يتسرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إطلاق تصريحات تروج إلى أن الجيش التركي شارف على تحقيق انتصار ساحق في منطقة عفرين شمالي غرب سوريا على مقاتلين أكراد ينظر إليهم باعتبارهم إرهابيين، لكن سلوك أردوغان منذ بداية الحرب السورية يعكس أن عفرين لن تكون هدفا أخيرا بالنسبة إليه.
ويقول مراقبون ودبلوماسيون غربيون إن الرئيس التركي يرى في عفرين “ثقبا صغيرا” باتجاه طموح أكبر كثيرا يشمل مرحلتين: الأولى هي تثبيت النفوذ التركي على طول الحدود السورية مع تركيا، بداية من البحر المتوسط غربا، ووصولا إلى الحدود العراقية شرقا، والثانية تنحو إلى خلق أمر واقع جديد يقود تدريجيا إلى استعادة الحكم التركي التاريخي لهذه المناطق، أو على الأقل ضمان تبعيتها السياسية لأنقرة.
لكن الجيش التركي يواجه مقاومة شرسة من مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في محيط منبج، إذ لم يتمكن طوال ثلاثة أسابيع من السيطرة على أكثر من 15 قرية إلى جانب تلة برصاية الاستراتيجية، رغم التفوق العددي والتقني، والقصف الجوي المكثف للمنطقة، وانضمام مسلحين سوريين ينتمون إلى ما يعرف بـ”الجيش السوري الحر” إلى صفوف الجيش التركي.
ويقول خبراء عسكريون إن خطاب أردوغان يهدف إلى طمأنة الأتراك في الداخل وإبقاء الزخم العملياتي والروح المعنوية وتماسك الجبهة الداخلية قائمين. وانعكس ذلك في صورة اعتقالات واسعة نفذها الأمن التركي في صفوف صحافيين ونشطاء وسياسيين أظهروا معارضتهم للعملية التركية، التي يطلق عليها اردوغان اسم “غصن الزيتون”.
نوري محمود: أردوغان لن يكتفي بعفرين ولن تكون آخر حدوده إذا لم يتم التصدي له
وبات السؤال الملحّ على قيادة الجيش التركي: إلى متى سيستطيع الجيش مقاومة حقيقة أنه مازال غير قادر على تحقيق نتيجة تذكر بعد مرور كل هذا الوقت؟ وهل ستتسارع وتيرة التقدم الميداني في الأيام المقبلة؟ وإذا لم يحدث ذلك، ما هي البدائل الأخرى أمام الأتراك؟
وتتوقف الإجابة على هذه التساؤلات على طول الفترة التي سيظهر فيها الأكراد قدرة على الصمود أمام التقدم التركي. وأكد نوري محمود، المتحدث باسم وحدات حماية الشعب مواصلة المقاومة الكردية لهجوم أردوغان العسكري في عفرين وقال “نحن موجودون بعفرين والمقاومة مستمرة. يبدو أن أردوغان نسي بطولاتنا في تحرير كوباني من داعش. إننا نعده بأن يكون تقدمه بعفرين ليس إلا مستنقعا يغرق به هو وجيشه ومن معه من مرتزقة”.
وحذر، في مقابلة أجرتها معه جاكلين زاهر من وكالة الأنباء الألمانية، من أن “أردوغان يريد أن يحكم المنطقة وأن عفرين لن تكون آخر حدوده إذا لم يتم التصدي له”.
وتتمركز القوات التركية على طول مناطق حدودية منها ناحية بلبلة، كما يستهدف قصف مركز منطقة شيخ خورز في البلدة، فضلا عن اشتباكات متفاوتة في قرية الحمام في ريف عفرين الجنوبي الغربي، واشتباكات أخرى على محاور في تلال راجو.
وعن سير العمليات الميدانية أشار محمود “هم متواجدون بمناطق حدودية ناحية بلبلة، والقصف يستهدف تحديدا منطقة شيخ خورز بذات البلدة، فضلا عن اشتباكات متفاوتة في قرية الحمام في ريف عفرين الجنوبي الغربي، واشتباكات أخرى على محاور في تلال راجو”. واستدرك “لكن قواتنا تعرف هذه المناطق جيدا، ولذلك استطعنا السبت تكبيدهم خسائر فادحة، حيث قامت قواتنا وتحديدا وحدات حماية المرأة بعمليات نوعية قضى خلالها ثمانية من الجنود الأتراك و11 من إرهابيي النصرة وداعش ممن تسميهم تركيا كذبا بمقاتلي فصائل الجيش الحر… فضلا عن تدمير دبابات ومدرعات”.
