هل شكل اللقاء الرئاسي الثلاثي في قصر بعبدا «وقفة تضامنية» مع البلد وتحدياته، لا سيما الاعتداء الإسرائيلي براً وبحراً، على طول الخط الأزرق، وصولاً إلى بلوك 9 في البحر المتوسط، قبالة الناقورة؟
المعطيات المتوافرة لـ«اللواء» تؤكد هذا المنحى، وهذا ما فهم من الرئيس نبيه برّي امام زواره في عين التينة، عندما وضع للقاء بعبدا الثلاثي عشرة على عشرة.
بالطبع، بدا ان ضخّ كمية معقولة من التفاؤل، خير من الاقتصار على التوقع أو الانتظار، في ظل معطيات الحرب المستمرة في سوريا والتهديدات الإسرائيلية المتمادية سواء لجهة بناء الجدار الاسمنتي، تجاوزاً للقرار 1701 وانتهاكاً له، أو الادعاء الذي لا سند له بأن إسرائيل تملك البلوك 9 في البحر، والضغط على الشركات الدولية لعدم توقيع عقد استخراج الغاز والنفط من البحر اللبناني.
معلومات «اللواء» تحدثت عن مدخل للمعالجة يبدأ بوضع خطة دعي مجلس الدفاع الأعلى لوضعها اليوم، برئاسة الرئيس ميشال عون، على ان تسير بالاتجاهات الدبلوماسية والميدانية لمنع «اسرائيل من بناء الجدار الاسمنتي عند الحدود الجنوبية، والحؤول دون «التعدّي» على ثروات لبنان النفطية في المياه الإقليمية اللبنانية».
وكشفت المصادر ان الرؤساء الثلاثة على مدى ساعة ونصف «فضفضوا» بالكلام حول أزمة الأيام العشرة، والمخاطر التي كان من الممكن ان تترتب عليها.
ووصفت المصادر الجلسة الرئاسية بأنها كانت أشبه «بغسيل قلوب» من أجل طي الصفحة المؤلمة والانطلاق إلى الامام، «ووضع أطر معالجة» للملفات الخلافية، بدءاً من مرسوم الاقدمية والترقيات، حيث قالت المصادر لـ«اللواء» انه لم يتم التوصّل إلى مخرج مقبول من الرؤساء الثلاثة للمرسوم، من زاوية ان هناك اشكالاً دستورياً، بين مَنْ يرى ان المرسوم يحتاج إلى توقيع وزير المال، ومَنْ يرى ان لا حاجة لتوقيع الوزير.
وبالنسبة لفتح عقد استثنائي لمجلس النواب، قالت المصادر انه اتفق على صدور مرسوم بفتح عقد استثنائي لمناقشة وإقرار موازنة العام 2018.. لأنه لا يجوز بحال من الأحوال الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية..
واتفق الرؤساء الثلاثة على الحفاظ على الاستقرار العام في البلاد ليتمكن اللبنانيون من إنجاز الاستحقاق الانتخابي في أيّار المقبل، بهدوء ومن دون إشكالات ولا على أي مستوى.
وشكلت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد إلى بيت الوسط، حيث التقى الرئيس سعد الحريري بحضور السفيرة الأميركية مناسبة لعرض الوضع المتعلق بالتهديدات الإسرائيلية، لا سيما وان لبنان يتجه خلال الأيام القليلة المقبلة لتوقيع عقود مع ثلاث شركات دولية هي «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«نوفاتك» الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9.
عشرة على عشرة
وإذا كان الرئيس برّي أعطى علامة عشرة على عشرة لنتائج، لقاء بعبدا، فهذا يعني ان اجتماع الرؤساء الثلاثة نجح في تظهير اتفاقهم على العمل داخل المؤسسات وطي الملفات الخلافية، ومواجهة التهديدات الإسرائيلية، بحسب ما جاء في بيانهم المكتوب والذي تمت صياغته بوضوح وضمن نقاط متفاهم عليها وبعناوين متشعبة ورئيسية.
وبحسب معلومات «اللواء»، فإنه في خلال الاجتماع الذي بدأ ثنائياً لمدة 20 دقيقة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، قبل ان ينضم إليه الرئيس الحريري، والذي استغرق أقل من ساعة ونصف الساعة، كان الرئيس عون يعرض الأفكار والرئيس برّي يتجاوب، فيما بدا الرئيس الحريري مهتماً بالتوافق، وفي الخلاصة، طويت أزمة الأيام العشرة مع رواسبها السابقة، ويتطلع الرؤساء حالياً إلى الاستحقاقات المقبلة، وإلى التعاون لاراحة البلد وإعطاء الأمل للمستقبل، الا ان ذلك يبقى مرهوناً بالايام والأسابيع والأشهر المقبلة، وبدا واضحاً ان الاجتماع ولّد أجواء ارتياح قبل موعد الانتخابات النيابية التي يرصدها المجتمع الدولي، كما انه يمهد الطريق لمعالجة ملفات عالقة أو لتحريك أخرى، وامام هذا التوافق لم يعد للفيديو المسرب لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أي مكان لا للنقاش ولا للعتاب.
