عندما كنت اسأل عدداً من اصدقائي “العونيين” عن تحالف التيار الوطني الحر مع فاسدين ورموز الوصاية السورية واقطاعيين إدّعوا في وقت سابق انهم يحاربونهم، كان الجواب ان الجنرال يحتاج الى تحالفات وقتية تحمله الى الرئاسة، ومتى بلغ قصر بعبدا، سيبدأ “شطف الدرج من فوق” لأن الاصلاح الحقيقي لا ينطلق الا بقطع الرؤوس الفاسدة، لا الانتقام من موظف صغير يتحول كبش محرقة.
لكن الجنرال الذي صار رئيساً، وليس أي رئيس، بل “الرئيس القوي”، لم يبدأ الى اليوم بشطف الدرج. وبدا واضحاً، انه رغم مرور سنة ونصف السنة على رئاسته، فان العهد لم ينطلق، ولم يقلّع، وهو ما بدأ الرئيس القوي يشعر بثقله عليه، حتى انه فاتح زواراً بالعقبات، مطالباً بالاستمرار في دعم خطواته الاصلاحية.
ربما العقبات كبيرة، والعثرات كثيرة، لأن ثمة من لا يريد بناء المؤسسات، وسيادة القانون، وضبط الحدود، وتفعيل الاقتصاد، وإعادة جذب الاستثمارات الخليجية، لأن انتظام البلد قد يحد من الفساد ويقلّص أدوار البعض ويمنع التدخلات. والتطورات التي تؤكد هذا الواقع، لا تحد وحدها الانطلاق، لان الرئاسة لم تعمل لـ”التغيير والاصلاح”، فلا هي قادرة على تحمل اعباء الماضي واثقال الواقع، ولا قادرة على التحرّر من تحالفات وارتباطات ومصالح، اذ أنّ محيطين بالرئيس دخلوا اللعبة السياسية اللبنانية التقليدية، وتلذّذوا بمكاسبها غير المشروعة غالباً.
لكن الأخطر على العهد من عقبات ربما مفتعلة، فهو ما ظهر اخيراً في محيط الرئيس، وما بدأ الناس بترداده عن اجنحة وصراعات في “العائلة الرئاسية” تتوزع مع فريق تقوده ابنة الرئيس ومستشارته ميراي، وفريق الوزير جبران باسيل، وفريق العميد شامل روكز.
والمجموعات الثلاث متباعدة ومتضاربة كما تنبئ التطورات. فالوزير باسيل يطلق مواقف ملتبسة حيال ملفات كثيرة واهمها حيال الثنائي الشيعي، في حين يرد عليه روكز بابداء كل الاحترام للرئيس نبيه بري، بعد استقبال باسيل مرشحي كسروان للاختيار في ما بينهم من دون الوقوف على رأي الرئيس المفترض للائحة.
وفي مكان آخر، يبادر التلفزيون المدار من المستشارة ميراي عون والمستشار جان عزيز بشنّ هجوم لاذع على الوزير السابق ومستشار الرئيس الياس بو صعب المقرب من باسيل في سابقة لم تحصل في الحياة السياسية اللبنانية. اما التنافس في اوساط العونيين على الانتخابات، وتوزع عدد من غير المحظوظين على اماكن ومقار اخرى، فوجه من وجوه الازمة التي تحتاج الى مبادرات.
قد يكون كل ما تردد غير صحيح، لكنه في كل حال يسبّب الأذى للعهد ويشوّه صورته، ومن باب الحرص على الرئيس، وعلى البلد، لا بدّ من تصويب البوصلة، واعادة النظر في كثير من الامور حتى لا ينتهي العهد قبل أن يبدأ، وتنقضي قصة الرئيس القوي على غير ما نتمنى ومعنا اكثرية الشعب اللبناني.