متى يقول الرئيس سعد الحريري كلمته الانتخابية؟
الرجل ليس ملزماً بكشف أوراقه منذ الآن، غير أن الملامح السياسية للخيار «المستقبلي» الانتخابي ستتبدى تدريجاً، بدءاً بتقديم الترشيحات رسمياً، اعتباراً من يوم أمس، وصولاً إلى اكتمال إعلان اللوائح الانتخابية في كل لبنان مع نهاية آذار المقبل، مروراً بمحطات ومواعيد إلزامية، أولها خطاب الرابع عشر من شباط، ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وثانيها احتفالية الرابع عشر من آذار، التي يقدَّر لها أن ترسم معالم السادس من أيار الانتخابي.
من جهة، تشي المقاربة الحريرية للترشيحات حتى الآن، بمعاقبة كل من كانوا شركاء في «الكمين السعودي»، سواء بالتجسس أو التحريض أو التزوير أو التمويه.
ومن جهة ثانية، انتهى زمن دفع الفواتير السياسية المفتوح منذ عام 2005، ولا بد من استخلاص العبر من تجربة الانتخابات الأخيرة وما تلاها من تمديد (ولاية ثانية من خمس سنوات). صحيح أن قدرة التحكم الحريرية بالمسار الانتخابي تراجعت كثيراً، لأسباب متعددة، منها ما يتصل بالقانون الانتخابي النسبي نفسه، ومنها ما يتعلق المال والخدمات، غير أن أصل النقاش يقود هنا إلى السياسة، وتحديداً طبيعة العلاقة الحريرية ــ السعودية.
لم تعد رواية توقيف سعد الحريري أو الإفراج عنه خافية على أحد. لكن ثمة أسئلة لا أحد يملك أجوبتها القاطعة: هل أفرج عنه بشروط سعودية وفرنسية (ضمناً أميركية)، أم أنه مطلق اليدين؟
من يراقب أداء الرجل منذ الثاني والعشرين من تشرين الثاني 2017 حتى يومنا هذا، يستنتج سريعاً أن هوامشه صارت أكثر اتساعاً، بدليل عودته إلى الحكومة بدل تثبيت استقالته منها؛ تناغمه سياسياً في الكثير من المحطات مع حزب الله، لا بل الإشادة بالحزب ودوره في تخفيف حدة التوترات في لبنان (مقابلة «وول ستريت جورنال»)؛ اقترابه إلى حد الالتصاق بميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل.
وبدل التزام الحريري الخط السعودي المرسوم له لبنانياً، يحاول توسيع هوامشه، خصوصاً أنه لم يعد لديه ما يخسره في المملكة بعد تصفية معظم أعماله، لا بل إن ما أشيع في بيروت في الأيام الأخيرة عن فوز سعد الحريري وشريكه رجل الأعمال الأردني علاء الخواجة ببناء قصرين ملكيين في المغرب، لا يبدو أنه دقيق، فالأخير ليس واجهة لآل الحريري في المقاولات، لا بل يفوقهم قدرة وإمكانات وعلاقات، وكان قد اشترى منهم حصة وازنة في بنك البحر المتوسط في ربيع عام 2017، فضلاً عن امتلاكه الأغلبية في قرارات مجلس إدارة المصرف.
وإذا كان الملاحظ أن الحريري يحرص منذ «تحرره» على التحدث بنبرة إيجابية عن السعودية، بما في ذلك في بعض الأروقة الضيقة (خشية التنصت السعودي على شبكتيه الأرضية والخلوية)، فإن المراجعات التي حصلت أخيراً بين بيروت والرياض، لا تشي بأي تفهم سعودي لكل محاولات الاقتراب من «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل على وجه التحديد.
