزراء وفي المجلس الاعلى للدفاع، وتطرّقَ البحث الى الجهود الاميركية لمعالجة الوضع الناشئ، و قدّم ساترفيلد اقتراحات تَهدف الى المحافظة على الاستقرار والهدوء في المنطقة الحدودية، وأكّد لعون دعمَ بلادِه لمؤسسات الدولة اللبنانية وبصورة خاصة للجيش والقوى العسكرية والامنية، منوّهاً بالدور الذي تلعبه لحماية الاستقرار في لبنان.

وعرَض قائد الجيش لساترفيلد خروقات اسرائيل لسيادة لبنان، والتطوّراتِ على الحدود الجنوبية، وشدّد»على موقف لبنان الرافض لمحاولة هذا العدوّ إنشاءَ جدارٍ فاصل يمرّ في أراضٍ متحفَّظ عليها لبنانياً».

وكانت وحدات من لواءَي المشاة الخامس والسابع وفوج التدخّل الخامس، قد نفّذت بالاشتراك مع وحدات من قوات «اليونيفيل» في الناقورة، تمريناً قتالياً باسمِ «العاصفة الفولاذية»، استمرّ عدة أيام تخلّلته رمايات بالرشاشات الثقيلة والمتوسطة.

برّي

وأكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ موقف لبنان موحّد من مسألة الجدار.

وقال: «علينا دائماً أن نأخذ بمِثل هذه التهديدات من قبَل اسرائيل، ولكن إذا سُئلت عن حصول حربٍ ما، فأنا لا أراها، وصعبة كتير».

أضاف: «الاميركي يسعى الى تبريد الاجواء، حسب قوله، ناقلاً عن الاسرائيلي أنّه لن يقوم بأيّ خطوة استفزازية للبنان، وهو سبق وأكّد عليه عضوُ الوفد العسكري الاسرائيلي في الاجتماع الثلاثي في الناقورة الذي تمّ التوافق فيه على أنّ أيّ عمل مرتبط بالجدار لا يتمّ إلّا بموافقة لبنان».

وعن الدور الاميركي في ما خصّ حماية المنطقة الاقتصادية قال بري: «هذا الامر يجب ان تتولّاه الامم المتحدة وتحت علمِها، وطبعاً لا مانعَ من وجود الاميركي كعامل مساعد».

الخارجية

وعلمت «الجمهورية» أنّ وزارة الخارجية اللبنانية تقوم بخطوات لدحضِ زعمِ إسرائيل ملكيتَها البلوك ٩، تحتكم فيها للقانون الدولي ولاتفاقية الامم المتحدة - قانون البحار.

وفي هذا السياق قالت مصادر الوزارة لـ«الجمهورية»: «لبنان ضدّ الجدار الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، خصوصاً أنّ اسرائيل تبنيهِ ضِمن النقاط الـ١٣ الخلافية، في انتظار ترسيم الحدود النهائية من قبَل الامم المتحدة، علماً انّ لبنان يتمسّك بكلّ حقوقه في البرّ والبحر».

وذكّرَت المصادر «أنّ الوزارة وجّهت في ٢٠١٧/٣/٢٠ كتاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أعلنَت فيه أنّ البلوك ٩ يقع ضِمن المياه الإقليمية اللبنانية وأنّ لبنان يؤكّد على حقّه في إطلاق عملية التلزيم والتنقيب والاستخراج من دون موافقةِِ مسبَقة من أحد، ولا يحق لإسرائيل التدخّل بممارسة لبنان لدوره وحقوقِه. وعادت الوزارة وأكّدت في كتابها التالي في ٢٠١٨/١/١٨ على ذلك».

وأكّدت المصادر إصرار الخارجية «على كلّ موقف سابق في الموضوع، فلا تخاذلَ ولا تراجعَ أو أيّ موقف تسوَوي، لا بل تصِرّ الخارجية على كلّ الإحداثيات السابقة التي تصحّحت بموجب النقطة ٢٣ وتؤكّد حقّ لبنان في البلوكات ١٠ و ٩ و ٨. لا بل يتطلع لبنان الى حقل كاريش الذي يبعد ٤ كلم عن حدودنا الخالصة الاقتصادية، ولديه شكوك عالية في موضوع التنقيب الأفقي، خصوصاً أنّ التقنيات الحديثة أثبتت انّ هذا النوع من التنقيب يصل الى ١٥ كلم. وفِي هذا الإطار يحتفظ لبنان بحقّ الردّ على ايّ اعتداء إسرائيلي بكلّ الوسائل المتاحة، كما أنّه سيقاضيها في حال ثبتَ لديه أنّها تقوم بالتنقيب الأفقي. وفِي حال ستقوم اسرائيل بأيّ مراجعات لدى الشركات الثلاث، سنقوم نحن بمراجعة دولية ضد الشركة اليونانية التي لها حقّ التنقيب في حقل كاريش».

