عادت الأزمة إلى «الداخل» بعدما فعلت فعلها في الشوارع، لكن لقاء المصالحة الذي عقد في بلدية الحدث، على اهمية ما قيل فيه، أبقى النزاع مربوطاً مع وزير الخارجية جبران باسيل، الذي اكتفى بمخاطبة مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي عقد في ابيدجان عبر الشاشة.
وعليه، تحرّكت المساعي لاستئناف جلسات مجلس الوزراء، بدءاً من الأسبوع الطالع، بعد اجتماع مجلس الدفاع الأعلى الثلاثاء في بعبدا، بمشاركة الرئيس نبيه برّي.. مع العلم ان مهلة إقرار موازنة العام 2018 مرّت وعاد لبنان للانفاق على القاعدة «الاثني عشرية».
تساؤلات محيرة
والأسئلة التي يمكن ان تطرح وبينها، إذا كان منطق الحكمة والحوار قد انتصر على الفتنة، وانفرجت بالتالي العلاقات بين الرؤساء، ولا سيما بين الرئاستين الأولى والثانية، وتجاوزت البلاد ثلاثة أرباع الإشكالية السياسية التي وقعت فيها في الأيام الماضية، عبر تعبير النائب وائل أبو فاعور الذي اوفده النائب وليد جنبلاط إلى الرئيس نبيه برّي، فأين الربع الباقي من الإشكالية، والذي يتصل اساساً بأزمة مرسوم ضباط دورة العام 1994، وتوالدت منها كل الأزمات اللاحقة على مدى الشهرين الماضيين من خلافات حول توقيع وزير المال على المرسوم، وحول الدستور والقانون والطائف، وصولاً إلى «الفيديو» المسرب الذي فجر عاصفة الوزير جبران باسيل؟
وهل كان الأمر يحتاج إلى تهديدات إسرائيلية بمنع لبنان من استغلال موارده النفطية في البلوك 9، لتصويب البوصلة الوطنية باتجاه مواجهة هذه التهديدات، حيث أسهمت المواقف الموحدة للرؤساء الثلاثة في إنهاء ذيول الإساءة التي وجهها الوزير باسيل إلى الرئيس برّي، وما تبعها من ردود فعل في الشارع أججت العصبيات السياسية والطائفية وكادت تطيح بالاستقرار الوطني العام؟
هذه التساؤلات وغيرها كثير تنم عن قلق ما يزال يتفاعل في الأوساط السياسية، بأن ربط النزاع الذي أرساه اتصال الرئيس عون بالرئيس برّي، سحب فتيل الفتنة من الشارع، وأعاد الأمور إلى ما يشبه نصابها في العلاقات بين الرئاسات، لكن القضايا السياسية والاساسية، والتي انفجرت خلال الشهرين الماضيين ما تزال قائمة، وتحتاج إلى نقاش وتذليل داخل المؤسسات، كما ان الإشارات التي صدرت عن الوزير باسيل، في حق الرئيس برّي، على هامش مؤتمر الطاقة الاغترابية في ابيدجان، لا تنم عن انفراج في العلاقات بين الرجلين، فضلاً عن الاتهام الذي وجهه إلى «حزب الله» بأنه لم يتعاون في بناء الدولة مع «التيار الوطني الحر»، بحسب تفاهم مارمخايل، والذي من شأنه ان يزيد الشرخ بينه وبين الثنائي الشيعي.
الظاهر من الأجواء السياسية الإيجابية، التي عاشتها البلاد أمس، ان الرئيس عون مطمئن إلى انه تمّ أخذ العبرة من الحوادث الأخيرة، وان الأمور عادت إلى ما كانت عليه وتمت تسوية الأوضاع، بحسب ما أبلغ زواره، داعياً اياهم إلى اكمال المسيرة بثقة لأن على الوطن ان يبقى وان يكون صلباً، وعلى المؤسسات ان تكون مركزاً لحل المشاكل.
وحرصت مصادر سياسية مطلعة على التأكيد لـ«اللواء» ان الأجواء إيجابية بعد المبادرة الرئاسية، إنما العين ما تزال شاخصة إلى لقاء الرؤساء الثلاثة في بعبدا الثلاثاء، لافتة إلى ان ما من جدول محدد بمواضيع البحث، وقد يكون كل شيء مفتوحاً، غير ان التهديدات الإسرائيلية تبقى في مقدمة المواضيع.
