جال ساترفيلد أمس على كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ووزير الخارجية جبران باسيل، وعلمت «الجمهورية» انه كان صريحاً خلال المحادثات معهم وابلغ اليهم انّ الولايات المتحدة الاميركية «لا تريد إحراج لبنان وانها تدرك جيداً وضعه الداخلي ومحيطه، ولكن عليه ان يعطي رسالة ليس اليها وإنما للعالم مفادها انه ملتزم حقيقة «النأي بالنفس».
وقال ساترفيلد انّ بلاده «دخلت الآن في مرحلة جديدة في المنطقة تقوم على فرز قوى الخير من قوى الشر، وهي تتمنّى ان يكون لبنان في هذا الاطار قوة مساعدة في عمليات السلام المطروحة في المنطقة بالتزام عدم تدخل «حزب الله» في الحرب، وأن يسهّل مشروع بناء الدولة في لبنان ووقف كل العمليات التي تسيء الى الدول الخارجية».
واكد عزم واشنطن على «السير في مشروع العقوبات ضد «حزب الله» حتى النهاية»، مشدداً على «انّ هذه العقوبات غير موجهة ضد الشعب اللبناني ولا ضد الدولة اللبنانية، لكنها ضد الحزب الموجود خارج الدولة اللبنانية وفي اكثر من دولة في المنطقة، ويقف في الجهة التي تخاصم اميركا في منطقة الشرق الاوسط، وإذا كانت واشنطن تأخذ وضع لبنان في الاعتبار، لكنّ ذلك ليس على حساب الاستراتيجية الاميركية الجديدة».
ودعا الحكومة اللبنانية الى «تحمّل مسؤولياتها في هذه المرحلة، وان تعطي دوراً اكبر للمؤسسة العسكرية في أمن لبنان الاستراتيجي وفي صون الحدود وفي تطبيق القرارين 1559 و1701».
وفي ملف النفط، أبدى ساترفيلد «سرور» بلاده «لأن يصبح لبنان دولة نفطية، فهذا امر يساعده على امتصاص ديونه الخارجية وتأمين فرص للاجيال المقبلة وتأمين استقرار اقتصادي ومالي».
لكنه دعا الى «درس اكثر للتعاطي مع ملف النفط لأنه ليس ملفاً عادياً، بل هو استراتيجي ويدخل في اطار الامن والسلام في المنطقة». ووعد بأن تُجري بلاده اتصالات مع اسرائيل «لكي لا تؤذي لبنان في هذه المرحلة»، مشيراً الى «انّ فريقاً اميركياً يدرس مدى صحة مزاعم اسرائيل بأنّ البلوك 9 ليس لبنانياً».
وتحدث ساترفيلد عن «انطلاق عملية السلام العربي ـ الاسرائيلي في المرحلة المقبلة في حال نجحت التسويات في المنطقة»، وطلب «ان يكون لبنان عنصراً فعالاً إنطلاقاً من مبادرة الملك عبد الله للسلام في قمة بيروت عام 2002». كذلك اكد استمرار بلاده في «دعم الجيش اللبناني وضرورة ان يكون العامل الوحيد في الاستقرار». وأبدى «انزعاج الادارة الاميركية من الاحداث الاخيرة»، معتبراً «انها مؤشر على هشاشة الاستقرار اللبناني وضعف الدولة امام قوى الامر الواقع».
الحريري والسعودية
من جهة أخرى وبعد يومين على نشر موقع «إيلاف» الالكتروني كلاماً منسوباً الى من وصفه بأنه «مصدر سعودي كبير»، ومفاده أنّ «مسؤولاً سعودياً اتصل بوزير لبناني أخيراً، وأبلغ اليه أنّ «هرولة» الحريري الى تركيا ستكلّفه ثمناً باهظاً، لأنّ المملكة لم تقصّر معه ومع لبنان بكل أطيافه في شيء»، نَفت الخارجية السعودية أمس «الأخبار التي تتحدث عن انزعاج المملكة من زيارة الحريري الاخيرة إلى تركيا جملة وتفصيلاً». وأكدت عبر «تويتر» أنه لم يصدر عن أيّ مصدر سعودي أي تصريحات في شأن زيارة الحريري لتركيا.
من جهته، أكّد القائم السابق بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري أنّ بلاده ليست منزعجة من زيارة الحريري لتركيا. ونقل البخاري عبر «تويتر» كلام المصدر المسؤول في الخارجية السعودية، الذي أشار إلى أن «لا صحة حول انزعاج المملكة من زيارة رئيس الوزراء اللبناني إلى تركيا».
«المستقبل»
واكدت مصادر تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» انّ علاقة الحريري مع السعودية «جيدة وطبيعية، شأنها شأن اي علاقة مع اي دولة شقيقة». واشارت الى ان «لا شيء يمنع الحريري من زيارة المملكة وعائلته، لكنّ الزيارة تحصل عندما تكون هناك اسباب لها وحتى الآن لا سبب رسمياً للزيارة».