ولعل أبلغ رسالة قد تلقاها الحريري، ما نشره، أمس موقع «إيلاف» السعودي ، مذيلاً بتوقيع مراسله في الأراضي الفلسطينية المحتلة (مجدي الحلبي)، وجاء فيه أن سعد الحريري «يتجه نحو الخيار التركي ويبتعد عن المملكة»، وربط الموقع، نقلاً عن «مطلعين على الشأن اللبناني» بين زيارة الحريري الأخيرة لتركيا و«التموضع السنّي اللبناني في حضن تركيا الإخوانية»، علماً أن الحريري كان قد حاذر إبرام أي تفاهم انتخابي مع «الجماعة الإسلامية» في العاصمة والشمال وصيدا والبقاع، مخافة أن يؤدي ذلك إلى استفزاز السعوديين والإماراتيين والمصريين!
ونقل الموقع عمّن سمّاه «مصدراً كبيراً» أن مسؤولاً سعودياً اتصل بوزير لبناني أخيراً، وأبلغه «أن هرولة الحريري إلى تركيا ستكلفه ثمناً باهظاً»، وأن تحالفه مع تركيا «لن يمر مرور الكرام» مع «حليفه (السعودي) وداعمه الأساسي في المنطقة». وهدد المصدر نفسه الحريري بانقلاب «تيار المستقبل» عليه، وذلك في ظل ارتفاع الأصوات في «التيار الأزرق»، من «أجل التغيير وإعادة تصحيح المسار ورفض التفاهمات مع «حزب الله» قاتل والده رفيق الحريري». ترافق ذلك مع هجمة «تويترية» شارك فيها بكثافة في الساعات الأخيرة مغردون سعوديون بعنوان «إيران تحتل لبنان».
ولعل الإشارات السلبية التي تلقاها السعوديون حول مآل المصالحة بين الحريري وسمير جعجع، زادت من حذرهم، برغم حرص رئيس «تيار المستقبل» على إشاعة أجواء إيجابية في الأيام الأخيرة حول «زيارات قريبة متبادلة» بينه وبين جعجع، لا بل سمع البعض كلاماً مفاده أن جبران باسيل يقترب من «القوات» وخطابها بالتنسيق الكامل بينه وبين الحريري، برغم الكلفة العالية لهذا «الاقتراب»، سواء داخل «التيار» نفسه أو على مستوى العلاقة مع «حزب الله» تحديداً.
وإذا كان بعض زوار الرياض قد لاحظوا إهمال القيادة السعودية للبعد المالي للمعركة الانتخابية المقبلة، فإن شخصية سنية بارزة لم ينقطع التواصل بينها وبين الديوان الملكي السعودي، لا تستبعد أن تقول المملكة كلمتها في الرابع عشر من آذار، وصولاً إلى «تلزيم» الاحتفال نفسه سياسياً، لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع، إذا قرر الحريري عدم التزام شروط «الإفراج» عنه (الابتعاد عن عون والانخراط في «المعركة» ضد «حزب الله»).
ومن غير المستبعد أن ينسحب «التلزيم السياسي» على الموضوع المالي، بحيث تتحكم معراب وحدها بـ«القجة الانتخابية» السعودية، الأمر الذي يمكن أن يترك تداعيات في أكثر من ساحة وبيئة انتخابية، لعل أبرزها بيئة الشمال الأكثر انسجاماً مع الهوى السعودي، فضلاً عن التداعيات المحتملة لأي تحالف انتخابي في دائرة البترون ــ بشري ــ زغرتا ــ الكورة، تكون ركيزته «إسقاط جبران باسيل»!
«نحن لا نرفض وجود إسرائيل، ومن حقها أن تعيش بأمان»... «نحن بالنسبة إلينا مسألة (التطبيع مع إسرائيل) ليست قضية أيديولوجية». بين هذه العبارات التي تفوّه بها باسيل لـ«الميادين» في السادس والعشرين من كانون الأول الماضي وعباراته في «الماغازين» في التاسع من كانون الثاني المنصرم، هل يصح القول إن رئيس «التيار الوطني الحر» قرر التموضع سياسياً بما لا يحرج الحريري سعودياً وأميركياً، وبما يضمن استمرار المقايضات في صفقات السياسة والخدمات و«الطاقات»؟
في المحصلة، لا قيمة لكل ما يرسم من سيناريوهات قبل أن يقول الحريري كلمته و«يحرر» عائلته من المملكة.