فنيش

وقال الوزير محمد فنيش لـ«الجمهورية»: «متمسّكون بحقوقنا كدولة، وقواتُنا العسكرية والامنية تمارس حقّها وواجبَها الكامل بالدفاع عن سيادة البلد، لدينا حقوقنا واضحة وسيادتُنا على ارضِنا لا نقاش فيها، وهذا موقفُنا جميعاً في مجلس الوزراء. برأينا كحزب، الاميركيون لا يمكن ان يؤدّوا دوراً إيجابياً لأنّ اسرائيل لا تُقدِم على ايّ فِعل من دون اخذِ ضوءٍ اخضر اميركي».

حمادة وباسيل

ولم يَخرق أجواءَ التهدئة في مجلس الوزراء سوى غيابِ الوزير مروان حمادة عن الجلسة بسبب اعتراضِه على عدم إدراجِ الملف التربوي على جدول الأعمال. ولوحِظ أنّ باسيل انتقَده بقوله عندما وصَل النقاش إلى البنود المتعلقة بوزارة التربية: «يُخوّننا وينتقدنا، وعلى جدول الأعمال 18 بنداً له تتعلّق بوزارته وها نحن نقِرّها».

«التكتّل»

وأكّدت مصادر تكتّل «التغيير والإصلاح» أنّ جدول الأعمال مرَّ بسلاسة، وأنّه تمّ تأجيل بعضِ البنود، منها التربوية، لغياب وزير التربية، في وقتٍ كان الأساتذة يعتصمون على طريق القصر الجمهوري، بحجّة امتعاضِه الدائم لعدمِ إدراج بنود تربوية على جدول أعمال مجلس الوزراء، واتّهامِنا بأنّنا أصبَحنا في نظامٍ رئاسي، ويتّهم بعضَ وزرائنا بأنّهم يحدّدون بنود جدول الاعمال. وبعدما تبيَّن أنّ ١٤ بنداً تربوياً كانت مدرَجة على الجدول طالبَ الوزير باسيل رئيسَ الحكومة بوضعِ حدّ لهذا الأمر، خصوصاً أنّ البنود التربوية واردة وهو يتّهمنا ظلماً وجوراً، عِلماً أنّ رئيس الجمهورية كان قد تمنّى على رئيس الحكومة في وقتٍ سابق وقبل الأزمة الأخيرة تخصيصَ جلسة تربوية».

ولفتت المصادر إلى» أنّ عدم طرحِ مشروع المرسوم المتعلق بقبول إلحاق 207 أساتذة من الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية للتعيين في ملاك التعليم الثانوي في كلّية التربية على جدول أعمال الجلسة هو مِن الأسباب التي استوجَبت غيابَ حمادة، فما كان من رئيس الحكومة وبعضِ الوزراء إلّا عدم موافقتِهم عليه».

ولفتت المصادر من جهة ثانية الى أنه «في موضوع تسجيلِ السوريين أقرّ المجلس الآليّة القانونية التي طرَحها باسيل قبل ٤ سنوات، والتي تقضي بتسجيل الولادات في سجلّ الأجانب لدى المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات، التي تُبلغ وزارة الخارجية التي تكمّل آليّة التسجيل وفقَ الأصول الديبلوماسية والقنصلية، من خلال تسليم لوائح إسميّة للجانب السوري عبر القنوات الديبلوماسية أي السفارة السورية.

وعُلِم أنّ هذا الأمر كان موضوعَ الاجتماع الذي أثارَ لغطاً بين باسيل ووزير الخارجية السوري وليد المعلم».

وقالت المصادر أنّ مجلس الوزراء أقرّ اعتماد البطاقة الممغنَطة في الانتخابات النيابية المقبلة بناءً على إصرار باسيل في لجنة قانون الانتخاب.

القاعدة الاثنا عشرية

وأعاد المجلس العملَ بآلية الصرفِ على القاعدة الاثني عشرية لتأخّرِ إقرارِ موازنة 2018، وذلك في إشارة الى احتمال عدمِ إمكانية إقرارها قبل الانتخابات النيابية، فأجاز لوزير المال جبايةَ الواردات وصرفَ النفقات اعتباراً من 1 شباط 2018 ولغاية صدور قانون موازنة 2018 على اساس القاعدة الاثني عشرية.

وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «خطورة الأوضاع المالية والاقتصادية للدولة لا تعالَج بمزيد من الاستدانة إنّما من خلال إقرار موازنة جديدة تتبنّى قرارات بنيوية تؤدّي الى خفضِ المصاريف من خلال وقفِ الهدر واستباحة المال العام وترشيدِ الإنفاق وتخفيض كلفةِ الدين العام وزيادة النموّ بما يوقِف التدهورَ المتسارع لوضع الخزينة نتيجةً للارتفاع المستمر للدين العام».