وقالت المصادر: «بغضّ النظر عن هوية صاحب الكلام المنسوب اليه استياء السعودية من زيارة الحريري لتركيا وتوعّدها بتدفيعه الثمن، فإنّ هذا الكلام تم تداوله في الاعلام وبنيت عليه تعليقات وآراء عدة، فنَفت المملكة اولاً ان يكون أي مسؤول سعودي قال هذا الكلام، واكدت ثانياً انها غير مستاءة من زيارة الحريري لتركيا، ونقطة على السطر».
وعمّا يحكى عن تدخل سعودي في الانتخابات النيابية وفرض المملكة على الحريري التحالف مع قوى معينة، قالت المصادر: «المملكة لم ولن تتدخل في الانتخابات، وهي تعتبر هذا الاستحقاق شأناً لبنانياً داخلياً. فمثلما ترفض ان يتدخّل اللبنانيون في شأنها، ترفض بدورها ان تتدخل في شؤون لبنان».
من جهتها، أكدت مصادر ديبلوماسية «انّ المملكة كانت مضطرة الى نفي هذه الأخبار لأنها تتعلق بمرجعين مهمين بالنسبة اليها: رئيس حكومة لبنان، وتركيا. فعندما ينقل عنها كلام بأنها ستُدفّعه ثمن زيارته لتركيا فمعناه انّ تركيا عدوتها، وهذا غير صحيح فالتصريحات السعودية الاخيرة تتحدث عن علاقات مميزة مع تركيا على كافة الأصعدة».
حلّ للمرسوم
وفيما لم يسجل لا كلام ولا سلام بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل، في إشارة الى استمرار الازمة بينهما، وعدم شمولها بالحل الرئاسي الذي أنتجه لقاء بعبدا أمس الاول، علمت «الجمهورية» انّ اجتماعاً جانبياً عقد في الجناح الرئاسي في قصر بعبدا بعد انتهاء جلسة المجلس الاعلى للدفاع، وضمّ عون والحريري ووزراء المال والعدل والدفاع والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وغاب باسيل عنه، على رغم أنه كان موجوداً في قصر بعبدا، وعقد على هامشه لقاء جانبي بين وزيري العدل والدفاع.
وتم خلال الاجتماع عرض صيغة خلّاقة لحل قضية مرسومي الاقدمية والترقيات للضباط، نَصّت على اساس حفظ حقوق ضباط دورة 1994 مع تسهيل صدور مرسوم الترقيات ومن بينهم العمداء التسعة الذين منحوا الاقدمية إبتداء من 1/ 1 /2018. وعلمت «الجمهورية» انّ عون سيوقّع اليوم مرسوم الترقيات المعطوف على مرسوم الاقدمية الذي وقّعه رئيس الجمهورية أخيراً.
«الكتائب»
الى ذلك، إستغرب مصدر كتائبي مسؤول ما جاء في البيان الصادر عن اجتماع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة لجهة الاتفاق على الاحتكام للمؤسسات الدستورية لحل الخلافات، وسأل: «أين كنتم تتخذون القرارات قبل ذلك؟». وقال لـ«الجمهورية»: «في هذا البيان اعتراف السلطة بأنها لا تلتزم بالدستور ومؤسساته وإنما تلجأ الى الصفقات السياسية والمحاصصات، وهو ما حذّر منه حزب الكتائب ولا يزال.
لقد أكد الرؤساء في اتفاقهم على ما ركّز عليه النائب سامي الجميّل في افتتاح الحملة الانتخابية الاحد الماضي، واضافوا على المعادلات التي طرحها «مرسوم لي ومرسوم لك»، لجهة دمج مرسومي الاقدمية والترقيات للضبّاط وفق ما يطالب به الرئيس بري في مقابل طرح تعديل قانون الانتخاب على مجلس الوزراء تمهيداً لإقراره في مجلس النواب وفقاً لِما يطالب به «التيار الوطني الحر». وختم: «الحل الوحيد للخروج من هذا النهج هو الانتخابات المقبلة للتخلّص من منطق الصفقات على حساب الدستور».
مجلس الدفاع
في هذه الاجواء أعلن المجلس الاعلى للدفاع، الذي اجتمع برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس الحكومة وبقية الاعضاء، أنه «يعطي الغطاء السياسي للقوى العسكرية لمواجهة اي اعتداء إسرائيلي على الحدود في البر والبحر».
واكد «انّ الجدار الإسرائيلي في حال تشييده على حدودنا يعتبر اعتداء على سيادتنا وخرقاً للقرار 1701». ورفض تصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان حول ملكية اسرائيل البلوك 9 الغازي في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة.
وقرّر «الاستمرار في التحرك على كافة المستويات الاقليمية والدولية للتصدي ومنع اسرائيل من بناء الجدار الفاصل». وشدد على «انّ «إسرائيل» معتدية أيضاً على المنطقة الاقتصادية الخالصة بمساحة تبلغ 860 كلم2».
