الولايات المتحدة بعد أن بذلت جهودا كبيرة في مواجهة تنظيم داعش في كلّ من سوريا والعراق، لا تبدو بوارد إخلاء الساحتين تماما من قواتها، لتكون بذلك قد هيّأت المجال لسيطرة إيران على البلدين. وأقصى ما ينتظر من واشنطن أن تعيد ترتيب تواجدها العسكري باتجاه تقليل حجمه وتطوير نوعيته وتوجيه مهامه أكثر فأكثر من القتال إلى الرصد والمراقبة، استعدادا لتنفيذ ضربات نوعية حين تقتضي الحاجة ذلك.
 

أعلنت الحكومة العراقية، الاثنين، عن شروع القوات الأميركية في خفض عدد أفرادها، بعد انتهاء الحرب على تنظيم داعش في العراق حيث قادت الولايات المتّحدة تحالفا دوليا ضدّ التنظيم، غير أنّ مصدرا عسكريا عراقيا، رفض الحديث عن سحب للقوات مفضّلا الحديث عن إعادة ترتيب للأوضاع بما يتناسب والوضع الجديد الذي تنتفي معه الحاجة لعتاد وأطقم قتالية معيّنة، وتتضاعف الحاجة لمعدّات أخرى خصوصا تلك المستخدمة في عمليات الرصد والمراقبة.

وتشير مختلف الدلائل إلى أنّ الولايات المتحدة التي أتاحت لها الحرب على تنظيم داعش، إيجاد موطئ قدم جديد لقوّاتها على الأراضي العراقية، فضلا عن التواجد على الأراضي السورية، ليست بوارد الانسحاب وأنّها تخطّط لتواجد عسكري هناك مركّز ومسنود بقوات محلّية مرتبطة بالقوات الأميركية تسليحا وتمويلا وقيادة بالنسبة لسوريا، وذلك في محاولة لموازنة الحضور الإيراني في البلدين وكالة عن طريق ميليشيات مرتبطة بإيران شاركت في الحرب على تنظيم داعش ولا تزال تمسك بمساحات شاسعة من أراضي البلدين.

وفي أكثر من محطّة بدا الاهتمام الأميركي منصبّا بشكل رئيسي على قطع طريق التواصل الحرّ بين إيران وسوريا ولبنان وصولا إلى ضفّة البحر المتوسّط مرورا بالأراضي العراقية، وهو الطريق الذي عملت طهران على تأمينه من خلال سيطرة الميليشيات التابعة لها على مفاصل حيوية من الأراضي السورية والعراقية بما في ذلك المناطق الحدودية.

وقبل عدّة أسابيع قال الكولونيل بالجيش الأميركي رايان ديلون والذي يشغل خطة المتحدث باسم التحالف الدولي ضدّ داعش إنّ بضعة آلاف من عناصر التنظيم، “مازالوا يشكلون تهديدا في العراق وسوريا وسنواصل دعم قوات شركائنا لهزيمتهم”.

وقال المتحدّث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي، الاثنين، “إن المعركة ضد داعش انتهت، وبالتالي فإن عدد القوات الأميركية سيخفّض”.

وأوضح أن عملية خفض عدد القوات بدأت فعلا، لافتا إلى أنها “لا تزال في مراحلها الأولى ولا تمثل بداية الانسحاب الكامل للقوات الأميركية”.

ومن جهتهم قال متعاقدون غربيون متحدّثين من قاعدة للتحالف الدولي في العراق، إن عشرات الجنود الأميركيين إلى جانب أسلحتهم ومعداتهم تم نقلهم من العراق إلى أفغانستان، عبر رحلات جوية، خلال الأسبوع الماضي.

وفضل المتعاقدون عدم الكشف عن هويتهم كونهم غير مخولين بالحديث للإعلام، كما رفضوا الكشف عن حجم القوات التي جرى أو يجري سحبها.