ورفض القيادي الكردي ذكر عدد أسرى الجانبين، واكتفى بالقول “لم تصدر القيادة أرقاما رسمية”. وتابع “المؤكد أن لنا جثامين أربعة شهداء لديهم، منهم جثمان الشهيدة بارين كوباني التي جرى التنكيل والتمثيل بها… هذه الشهيدة لم تكن بمفردها، لقد كان معها ثلاث مقاتلات أخريات في ذات مجموعتها، ولكن صورة بارين هي التي ظهرت وانتشرت بالإعلام بعد التمثيل البشع بها”.
وسخر القيادي من تصريح أردوغان لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن أنقرة ليس لديها أطماع في سوريا، وقال “أردوغان سلطان عثماني جديد ويريد أن يحكم المنطقة.. وهو بالطبع لن يكتفي بعفرين ولن تكون آخر حدوده إذا لم يتم التصدي له”.
وأضاف “إنه يستغل موقع بلاده ومركزها بالمنطقة ويقدم تنازلات لروسيا والدول الأوروبية مقابل صمتها على غزوه لعفرين وما يقوم به جيشه ومقاتلوه من انتهاكات”.
واستطرد “للعلم، نحن نفرق جيدا بين السلطة وبين الشعب التركي، فالكثير من الأتراك ساندوا معركتنا ضد داعش في كوباني”.
يخشى الأكراد السوريون من أن تكون هذه العمليات مقدمة لمحاولات توسع تظهر جليا في نزعة أردوغان السلطوية وحلمه في أن يكون سلطان العرش العثماني الجديد
ونفى محمود حدوث أي تواصل بين القوات الكردية والقوات الحكومية السورية للتنسيق أو المساعدة في التصدي “للغزو التركي” حسب تعبيره، وشدد على أنه “ليس هناك أي اتصال مباشر بيننا وبين النظام”.
وأوضح “الجيش السوري لم يتحرك ولم يصدر عنه أي رد فعل، كان عليه أن يحمي حدود دولته، فمن يتنازل عن عفرين اليوم، وهي جزء من أراض سورية، قد يتخلى عن كل سوريا فيما بعد”. وتابع “كان يتوجب على المجتمع الدولي أن يطالب السلطان العثماني باحترام حدود وسيادة الدول… ولكننا نقاوم وحدنا وبإمكانيات ذاتية جيشا من أقوى جيوش المنطقة بالإضافة إلى أشرس الإرهابيين”.
ويخشى الأكراد السوريون من أن تكون هذه العمليات مقدمة لمحاولات توسع تظهر جليا في نزعة أردوغان السلطوية وحلمه في أن يكون سلطان العرش العثماني الجديد الذي يتطلب عودة السيطرة على المناطق التي كانت خاضعة للعثمانيين سابقا.
وحول الرئيس التركي المعركة إلى قضية قومية وحدت صفوف الداخل التركي وخاصة معارضية بخطاب شعبوي يصر على انتهاجه لكسب تأييد شعبي وتذكير الأتراك برصيد أجدادهم في المعارك والحروب.
وقال أردوغان منذ يومين في خطاب إن “أهالي هذه المناطق ينتظرون عودة تركيا منذ مئة عام”. والأحد، هدد متحدث باسم الحكومة التركية بتوسيع نطاق العمليات ليشمل مدينة منبج، الواقعة إلى الشرق من عفرين.
لكن يعكس هذا التهديد تراجعا في المفاوضات التي تدور بين الأتراك والأميركيين في الغرف المغلقة، وهو ما يشكل عقبة أمام أردوغان للحصول على تنازلات من قبل واشنطن.
والسبت، أسقطت طائرة حربية روسية في ريف إدلب، وقتل الطيار، فيما أعلنت جبهة النصرة مسؤوليتها عن العملية. ودق إسقاط الطائرة جرس إنذار في صفوف الاستخبارات الروسية، إذ ليس من المعروف أن هناك أسلحة مضادة للطائرات بحوزة جبهة النصرة في هذه المنطقة.
وتوضح عملية عفرين إلى جانب الاشتباك، العلاقة الدبلوماسية بين واشنطن وأنقرة ورغبة الولايات المتحدة الملحة في تفكيك التقارب الظرفي الذي جمع تركيا وروسيا.
ويقول مخططون عسكريون سابقون في واشنطن إن روسيا “تحاول، من خلال الدعم الضمني لمعركة عفرين، إنهاء أي تقدم للاستراتيجية الأميركية في شمال سوريا، وإعادتها سنوات إلى الوراء”. وأضافوا “الولايات المتحدة لا يجب أن تمنح ذلك للروس مجانا”.