محضر
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» اّن عون استهلّ الإجتماع بالتشديد على الظروف الإستثنائية التي املت الدعوة اليه، لافتاً الى «انّ البحث سيتركّز على حجم الأخطار الاسرائيلية التي تواجه لبنان براً وبحراً حيث الثروة النفطية الوطنية».
ثم قدّم منسق الحكومة لدى قوات «اليونيفيل» العميد الركن مالك شمص تقريراً عن نتائج الإجتماع الثلاثي اللبناني ـ الإسرائيلي - الدولي في مقر الأمم المتحدة في الناقورة أمس الاول برئاسة قائد «اليونيفيل».
واكد انّ الوفد اللبناني ابلغ الى الجانب الإسرائيلي، عبر القيادة الدولية، موقف لبنان الثابت الرافض شمول الجدار الثابت الذي يبنيه، النقاط الـ 13 التي يتحفّظ عنها لبنان منذ ترسيم «الخط الأزرق». واكد رفض اي انشاءات على الجزء المختلف عليه من الأراضي، وان لبنان متمسّك باتخاذ كل الوسائل التي تحول دون ذلك.
وتحدث المعاون العملاني في قطاع جنوب الليطاني العميد الركن جورج يوسف، فعرض لموضوع الجدار على الخط الأزرق وحدّد النقاط الـ 13 التي يتحفّظ عنها لبنان من الناقورة الى مثلث الأراضي في مزارع شبعا، لافتاً الى انّ الخط المتحفّظ عنه أدى الى انتقاص ما قيمته 485000 م2 من الأراضي اللبنانية.
وبعدما شرح يوسف للمواصفات التي اعتمدها الجانب الإسرائيلي في بناء الجدار، قال: ما هو ثابت انّ إسرائيل ماضية في بنائه باستثناء النقاط المتحفّظ عنها بعد الاعتراض اللبناني على شموله هذه النقاط.
وعقّب عون على التقريرين فأكد «رفض لبنان كل ما تنشئه اسرائيل على الأراضي اللبنانية لأنه يعتبر اعتداء مفضوحاً على لبنان، وأن من حقه اللجوء الى كل الإجراءات التي تكفل استعادة كل شبر من الأراضي اللبنانية». وقال انه ابلغ الى قائد «اليونيفيل» ومعاونيه هذا الموقف المتشدد الذي يؤكد رفض المس بالأراضي اللبنانية من خلال الجدار، وانّ الموضوع كان مضمون رسالة خاصة وجّهها وزير الخارجية الى الأمم المتحدة.
وتحدث الحريري فأكد انه «ليس وارداً ان يتخلى لبنان عن اي جزء من اراضيه، وانّ بناء الجدار يشكّل عدواناً عليه ومن حقه السعي بكل الوسائل المناسبة لمواجهة هذا العدوان». وشدّد على «أهمية استمرار الحملة الديبلوماسية لزيادة الضغوط على كل من في يده الأمر لحماية المصالح اللبنانية».
وكذلك شدد المجتمعون على موقف لبنان الثابت من كل ما هو مطروح، وترجمته بسلسلة من القرارات السرية التي على الجيش والأجهزة الحكومية والديبلوماسية تنفيذها.
عون: علينا الإستعداد للمواجهة
وفي ملف الإدعاء الإسرائيلي بملكية «البلوك 9» رفض رئيس الجمهورية هذا الادعاء، مؤكداً انّ هذا البلوك ضمن الأراضي اللبنانية وهو جزء من الثروة الوطنية». وقال: «السيادة على المياه هي كما على الأرض واحدة لا تتجزأ»، لافتاً الى «أهمية استمرار الحراك الديبلوماسي والسياسي في موازاة الإستعداد لمواجهة اي عدوان اسرائيلي».
وفي نهاية الإجتماع عرضت مجموعة القرارات التي تمّ اتخاذها، والخطوات التي ستتخذ لتنفيذها على أن يرفع الضروري منها الى مجلس الوزراء لوضعها قيد التنفيذ.
الجدار الاسرائيلي
وبعد ساعات من انتهاء الاجتماع أعلن الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل»، اندريا تيننتي، انّ «الجانب الإسرائيلي بدأ فعلاً تنفيذ اشغال جنوب الخط الأزرق». وقال: «نحن نتابع ما يجري ونتواصل مع الأطراف على جانبي الحدود، وحريصون على حل هذه القضية ومنع حصول اي توتر او تصعيد».
من جهته، قال مصدر أمني لـ«الجمهورية» انّ «الاسرائيليين باشروا بناء الجدار في منطقة الناقورة، وقد انجزوا نحو 30 متراً منه، هي عبارة عن بلوكات من الاسمنت المسلّح بارتفاع 5 امتار، إلّا أن الاعمال الجارية ليست في منطقة متنازع عليها او حولها اشكالات وهي داخل الاراضي الفاسطينية المحتلة، وإنّ الجيش هو في حالة استنفار للرد على اي خرق او اعتداء تنفيذاً لتعليمات القيادة وتوجيهات المجلس الاعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية»