صدر عن البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة وجمعية الطب النفسي اللبنانية والجمعية اللبنانية لعلم النفس، بيانا ردا على خبر هروب المجانين من مستشفى للمجانين، وجاء فيه: "تداولت يوم الاربعاء 31/1/2018 وسيلة اعلام لبنانية محلية خبرا يتعلق بفرار عدد من المرضى المجانين من مستشفى للمجانين في المتن الشمالي وشاركته مواقع اعلامية الكترونية اخرى وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيق الواتس آب بكثافة بين الناس قبل ان يتبين بعد ساعات قليلة بان الخبر عار من الصحة.

فضلا عن ان الجهات الاعلامية بادرت الى نشر هذه المعلومات من دون التدقيق في صحتها بالرغم من حساسيتها وخطورتها، يستنكر البرنامج الوطني للصحة النفسية وجمعية الطب النفسي اللبنانية والجمعية اللبنانية لعلم النفس اللهجة والاسلوب اللذين استخدما في هذا السياق، والناتجين عن نظرة تمييزية بحق الاشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ومقاربة رجعية للصحة النفسية بشكل عام.


وعلى اثر هذه الحادثة المؤسفة يهمنا التأكيد على الآتي:

- ان الوصم الذي يتعرض له الشخص الذي يعاني من اضطراب نفسي يتآتى بشكل أساسي من النهج الآيل الى اعتبار هذا الاخير منبوذ من المجتمع، ولا يخفى على أحد حجم وجثامة أشكال التمييز التي يتعرض لها في مختلف المجالات في مجتمعنا وبطبيعة الحال من شأن استخدام عبارات مشبعة بالاحكام المسبقة، كعبارة (مجنون) والترويج بان الاضطرابات النفسية تولد لا محال أفعالا عنفية وجرمية كما جاء في الخبر المذكور يكرسان الوصم والتمييز بحق الاشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ويساهمان في عزلهم وإقصائهم، ويردعهم من طلب خدمات الصحة النفسية الملائمة. انه من المهم عدم ربط العنف بالصحة النفسية باعتبار ان أي ربط من هذا النوع لا يسبب فقط وصمة على الاشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات بل هو بعيد كل البعد عن الدقة. فقد أثبتت الدراسات ان الاشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية هم معرضون أكثر بعشرة أضعاف ان يكونوا ضحايا أعمال العنف من ان يكونوا مرتكبيها.

- ان المقاربة الدولية الصحية والحقوقية لمجال الصحة النفسية تتجه نحو التركيز على حقوق الانسان عوضا عن اتباع سياسة عزل ووصم كما كان الحال عليه منذ عقود انطلاقا من حق كل انسان بالتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والنفسية، وهو حق مطلق كرسته المواثيق الدولية والدساتير الوطنية بما فيها الدستور اللبناني ويتفرع عنه الحق في العلاج وفي احترام الحياة الخاصة والإندماج في المجتمع باعتبار ان اضطراب الصحة النفسية حالة طبية وهناك علاجات فعالة تسمح للاشخاص باستعادة عافيتهم وقيادة حياة منتجة وطبيعية.

- ان كل انسان معرض في أي وقت من الأوقات لمواجهة ظروف وتحديات في حياته اليومية يمكن ان تؤدي الى اضطراب نفسي، حيث أشارت الدراسات ان شخصا من كل أربع أشخاص معرض للاصابة باضطرابات نفسية، وذلك يعني ان الصحة النفسية تعنينا جميعا، وعليه يقتضي تخطي المقاربة التقليدية التي تعتبر ان الصحة النفسية هي تعني أقلية من المجتمع وان الشخص الذي يعاني من هذه الاضطرابات يقتضي إبعاده ووضعه في مؤسسة بعيدا عن المجتمع.


أخيرا، نحرص على التذكير بانه في العام 2015 أطلقت وزارة الصحة العامة الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية التي تهدف الى تحسين الرعاية الصحية النفسية في لبنان وتوفير خدمات مجتمعية شاملة عالية الجودة تتخطى العلاج الطبي وتعزز فرص عيش حياة مثمرة، وتعمل الوزارة حاليا مع كافة الشركاء على تطبيق هذه الاسراتيجية.
وبالتالي نناشد الجهات الرسمية، وعلى رأسها وزارة الاعلام وجميع وسائل الاعلام، لما لها من تأثير على الرأي والخطاب العامين، التعاون بهذا المجال من خلال تعميم ثقافة تحفظ حقوق وكرامة الاشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية وتصون خصوصيتهم وتحد من أشكال التمييز والوصم ضدهم والإبتعاد عن استعمال الصحة النفسية كأداة لسبق صحفي او استثارة مشاعر المشاهدين والقراء".