واعتبَر «أنّ التأخير في إقرار الحكومة الموازنة العامة للسنة الحالية ليس مجرّدَ مشكلة تقنية وإنّما خرقٌ دستوري جديد وهروب السلطة من تحمّلِ مسؤوليتها تجاه اللبنانيين في إيصال الوضع المالي الى ما هو عليه لتغطية ارتكاباتها وتسهيل الإنفاق العشوائي بعيداً مِن رقابة السلطة التشريعية لأهدافٍ محضِ انتخابية».

وقال: «تخدير اللبنانيين بوعود المؤتمرات الدولية لدعمِ لبنان اقتصادياً ومالياً لا يعدو كونه مسكّنات سرعانَ ما تتلاشى ويَظهر عدم جدواها في ظلّ عدمِ جدّية أركان السلطة في الالتزام بالموجبات الدستورية والقانونية والشفافية المالية وأبرزُها الالتزام بمواعيد وضعِ الموازنة ومناقشتها وإقرارها في مجلس النواب.

إنّ الدعم الدولي للبنان مرتبط بإثبات الدولة جدّيتَها في الإمساك بزمام الأمور سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً ومالياً، وباحترام لبنان لالتزاماته العربية والدولية وباعتماد معايير الشفافية والإصلاح، وهي كلّها عناصر لا يبدو أنّ أركان السلطة مهتمون بوضعها موضعَ التنفيذ، ممّا يجعل من الانتخابات النيابية موعداً لمحاسبة شعبية للمرتكبين والمتواطئين والمقصّرين من أهلِ السلطة، وتفتح الابوابَ امام التغيير المطلوب لوقفِ الانهيار الاقتصادي الزاحف على لبنان».

كبّارة

وقال وزير العمل محمد كبارة لـ«الجمهورية»: «حذّرتُ من أنّ صندوق الضمان الاجتماعي مهدّد. هناك 2300 مليار ليرة مستحقّات للضمان على الدولة، والمفروض ان تدفَع له 600 مليار ليرة. الضمان لا يستطيع القيامَ بواجباته بدفعِ الفواتير، خصوصاً للمرضى الذين يعانون من امراضٍ مزمنة لا تحتمل التأخير، وهذا يحتاج حلّاً سريعا».

أزمة المرسوم تنتهي

وانتهت أزمة مرسوم الأقدمية بتوقيع رئيس الجمهورية صباح أمس مراسيمَ ترقيةِ الضبّاط في الأسلاك العسكرية كافة. وقالت مصادر وزارية معنية لـ«الجمهورية»: «إنّ هذا التوقيع أنهى الإشكالات السابقة بعدما كرّست هذه المراسيم موضوع مرسوم الأقدمية وتضمّن مرسوم الترقيات في الجيش أسماءَ جميع الضبّاط الذين ورَدت اسماؤهم في مرسوم الأقدمية الذي سبقَ للرئيس أن وقّعه وصَدر وأصبح نافذاً، ما يؤكّد قانونيته ودستوريته، وخصوصاً أنّه تمّت الإشارة إليه في حيثيات مرسوم الترقية للضبّاط الرقم 2316 بعبارة «مرسوم منح القدم للترقية ذي الصلة».

وأضافت المصادر: «أكّد المرسوم على حقّ ضبّاط دورة العام 94 بالأقدمية بعد مرور 24 عاماً من الانتظار لتصويب الخطأ الذي ارتكِبَ في ذلك الوقت واستعادةِ كاملِ حقوقِهم، لا سيّما أنّ المرسوم تضمّنَ اسماءَ كافة الضبّاط من دون استثناء.

وخَتمت: «صدور مرسوم الترقية منذ الأول من العام 2018 قد تمّ بعدما كان الرئيس عون قد وقّع على حفظِ حقوق الضبّاط بالترقية من خلال توقيعِه «جدولَ الترقية» الذي وضَعه وزير الدفاع بناءً لاقتراح قيادة الجيش بالترقية من الأسلاك كافة».

وقال برّي عن مرسوم الأقدميات اللاحقة: «سواء كانت لاحقة أو سابقة، هناك أصول ودستور يجب أن تحكمَ هذه المراسيم».

وهل ما زال الفتور قائماً بينك وبين الحريري، أجاب: «لقد اجتمعنا في القصر الجمهوري». وعندما سُئل ماذا بعد؟ أجاب: «العتب كان بسبب المرسوم، لولا المرسوم ما في شيء بيني وبَينو، ليش شو كان في بيني وبينو.

وعن التحالفات قال: بإمكانو ياخذ الموقف اللي بيريدو ويتحالف مع اللي بدّو ياه، وهو حرّ، وأنا كمان حر».