وعلم ان المجتمعين استعرضوا مختلف المواقف الصادرة من الجانب الإسرائيلي التي توحي بنيات تصعيدية بحق لبنان، كما استعرضوا المعالجات التي تمت سابقاً لا سيما في موضوع ترسيم الحدود البحرية خلال زيارات لموفدين دوليين واميركيين في السنوات الماضية.
وقالت المصادر ان الرؤساء اجروا  عرضاً تاريخياً لجميع النقاط المتعلقة بهاتين المسألتين وذلك في ضوء الملاحظات الصادرة عن مختلف الجهات، كما للمتابعة الأميركية له.
ولفتت إلى ان اتفاقاً برز على متابعة الاتصالات الدولية للمحافظة على حق لبنان في مياهه الدولية وعدم خسارة أي نقطة بترول، ولا سيما في اللقاءات التي ستجري اليوم مع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية السفير ديفيد ساترفيلد الذي وصل إلى بيروت أمس، والتقى مساءً الرئيس الحريري في إطار المهمة المكلف بها والتي تتعلق اساساً بالوضع على الحدود الجنوبية والبلوك النفطي رقم 9.
وكشفت المصادر ان الاتصالات سيقودها الرؤساء عون وبري والحريري بهدف المحافظة على الحقول اللبنانية، كذلك علم ان المجتمعين ركزوا على أهمية متابعة الاجتماعات مع الأمم المتحدة ولا سيما القوات الدولية لتأكيد موقف لبنان الرافض لأي تعدٍ على الأرض في موضوعي ترسيم الحدود والنقاط الـ13 المختلف عليها، في الخط الأزرق، مؤكدة ان هناك توجهاً لتفعيل الاتصالات السياسية والديبلوماسية دفاعاً عن موقف لبنان في وجه إسرائيل.
وقالت ان المجلس الأعلى للدفاع الذي يجتمع ظهر اليوم سيستمع إلى تقرير اللجنة العسكرية في الناقورة على ان يتخذ إجراءات ميدانية استكمالية.
اما بالنسبة إلى الملفات الخلافية، فقد كشفت المصادر نفسها ان موضوع مرسوم الاقدمية نال حيزاً وافراً من النقاش، بحيث استفاض كل من الرؤساء بعرض وجهة نظره. وفي الختام، برز تأكيد وتصميم على معالجته بشكل نهائي، وجرى التفاهم على ان تتم المعالجة على نحو يحفظ حقوق الضباط أي الاقدمية لضباط دورة العام 1994 التي أُعطيت لهم ويؤمن صدور مرسوم الترقيات من 1/1/2018، كما اعدته الأجهزة الأمنية المختصة، وعلم ان الرئيس عون قال ان ما يهمّه هو حقوق العسكريين، فجرى الاتفاق على هذه المعالجة.
وقالت ان الرؤساء تطرقوا إلى موضوع الموازنة، وجرى الاتفاق على الإسراع في عرضها على مجلس الوزراء واقرارها واحالتها الى مجلس النواب ودراستها من قبل اللجان المعنية لإنجازها إذا كان ممكناً قبل اجراء الانتخابات النيابية. وتمت خلال اللقاء الإشارة إلى خفض نسبة الـ20 في المائة التي تؤثر على الموازنة.
اما بالنسبة إلى الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، فقد كانت في صلب المحادثات الرئاسية، حيث جرى التداول بها في السياق العام من أجل إقرار الموازنة إذا تعذر الأمر في الدورة العادية للمجلس.
برّي
وحرص الرئيس برّي على وصف الاجتماع بعد انتهائه بأنه كان مثمراً، وان البيان الذي سيصدر لاحقاً سيعبر فعلاً عمّا حصل.
وأكد  بري​ مساءً أمام زواره أنه مرتاح لاجتماع بعبدا «وأعطيه علامة عشرة على عشرة»، كاشفا أنه شدد خلال الاجتماع على ضرورة «الإسراع في إقرار ​الموازنة​ في الحكومة وتحويلها الى مجلس النواب لكي يبقى بالإمكان إقرارها من قبل المجلس الحالي».
وأوضح أن «الحكومة المقبلة قد يتأخر تشكيلها وهذا أمر طبيعي ولذلك يجب الإسراع في إقرار الموازنة كي لا نعود الى مسلسل التأخير في إقرار الموازنات»، لافتا إلى «أننا اتفقنا على التصدّي للتهديدات الإسرائيلية والحفاظ على حقوقنا وثروات لبنان في البرّ والبحر».
وكشف «أننا لم نتطرّق أثناء اللقاء في بعبدا لكلام وزير الخارجية جبران باسيل ولم أطلب أساساً اعتذاراً منه بل عليه أن يعتذر من اللبنانيّين لأنّ الإساءة كانت بحقّهم»، مشيرا الى أنه «حين حصل خطأ في الشارع من قبل مناصرين لـ «أمل» اعتذرت على الرغم من أنّني لم أكن على علم بما حصل والاعتذار ليس عيباً».
