وكأن المشهد اللبناني لم يكن ينقصه سوى ريشة الفنان الإسرائيلي لتتكامل الصورة المشوهة للواقع المزري الذي يعيشه اللبنانيون، مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات سلبية قد تترك البلد كريشة في مهب الرياح العاتية التي تهب عليه من كل حدب وصوب، ومع ما يتعرض له من ضغوط داخلية وخارجية قد تصل به إلى حافة جملة من الإنهيارات السياسية والإقتصادية والأمنية والإجتماعية، إذ أن وزير حرب العدو الصهيوني أفيغدور ليبرمان دخل على ملف النفط اللبناني مهددًا بأن إسرائيل لن تسمح للبنانيين بتلزيم البلوك التاسع زاعمًا بأنه يقع ضمن المياه الإقليمية الإسرائيلية، وبذلك فإنه يكرس معادلة إسرائيلية فحواها ينطلق من أن أي انقسام بين الأطراف اللبنانية هو فرصة ثمينة للإستثمار، باعتبار أن الإختلاف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وما لهما من إمتدادات شعبية وسياسية يمثل النموذج الأمثل للدخول على خط العبث بالنسيج اللبناني، وما قد يتركه هذا الإنقسام من إرتدادات سلبية على دور المقاومة التي لم تتأخر بالرد على العربدة الإسرائيلية والذي جاء على لسان حزب الله بالإعلان عن جهوزيتها لفعل كل ما يلزم دفاعا عن لبنان وحقوقه في ثرواته من النفط والغاز، وجدد تأكيده في التصدي "لأي إعتداء على حقوقنا النفطية والغازية والدفاع عن منشآت لبنان وحماية ثرواته".
إقرأ أيضًا: هدنة هشة في ظل وضع متفجر والإستحقاق الإنتخابي يقترب
وبالرغم من أنه لم يتم تسجيل أي تقدم نحو حل الأزمة القائمة بين الرئاستين الأولى والثانية وطي صفحة الخلاف والإقتراب من المعالجات، إلا أن تهديدات الوزير الإسرائيلي ليبرمان استدعت ردًا حازمًا من رئاسة الجمهورية التي أكدت أن "كلام ليبرمان يشكل تهديدًا مباشرًا للبنان ولحقه في ممارسة سيادته الوطنية على مياهه الإقليمية، ويضاف إلى سلسلة التهديدات والإنتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقرار 1701 في الجنوب"، وكذلك فقد اعتبر رئيس الحكومة سعد الحريري في بيان له أن" إدعاء وزير حرب العدو باطل شكلًا ومضمونًا وهو يقع في إطار سياسات إسرائيل التوسعية والإستيطانية لقضم حقوق الآخرين وتهديد الأمن الإقليمي".
وشدد الرئيس الحريري على أن " الحكومة اللبنانية ستتابع خلفيات هذا الكلام مع الجهات الدولية المختصة، لتأكيد حقها المشروع بالتصرف في مياه لبنان الإقليمية ورفض أي مساس بحقها من أي جهة كانت".
وفي السياق ذاته فإن التهديدات الإسرائيلية فرضت نفسها على النقاشات في عين التينة خلال لقاء الأربعاء الماضي، حيث ركز رئيس مجلس النواب نبيه بري على الأخطار التي تحدق بلبنان جراء ما يجري على مستوى المنطقة معتبرًا أن زيارة رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى روسيا هي أكبر من خطيرة، مما يتطلب من جميع اللبنانيين التنبه والتشبث بالوحدة.
إقرأ أيضًا: الحريري والجبير في دافوس
وإذا كان ظاهر المشهد اللبناني يعطي صورة عن توحيد الخطاب السياسي بين كافة الأطراف السياسية اللبنانية وخاصة بين الرئاسات الثلاث إزاء تهديدات العدو الإسرائيلي، وبالرغم مما تم الإعلان عنه عن لقاء مرتقب يجمع الرؤساء عون وبري بحضور سعد الحريري يوم الثلاثاء المقبل، ومع تراجع منسوب التوتر في الشارع بعد إنتشار الجيش اللبناني في أكثر من منطقة ذات غالبية مسيحية، إضافة إلى دعوات حركة أمل لمناصريها لوقف تحركاتهم الإحتجاجية، إلا أن كل ذلك لا يعني إنتهاء الأزمة في الداخل اللبناني في ظل تمسك كل طرف بموقفه لجهة عدم التنازل للطرف الآخر.
فالرئيس بري يصر على ضرورة أن يقدم جبران باسيل إعتذارًا في العلن مقابل رفض الأخير القيام بهذه الخطوة، خاصة بعد تمادي مناصري حركة أمل في التعديات على مراكز تابعة للتيار الوطني الحر وإنتهاكات للسلم الأهلي، وهذا يأتي ترجمة للإنحدار الواضح في أسلوب التخاطب الذي بلغ مستويات متدنية لدرجة الإنحطاط، وهو ناتج عن مدى تغلغل الطائفية في الوجدان اللبناني بعدما باتت تنضح بها كل زاوية من زوايا البلد، وبعد ما بات يتم تحميل كل تصريح لأي مسؤول لبناني بعدًا طائفيًا.
وهذا يكشف المستور من صورة المشهد في البلد والتي تخبىء خلفها حقيقة عمق الخلافات الداخلية بين الأطراف اللبنانية التي تضاهي العداء لإسرائيل وربما تزيدها عداءًا.