فكل المؤشرات تدل على أنّ «حزب الله» مصمّمٌ على تفويت الفرصة على مَن يرون في الانتخابات وفق القانون الحالي، بدايةً لقلب موازين القوى بالقدرة الانتخابية لمصلحة الحزب وحلفائه، ومن أجل هذا التصميم، الذي عبّر عنه نائب الامين العام للحزب نعيم قاسم، خطا الحزبُ خطواتٍ محدّدة، في اتّجاه الحلفاء والخصوم يُفهم منها الإصرار على الانتخابات في موعدها.
ومن هنا جاء رفضه الحاسم تعديل القانون الانتخابي الذي طرحه الوزير جبران باسيل، والذي لو حصل لكان أعاد النقاش في القانون الى المربّع الأول، رسالةً مباشرة لا تحمل توقيع الرئيس نبيه بري، بل الحزب، الذي خشي أن يكون باسيل متقاطعاً مع قوى اخرى داخلية وخارجية، لفرض التعديل كأمرٍ واقع يقود الى التمديد، على رغم أنّ التمديد لن يكون في مصلحة العهد، بل في مصلحة مَن يخشون النتائج وإعادة تحديد الأحجام، ومنهم «التيار الوطني الحر» الذي افتقد الجهوزية بفعل عوامل تتعلّق بالخلافات الداخلية بين أجنحته المتناقضة.
وتكشف معلومات أنّ الحزب فوتح بأمر التمديد للمجلس النيابي، من قوى مشاركة في السلطة، وتراوحت المبرّرات بين اعتبار أنّ هذا المجلس بتركيبته الحالية الذي انتخب الرئيس ميشال عون ويتحكّم الحزب بالقدرة على تعطيله ساعة يشاء (كما حصل اثناء الفراغ الرئاسي وأزمة شهود الزور) يمكن أن يبقى صالحاً لفترة انتقالية أُخرى، لا تشكّل أيَّ إخلال بالمعادلة الحالية، لكنّ «حزب الله» رفض التمديد لحسابات تتّصل بتأكّده من أنه سينتقل وحلفاءه للمرة الأولى منذ العام 2005 الى امتلاك شرعية الغالبية النيابية، في ظرفٍ يشكّل بالنسبة اليه فرصة تاريخية، للإجهاز على ما تبقّى من مرحلة 14 آذار، حيث سيكون له وزنٌ نيابي يتجاوز الخمسين نائباً، تضاف اليهم كتل «التيار الوطني الحر» والنائب وليد جنبلاط، وتيار «المستقبل» المنخرط في التسوية وغير القادر على الوقوف عند مسافة ولو ضئيلة منها.
وتشير المعلومات الى سببين كانا وراء مسارعة «حزب الله» الى إطفاء الحريق بين عون وبري: الأول، يتّصل برسم حدود للخلاف لكي لا يتجاوز الحدَّ المقبول، ولا يعرّض التحالفات للخطر.
والثاني، يتّصل بالانتخابات النيابية، وضرورة أن لا يهدّد هذا الاشتباك موعدها والقانون الذي ستُجرى على اساسه، وترجمت مساعي الحزب في إدارة بري للأزمة الذي حاذر تعطيل عمل الحكومة التي ستدير الانتخابات، فالحرص على الحكومة لم يكن حرصاً على عهد عون بل على عدم تقديم هدية مجانية للساعين الى التمديد للمجلس النيابي ومنهم بعض حلفائه.
في جردة الأرباح والخسائر التي نتجت عن جولة الملاكمة بين حليفين لـ«حزب الله»، يمكن سرد الكثير، فالوزير جبران باسيل ربح في تدعيم موقعه السياسي وشرعيّته المسيحية، أما الرئيس بري فخسر جزءاً من صورته كرئيس للمجلس النيابي، لكنه نجح في محاصرة عهد عون الذي يمكن القول إنه خرج بخسارة كبيرة، ودفع أثماناً كان يُفترض بباسيل أن يدفعها شخصياً، لا أن تدفعها الرئاسة وهيبتها.
أما «حزب الله» فعلى رغم الإرباك في التعامل مع الموقف، فهو سائر الى نسف مرحلة ما بعد العام 2005 ببعدها الما فوق إنتخابي. تلك المرحلة التي بدأت من «لقاء قرنة شهوان» وامتدّت الى «لقاءات البريستول» واغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتظاهرة 14 آذار، والتي شهدت إزالة الحواجز النفسيّة والتاريخية بين فئات كبيرة من اللبنانيين، فيما يُعاد اليوم تكريس هذه الحواجز على يد حلفاءٍ يتواجهون شكلاً، وعينُهم على ما يحققونه من مردود على ضفتي المتحف والبربير.
كان سمير فرنجية، وهو أحد صانعي «معجزة» السلام اللبناني في 14 آذار، مارّاً بسيارته المرسيدس العتيقة السوداء، بعد اغتيال الحريري على طريق الشمال، توقّف الى جانب الطريق ليشتري «قنينة» ماء من دكانٍ تملكه امرأةٌ مسيحية، فرأى صورةً للشهيد رفيق الحريري علّقتها المرأة في صدر المحل، فسألها: لماذا علّقتِ صورة الحريري؟ فأجابت: «اغتيل كثيرٌ من الزعماء وبعد كل اغتيال كانت تحصل مجزرة ومزيد من الانقسام، ونظرت الى الصورة وقالت: «إغتيال هذا الرجل وحّد لبنان».
في معظم اجتماعاته السياسية ومجالسه كان فرنجية يروي ما علّمته إياه هذه المرأة، فما عساه يقول اليوم لو كان ما زال على قيد الحياة وشاهد الحواجز والخناجر من ميرنا الشالوحي الى الحدث، ومَن فرّطوا بما بُني في 14 آذار 2005؟