ليس من السّهل إحصاء عدد الأصدقاء المشتركين بين عون وبري. فمفكّرتي الرجلين تحمل المئات من أسمائهم، ومنهم من جهِد في أوقات سابقة لترتيب ذات البين بين الرجلين عقب توقيع وثيقة مار مخايل، ولمّا فشلوا في توسيعها على مستوى «الثنائي الشيعي»، إبتدع أحدهم صفة «حليف الحليف» عند الحديث عن العلاقة بينهما.
وعلى هذه الخلفية، يمكن فهم السباق الذي قام حول الأدوار التي لعبها الأصدقاء المشتركون. فقد كان عددٌ منهم يراهن على أدوار وسطاء آخرين يصنّفونهم في مواقع أعلى تأثيراً منهم، فكان دور بعضهم توجيه النصح الى قيادة «حزب الله» للتحرّك ووضع حدٍّ لِما يجري وصولاً الى مناشدة الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله ليقول كلمة الفصل في ما يجري. فيما راهن آخرون على دور تقوم به قيادة الجيش على خلفية التحذير من مخاطر التلاعب بالأمن والاستقرار.
لذلك، تركّزت التحذيرات على ضرورة عدم السماح بترك الشارع لمجموعات «غوغائية»، خصوصاً بعدما تحرّكت في مناطق حساسة متجاوزة الخطوط الحمر، ولا سيما عند تقاطع كنيسة مار مخايل برمزيّتها في العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، والتي فسّرت تحدياً للطرفين قبل ايام على ذكرى التفاهم.
وما زاد الطين بلة، إشارة بعض التقارير الى وجود عناصر حزبية ووجوه من «حزب الله» ظهروا في بعض المواقع الى جانب شبّان «أمل»، ما أوحَى بتضامن شعبي وحزبي شيعي لا يشكّل أيّ مفاجأة بالنسبة الى المراقبين العاديين. فمواقف الحزب الداعمة للحركة بعد انتقادات وزير الخارجية جبران باسيل الجارحة لرئيس مجلس النواب، كانت معلنة وقد تبلّغها الجميع بوضوح وصراحة.
ولكن كان للبعض رأي آخر في مضمون هذه التقارير، وتحديداً عندما تأسّس عليها الحديث عمّا سيمثّله بري في الشارع الشيعي، فيما البحث جار بين الطرفين على وضع اللمسات الأخيرة على تقاسم المقاعد النيابية الشيعية في أجواء تنافسية بقيت أصداؤها ضمن الجدران الأربعة على مقعدين او ثلاثة، بعدما تلاقى الطرفان على ضرورة حصر التمثيل بهما بشكل لا يترك منفذاً ليتسرّب واحد منها الى أيّ شخصية أخرى.
إلى ذلك، كان هناك فريق آخر من الأصدقاء المشتركين يعمل في السياسية ومعظمهم لم يكن يملك صفة أو دورا سريا. فقد تحرّك المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مكوكياً بين عين التينة وقصر بعبدا ومواقع أخرى، فيما كان آخرون يعملون على خط الإتصالات السياسية وتنظيم المواقف وتفسير البيانات التي صدرت عن طرفي الأزمة وتحركاتهما.
فانشغل بعضهم بتطويق ذيول الحملات الإعلامية بعدما شكا رئيس الجمهورية من مقدمات الـ«OTV» التي أساءت في بعض جوانبها الى معركة تيارها قبل إلحاق الغلبة بالطرف الآخر، الى أن اضطرّ رئيس الجمهورية الى التدخّل في اكثر من مرة للجم بعض «الرؤوس الحامية»، باعتراف اهل البيت قبل الغرباء عنه.
ولقد أراد رئيس الجمهورية، من خلال البيان الذي اصدره يوم الثلثاء الماضي، وضع حدٍّ لفوضى المواقف وتهدئة الأجواء تمهيداً للانتقال الى مرحلة التهدئة الفعلية. فبوجود بعض اصدقاء الطرفين في قصر بعبدا، وفي ضوء ما حققته بعض الوساطات، كان رئيس الجمهورية يصوغ بياناً يترجم موقفاً ما لا بدّ منه للجم الوضع ووضح حدٍّ للحرج الذي تَسبّب به موقف باسيل، وتطويق تحرّكات الشارع ووَقفها فوراً.
وعلى وَقع الفشل بتوفير مخرج للأزمة وسقوط اقتراح لأحد الوسطاء، دعا عون الى أن يبادر من موقعه الأبوي والدستوري باعتباره «بي الكل» الى «خطوة ما»، إبتدَع ضيفه - الوسيط الوزير السابق جوزف الهاشم صيغة «انّ ما حصل على الارض خطأ كبير بُني على خطأ»، فأضيفت الى قرار رئيس الجمهورية بمسامحة «جميع الذين تعرّضوا إليّ والى عائلتي» وتطلّعه الى «أن يَتسامح أيضاً الذين أساؤوا الى بعضهم البعض».
وأمام عدم تأدية البيان الهدف الذي أراده رئيس الجمهورية، ظهر أن برّي رفض مضمونه عندما ساوى بين ما حدث على الأرض وما تسبّب به كلام باسيل من إهانة له. ويروى أنّ الوزير السابق جوزف الهاشم، الذي اتّصل ببرّي لتقويم الموقف بعد البيان، إضطرّ في مجرى الحديث أن يُفسّر مضمونه، كاشفاً أنّ المقطع الخاص الذي تحدّث عن «خطأ كبير بُني على خطأ» كان من اقتراحه. فأجابه برّي: «الله يعطيك العافية... وبرافو عليك».
وأضاف بما معناه: «إنّ هذه المعادلة مرفوضة». فردّ عليه الهاشم شارحاً الظروف الصعبة، ومتمنياً القبول بما تم التوصّل اليه والبناء عليه إيجاباً، مذكّراً إيّاه بقول للإمام علي بن ابي طالب الذي قال لأصحابه في ساعة حرج: «إنْ عُرِضَ عَليكم سَبِّي فسبُّوني».
وبعدما تجاوزت الأحداث الأمنية المعالجات المطروحة، جاءت أحداث بلدة الحدث بعد تصريحات الوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لتزيد من حال الحرج، لكنها في الوقت عينه شكّلت مناسبة ليستفيد منها الجميع، وكانت قد استوَت فكرة أن يُبادر رئيس الجمهورية ويستوعب ما فعله باسيل، فاتصل ببرّي وكان ما كان.
ولا بدّ من التوقف عند اختيار السادس من شباط موعداً للقاء بعبدا الذي دعا اليه عون كلّاً من بري والحريري، في محاولة لتصفية ذيول ما حصل وفتح صفحة جديدة تمهيداً لمعالجة ما تَسبّبت به مواقف باسيل وعباراته. وعليه، فقد تعدَّدت القراءات للموعد، ومنهم من قال انّ الموعد مقصود في توقيته، فعون يريد أن يلبس هذا التاريخ حلّة جديدة يجمع فيه برّي والحريري ويُنهي ما بينهما من إشكالات.
علماً أنّ رابعهما سيكون «حزب الله» الذي سيكون حاضراً في «الكلام فقط بلا الجسد»، وربما قَصد عون التشديد على أهمية أن يتمسّك الجميع بنتائج لقاء «6 شباط 2006»، والدعوة الصريحة الى نسيان أحداث «6 شباط 1984».