ريان ديلون: استمرار وجود قوات التحالف سيتحدد وفقا للظروف وبحسب الحاجة
غير أنّ الكولونيل ريان ديلون رفض تأكيد أو نفي البدء في تخفيض أعداد القوات قائلا لوكالة رويترز “ننوي إصدار بيان عندما تبدأ القوات في الانسحاب”، ومضيفا “استمرار وجود قوات التحالف سيتحدد وفقا للظروف وبما يتناسب مع الحاجة وبالتنسيق مع الحكومة العراقية”.

وتتهم فصائل شيعية مسلّحة موالية لإيران حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بعقد اتفاقات سرّية لإبقاء القوات الأميركية في العراق، متوعّدة بمحاربتها.

وأصدرت الدائرة الإعلامية لحكومة العبادي في وقت سابق بيانا قالت فيه “تداولت وكالات أنباء دولية ومحلية خبرا مفاده أن العراق قد اتفق مع الولايات المتحدة الأميركية على بقاء قوات لها في العراق للفترة التي تلي تحقيق النصر العسكري على داعش، ونحن نؤكد أن لا وجود لقوات مقاتلة مِن أي دولة على الأراضي العراقية حتى يتم البحث في بقائها من عدمه بل يوجد مدربون ومستشارون وخبراء من عدد من الدول”.

وأوضح ذات البيان “أن الحكومة العراقية لم تتفق مع أي دولة بصدد دورها العسكري في العراق لمرحلة ما بعد النصر الحاسم على الإرهاب”.

وجاء النفي الحكومي العراقي ردّا عما كشفت عنه وسائل إعلام أميركية بشأن مباحثات بين واشنطن وبغداد لإبقاء القوات الأميركية في العراق بعد القضاء على تنظيم داعش، مشيرة، إلى وجود توافق بين الحكومتين بشأن الحاجة لوجود تلك القوات على المدى الطويل لضمان أمن البلاد”.

ونقلت وكالة أسوشيتيد برس الأميركية عن مصادر رسمية في واشنطن وبغداد، القول إن “لقاءات عدة عقدت بين ممثلين عن إدارة ترامب ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لبحث إمكانية بقاء القوات الأميركية في العراق حتى بعد دحر داعش”.

وذكر موقع أيه بي سي نيوز الأميركي، أن “هدف المباحثات بقاء القوات الأميركية داخل القواعد العراقية الحالية، في خمسة مواقع على الأقل بمنطقة الموصل وعلى طول الحدود العراقية مع سوريا”.

وقال قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحق إنّ الولايات المتحدة “ستختلق الأعذار والحجج لبقاء قواتها في العراق لكن هذا غير ممكن ومستحيل”.

وتعليقا على غارة أميركية بالخطأ في منطقة البغدادي أودت الشهر الماضي بثمانية عراقيين، قال الخزعلي إنّ “الحادثة تطرح تساؤلات مهمة وخطيرة حول التواجد العسكري الأميركي في العراق والدور الذي يريد القيام به ومبررات وجوده بعد انتهاء داعش عسكريا”.

وعلى مدار سنوات الحرب الثلاث ضدّ داعش عملت الولايات المتّحدة في هدوء على استعادة حضور عسكري في العراق، محدود لكنّه مركّز ومدروس، ويقوم على بضعة آلاف من قوات النخبة منتشرين في قواعد متفرّقة في العراق تتيح للولايات المتحدة مراقبة الأوضاع العسكرية في البلد من قريب باستخدام أرقى النظم والتكنولوجيات.

وتعلم إيران أنّ تواجدا للقوات الأميركية في سوريا والعراق بعد نهاية حرب داعش سيكون هدفه فرملة نفوذها هناك. وقال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني إن طهران “على اطلاع كامل بكافة القدرات الجويّة والبحرية الأميركية المحيطة بإيران، ونعتبر أن خيار الحرب خيار واقعي ونستعد له”.

وبحسب الجنرال الإيراني فإنه “من غير المنطقي أن يحصر أي بلد نطاق أمنه داخل حدوده”، مضيفا “نحن نعتبر الجيش السّوري والعراقي العمق الاستراتيجي لنا”، مؤكدا أن “أفضل استراتيجية للاشتباك مع العدو تكون عن بعد”.