من يلقي نظرة على الأرقام الصادرة من وزارة الصحة العامة في ما يخص ارتفاع نسب مرضى السرطان في لبنان يدرك أن كل لبناني هو مشروع مريض سرطان، وهي من النعم التي أغدقتها علينا الحكومات المتعاقبة على تأزيم أزمة النفايات في بلد ذاع صيته من بوابة النفايات، وأصبح مضرباً للمثل بعون طبقة أبدعت في المحاصصة وأضاعت طريق الحلول المستدامة عن قصد.
يقول أحدهم: و"كأن أولاد السياسيين لا يتنفسون من نفس الهواء الذي نتنفس، ولا يشربون من نفس الماء التي نشرب، ولا يأكلون من نفس الطعام الذي نأكل... ألا يخافون على أولادهم؟" ليرد آخر "أولادهم إذا مرضوا هناك أموال تنتشلهم من مرضهم وتهون عليهم الوجع أما أولادنا فَ لهم الله".
"ندق اليوم جرس الانذار لوضع الحلول حيز التنفيذ ووضع أولوية وطنية لتأمين العلاج لمن تضرروا من فشل الدولة لسنوات عدة في تأمين البيئة السليمة لهم"، قالها وزير الصحة غسان حاصباني في مؤتمر مشترك مع منظمة هيومن رايتس ووتش عن حرق النفايات وضررها على صحة اللبنانيين.
وأعقبها يوم أمس بتصريح يقول فيه "الانذار الذي ندقه اليوم حول الامراض المنتشرة من النفايات جاء بعد دراسات معمقة".
وصل عدد المرضى الذين يحصلون على العلاج على نفقة وزارة الصحة لأمراض السرطان إلى أكثر من 6 آلاف مريض، ووفق احصاءات السجل الوطني للعام 2015، تبين أن 1212 مريضاً مصاباً بسرطان الرئة، وأكثر من 1090 شخصاً مصاباً بسرطان الكولون.
وشكلت كلفة أدوية السرطان في العام 2017 نحو 53 مليون دولار على نفقة وزارة الصحة. وهذه النسبة ترتفع 12% سنوياً منذ العام 2008. وبلغ معدل كلفة الدواء لمعالجة المريض المصاب بسرطان الرئة نحو 13 ألف دولار فيما كانت 5 ألاف دولار في العام 2012، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار الأدوية المتطورة.
ويتوقع وزير الصحة استمرار الارتفاع في عدد المصابين بمرض السرطان طالما أن اللبنانيين يتنشقون حرق النفايات. والدليل على ذلك، تأكيد مصادر دولية منها منظمة الصحة العالمية أن الجسيمات الناتجة عن حرق النفايات في الهواء الطلق تؤثر سلباً على صحة الانسان.
هزّ حاصباني العصى، ولفت نظر الوزارات المعنية إلى مخاطر ما يحصل في لبنان من جراء أزمة النفايات، فتحرّك وزير البيئة طارق الخطيب وأعلن أنه سيطلب من مجلس الوزراء اليوم مبلغ 20 مليون دولار للبدء بإقفال المكبات العشوائية وتأهيلها.
تؤكد مصادر وزارة الصحة لـ"ليبانون ديبايت" أن التلوث "سواء في الهواء أو الماء أو الطعام" هو أحد الأسباب المؤدية إلى انتشار الأمراض في لبنان ومنها السرطان. ولا شك أن النفايات وحرقها لا سيما المواد الصلبة كالبلاستيك وغيرها تؤدي إلى انبعاثات مواد سامة في الهواء تلوث الهواء وتكون مصدراً لتلويث المياه الجوفية بعد الشتاء وبالتالي تزيد من احتمال الإصابة بالسرطان.
وعن الخطوات التي تتوجه وزارة الصحة لاتخاذها في هذا الإطار، تشير المصادر إلى أن الوزارة تشدد على ضرورة التوعية الصحية لأساليب التخلص من النفايات بطريقة صحية وعلمية، وحث الوزارات المعنية والبلديات على مكافحة التلوث، وعلى وضع خطة طويلة الأمد لأزمة النفايات، "كي لا نصل لمرحلة يصعب الرجوع عنها، فاليوم نتكلم عن علاج وكلفة علاج بدلاً من التكلم عن وقاية لتفادي حصول المرض".