تزداد الفوضى العشائرية في محافظات وسط وجنوب العراق، وتتضاعف التحديات التي تواجهها الحكومة لجهة قدرتها على ضبط الأمن مع استمرار عودة مقاتلي الحشد الشعبي بسلاحهم إلى هذه المناطق، بعد إعلان القضاء على تنظيم داعش.
ويعتقد مراقبون أن ضمان نزاهة الانتخابات في مناطق وسط وجنوب العراق، التي يغلب المذهب الشيعي على سكانها، بات تحديا صعبا للغاية، بسبب امتلاك العشائر المتنفذة أسلحة تفوق تلك التي تملكها أجهزة الدولة، فضلا عن عودة أبنائها من جبهات الحرب على داعش، حاملين أسلحة الكلاشنكوف وقاذفات الـ”أر بي جي7″.
وبالنظر إلى مناطق الغالبية السنية المدمرة بفعل الحرب على داعش، حيث بدأت أحزاب محلية في الهيمنة على التوجهات السياسية للسكان مستغلة ضعف حضور الدولة، يبدو المشهد الانتخابي العراقي ملبدا بالمخاطر، فيما تعجز أجهزة الأمن عن بسط سيطرتها سوى على مركز بغداد ومحيطه.
وتقول مصادر محلية لـ”العرب”، إن محافظات البصرة وذي قار وميسان في الجنوب، ومحافظة الأنبار في الغرب، تشهد انتشارا كبيرا للسلاح بين صفوف العشائر المتنفذة والمتحالفة بدورها مع أحزاب سياسية.
وتضيف المصادر أن هذه المناطق الأربع تضم مقاتلين متطوعين في الحشد الشعبي، يمكنهم امتلاك أسلحة شخصية أيضا، ما يضاعف حجم التحديات التي تواجهها أجهزة الدولة.
ولا يستبعد المراقبون أن يكون هذا السلاح لاعبا رئيسيا في الانتخابات المقبلة.
ويقول رئيس محكمة الاستئناف في محافظة ميسان، جنوبا، القاضي رحيم نومان هاشم، إن “أكثر من 1800 أمر إلقاء قبض بحق مطلوبين للقضاء في المحافظة لم تنفذ”، بسبب ضعف الأجهزة الأمنية.
مقاتلو الحشد الشعبي الذين عادوا بسلاحهم من جبهات الحرب على داعش إلى محافظاتهم في الوسط والجنوب ضاعفوا من قوة العشائر
وأضاف أن “معظم جرائم هؤلاء المطلوبين يتعلق بالنزاعات العشائرية”.
وتابع أن “ميسان مدينة عشائرية بشكل أعمق من الكثير من المحافظات الأخرى لا سيما النواحي والأقضية في جنوب المدينة، وهذه السمة مثلما هي إيجابية على المستوى القانوني في جانب، هي سلبية في جوانب مختلفة، ولعل أبرز هذه الجوانب ما يرتبط بالبعد الأمني”.
ولفت هاشم إلى أن “هذه النزعة القبلية تؤدي بشكل من الأشكال إلى ضعف الأجهزة الأمنية في المحافظة فهناك نقطة جوهرية في هذا المجتمع تتمثل في الانتماء إلى العشيرة على حساب القوانين، وهذا لا يشمل فقط بعض المواطنين بل يتعداه إلى الموظفين ومنهم أفراد الأجهزة الأمنية”.
ويعزو سبب عدم ملاحقة المجرمين ومرتكبي حوادث القتل إلى أن “الكثير من أفراد الأجهزة التنفيذية وعلى رأسها الأمنية هم عشائريو الانتماء أكثر من أي انتماء آخر، والسبب الثاني يكمن في عدم قدرة هذه الأجهزة على أداء عملها مقارنة بقدرة بعض العشائر والبيوتات”.
وأوضح أن “هناك عشائر في المحافظة تمتلك أسلحة أكبر وأكثر مما لدى الأجهزة الأمنية، وهناك عدد غير قليل من هذه العشائر التي لا تخضع للقوانين ولديها وسائلها المختلفة والتي هي على الأغلب مخالفة للقانون”، لافتا إلى أن “القوانين قادرة على المعالجة، لكنها تصطدم بقدرة التنفيذ والقدرة على تطبيقها”.
وتمثل هذه التصريحات الموقف القضائي الأكثر وضوحا في ملف فوضى السلاح في الجنوب، الذي تتجنب الكثير من الأحزاب السياسية الخوض فيه.
ووفقا لنشطاء، فإن مقاتلي الحشد الشعبي الذين عادوا بسلاحهم من جبهات الحرب على داعش إلى محافظاتهم في الوسط والجنوب، ضاعفوا قوة العشائر.
ويغلب الانتماء العشائري حتى على الانتماء إلى الحشد الشعبي.
وتقول مصادر محلية إن “الكثير من الأحزاب السياسية في الجنوب، سهلت حصول البعض من العشائر الموالية لها على أسلحة فتاكة، بعضها جاء من مخازن الجيش العراقي، وبعضها هُرّب من إيران”.
وتضيف هذه المصادر أن “ولاية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الثانية، شهدت تزايدا كبيرا في نفوذ بعض عشائر الوسط والجنوب، بعدما أشرك زعماءها في شبكة المصالح الاقتصادية، خلال زمن الوفرة المالية، وتغاضى عن مساعيهم للحصول على أسلحة ثقيلة”.
وما زال المالكي يتمتع بنفوذ كبير في الأوساط العشائرية، التي يعتقد المراقبون أنه سيبني رهانه على سلاحها، عندما يحتدم التنافس في اقتراع الثاني عشر من مايو القادم، وهو أحد أبرز التحديات التي تواجهها حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي.