لا أعرف كيف أوحي إلى هذا المصطلح ولكنني متأكد من أن إنتاجه جاء عبر عملية قيصرية ألسنية، لأن المعاجم اللغوية عاقرة عن إنجاب هكذا مصطلح للتعبير عن الدولة - الأمة الروسية التي تختلف عن جميع الشعوب والأمم التي نعرفها على الأقل في تاريخنا المعاصر.
قبل سنوات سمعت من أستاذ جامعي لبناني وهو متخرج من إحدى الجامعات الروسية قبل ثلاثة عقود وأكثر عندما كان يريد وصف الشعب الروسي قائلًا: "الروس بدون قيصر".
تلك العبارة دفعتني إلى الوقوف والدراسة حتى أعرف لماذا يوجد هناك شعب يريد قيصرا بينما جميع الشعوب يكره القياصرة ويموت في سبيل القضاء عليهم، فضلًا عن أن علم السياسة تحول من علم الإدارة السياسية إلى أداة معرفية للوصول إلى الديمقراطية والديمقراطية أصبحت محورًا رئيسيًا لأي نشاط سياسي معترف به عالميًا.
إقرأ أيضًا: إيران ... فتيات شارع الثورة يطالبن بحق السفور
إن النظام السياسي في روسيا ليس ملكيًا وإنما هو النظام الجمهوري وهناك تداول للسلطة عبر صناديق الإقتراع ولكن الثقافة السياسية الروسية لا تتناسب مع الديمقراطيات المعروفة في العالم.
فالشعب الروسي بحاجة إلى قيصر، كما قال لي صديقي اللبناني ولو عبر صناديق الإقتراع، وبعبارة أوضح يطالب الشعب من رئيسه الذي ينتخبه عبر الإنتخابات أن يؤدي دور قياصرته التاريخية قلبًا وقالبًا.
القيصر الروسي كان هو القانون والمشرع والآمر والناهي والقاضي وجميع السلطات الأخرى لم تكن إلا أجنحة أو موظفين للبلاط.
إن نظرة عابرة إلى ربع القرن الأخير من تاريخ روسيا بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي تظهر لنا كيف أن الشعب الروسي ناضل ويناضل من أجل الديموكتاتورية ويقدس القيصر من رؤسائه وينسى الآخرين.
إقرأ أيضًا: إيرانيات يدخلن الملاعب بزي رجالي
ولا أحد يشكك في نزاهة الإنتخابات الرئاسية في روسيا وديموقراطية آلية الوصول إلى الكرملين، ولكن بنفس الوقت لا ينكر حتى الروس أنفسهم أن الديمقراطية الروسية تنتهي عند بوابة الكرملين وتذهب أدراج الرياح لتتجدد بعد أربع سنوات وهكذا دواليك.
ثقافة الشعب الروسي تتمحور حول الأرض واللغة الروسية والمسيحية الأرثوذكسية والثقافة الروسية ويغيب عنها التطلع إلى القيم الديمقراطية.
وبناء عليه، لا يعقل أن ينافس أحد فلاديمير بوتين في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، إنه ديكتاتور تتجدد رئاسته كل أربعة أعوام لولايتين متتاليتين، يخرقها بولاية يتيمة لغلامه مدفيديف، ويبقى القيصر رئيسًا للوزراء وهو يرأس الرئيس.
ستعقد الإنتخابات الرئاسية في روسيا في العام القادم وتقول السلطات الروسية أنهم يتخوفون من تغلغل الأميركيين للتأثير على نتائج الانتخابات، ولكن يبقى السؤال المركزي وهو هل يتمكن الأميركيون من التأثير على إنتخابات معقدة ديمكتاتورية؟