وأعلن أنه «تمّ الاتفاق على حلّ لمرسوم الأقدميّة يقضي بالاحتكام لما يقوله الدستور ولا خلاف على هذا الموضوع»، معتبرا أن «البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية كان معبّراً».
وشدد بري على «أننا سنذهب الى مجلس الوزراء الخميس لأنّنا أكدنا مراراً استمرار عمل المؤسسات الدستوريّة وسنتعاون مع الجميع من دون تراجع عن مواقفنا الثابتة»، مشيرا الى أن «العقدة الأكبر في التحالفات النيابية هي في الجبل ولكن هناك مساعٍ لحلّها».
الحريري
اما الرئيس الحريري فقد شدّد من جهته على ان الاجتماع كان مثمراً والنتائج إيجابية وكذلك الاجواء، وقال انه كان هناك شرح للمرحلة السابقة ولمسنا الانفتاح بين الجميع، والتعاون قائم بيننا من أجل مصلحة المواطن، كاشفاً ان «الامور إلى حلول حقيقية في كل الملفات، والتركيز على عمل الحكومة والتشريع والمؤتمرات الدولية القادمة».
ولاحقاً، ترأس الحريري اجتماعاً كتلة «المستقبل» النيابية في «بيت الوسط»، صدر في اعقابه بيان عبرت فيه الكتلة عن ارتياحها للاجتماع الثلاثي، ورأت فيه «خطوة في الاتجاه الصحيح لمعالجة التباينات السياسية وضبط إيقاع الحملات تحت سقف الحوار وعمل المؤسسات الدستورية ومع الالتزام الكامل باتفاق الطائف.
ونوهت الكتلة «بالأجواء الإيجابية التي سادت الاجتماع، وطوت مرحلة عابرة من التجاذب السياسي والاعلامي، وهو امر من شأنه ان يلقي بنتائجه الطيبة على عمل المؤسسات، ويسحب فتائل الاحتقان من الشارع».
مجلس الوزراء
واستناداً إلى المناخات الإيجابية التي عممها لقاء بعبدا، يفترض ان تتعزّز في محطتين جديدتين، قبل وبعد ظهر الجمعة المقبل، الأولى في القدّاس الاحتفالي بعيد مار مارون التي يرأسه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، والثانية في حفل توقيع عقود استخراج النفط مع رؤساء الشركات الثلاث في الثالثة والنصف بعد الظهر في «البيال» والمتوقع ان يحضره الرؤساء الثلاثة وأركان الدولة.
وكشفت مصادر نفطية لـ«اللواء» ان حفل «البيال» سيكون احتفالا بالقعود التي وقعت الاثنين الماضي من قبل الشركات الثلاث مع تقديم الكفالات، نافية كل ما تردّد عن سحب إحدى الشركات عروضها بعد تهديدات ليبرمان.
اما جلسة مجلس الوزراء غداً في بعبدا، فستكون بمثابة امتحان لما اتفق عليه في «لقاء بعبدا» لا سيما بالنسبة لما يتصل بالبند رقم 39 من جدول الأعمال الذي وزّع أمس على الوزراء، والذي يلحظ عرض وزارة الداخلية لموضوع البطاقة الممغنطة، لجهة تعليق مفعول نص المادة 84 في القانون الانتخابي ولمرة واحدة كي لا يُصار إلى الطعن بالانتخابات النيابية من جرّاء بقاء مفعول هذه المادة، بحسب ما تمّ الاتفاق على ذلك في لقاء الرؤساء الثلاثة.
واللافت ان تكتل «التغيير والاصلاح» رحب في اجتماعه أمس بما وصفه بـ «تفهم الأطراف السياسية بوجوب تعديل المادة المذكورة» كي لا نسجل تجاوز الحكومة لنص وجوبي». وفي حال أقرت الحكومة هذا الأمر في اجتماعها غداً، فإنه يفترض أن يكون ضمن مشروع قانون يرمي إلى تعليق مفعول المادة 84 في قانون الانتخاب، لمرة واحدة، ما يستلزم فتح  دورة استثنائية لمجلس النواب، ابتداء من شباط ولغاية أول ثلاثاء يلي 15 آذار المقبل، موعد الدورة العادية الأولى، والتي  تستمر حكماً حتى نهاية أيار، على اعتبار ان الدورة العادية الثانية انتهت مع نهاية السنة الماضية.
وقالت مصادر نيابية لـ«اللواء» انها لا تتوقع ان تثار في وجه هذه المسألة ما أثير في وجه محاولات تعديل مهلة تسجيل اقتراع المغتربين من حملات بلغت حدّ التهديد بوقف جلسات المجلس أمام إمكانية أي تعديل لقانون الانتخاب.
تجدر الإشارة إلى ان اليوم الثاني لفتح باب الترشيحات أقفل على عدم وجود أي مرشحين، فيما الملفت «القوات اللبنانية» عن ترشيح مستشار  الدكتور سمير جعجع للشؤون الخارجية ايلي خوري عن المقعد الماروني في طرابلس، وأعلن  النائب القومي السوري مروان فارس عزوفه عن  الترشح عن المقعد  الكاثوليكي في دائرة بعلبك- الهرمل.