ولم تشأ المصادر جزم الاستجابة من دعوة الرئيس سعد الحريري الحكومة إلى الانعقاد، تاركة الأمر لوقته، مع العلم ان ثلاثاء الرؤساء قد يكون البوصلة في تحديد التوجه.
وعلم ان اجتماع المجلس الأعلى للدفاع سينعقد يوم الأربعاء المقبل، وعنوانه التهديدات الإسرائيلية.
كما علم ان سلسلة اتصالات وردت إلى قصر بعبدا مثنية على المبادرة الرئاسية.
الحريري في «البيال»
ولم تغب وقائع ما حصل في الأيام الماضية، عن كلمة الرئيس الحريري التي ألقاها بعد ظهر أمس خلال الاحتفال الذي نظمه تيّار «المستقبل» في ختام دورة بناء المهارات في مجمع «بيال»، وحملت بدورها إشارات ورسائل انتقاد للجميع، حيث اعتبر ما حصل بأنه «درس للجميع، درس ان الكلام العالي فوق السطوح لا يصنع حلاً، بل يخلق تشنجاً سياسياً، ودرس ان استخدام السلاح لبت الخلافات السياسية لا يخلق الا فتنة، ودرس أيضاً ان النزول إلى الشارع واقفال الطرقات وحرق الدواليب لا يوصل لنتيجة».
ورأى ان «كرامة البلد أهم من كرامة الأشخاص والأحزاب، وان البلد الجميل يستحق منا ان نتنازل له، وندع المؤسسات والقانون والدولة ان تكون هي الحكم، وغير ذلك نذهب جميعاً إلى الفوضى ويصبح الفلتان في الشارع هو الحكم بين النّاس.
لكنه، رغم كل ما حصل، قال: «الحمد لله ان صوت العقل والحكمة تغلب بالأمس، على صوت الدراجات النارية، وعطل في الوقت المناسب مشكلاً كان يمكن ان ينقل البلد لمكان آخر».
وقال: «ما نراه في هذه الأيام يتطلب من الجميع ان يفعلوا مثلما فعلتم، ان يعملوا على بناء المهارات واحترام الكرامات وعدم الإساءة لأحد، والترفع عن الصغائر ومنع الأخطاء، والابتعاد عن لعبة الشارع والفوضى وتغليب مصلحة لبنان على أي مصلحة شخصية أو حزبية أو انتخابية، مشيراً إلى ان اللبنانيين لن يقبلوا بعد الآن أن يكون بلدهم معلقاً على كلمة من هنا وردة فعل من هناك، ما يريدون هم ونريده نحن هو ان يستعيدوا الثقة بدولتهم وبأمنهم واستقرارهم وليس ان يستعيدوا ذكريات الأيام السوداء المعلونة».
وختم متوجهاً إلى رفاقه في التيار قائلاً: «الكل ينتظرنا «عالكوع»، وليست لديهم لا شغلة ولا عملة الا تيّار «المستقبل»، دعونا لا نضيع البوصلة، ولا نتلهى بالقيل والقال، خصوصا الآن في موسم الانتخابات، موسم الأحلام والطموحات والصراعات والزكزكات الشخصية، ولماذا هو ولماذا هي ولماذا لست أنا؟ دعونا نستعد لـ 6 أيّار، حتى نحتفل معا في 7 أيّار بانتصار جديد لرفيق الحريري ومدرسة رفيق الحريري ونكمل معا مسيرة رفيق الحريري».
سقطة باسيل الثانية
وكانت مفاجأة امس عدم حضور الوزير باسيل افتتاح مؤتمر الطاقات الاغترابية للقارة الافريقية المنعقد في ساحل العاج، واطل على المؤتمرين عبر الشاشة بكلمة قال فيها: «أعتذر منكم لعدم حضوري اليوم المؤتمر الإقليمي الثاني لقارة إفريقيا والثامن على مستوى العالم، والغياب هو لخشيتي من تعرض مؤتمرنا للأذى نتيجة أعمال تخريبية قد تقع وفق المعلومات التي ترد الينا، والخشية ليست من التعرض لسلامتي الشخصية، وهو أمر أنا معتاد عليه، بل على أشخاصكم، وهو ما لا أرضى أن يسببه وجودي لكم.
ورجحت مصادرمطلعة ان يكون باسيل قداطل من باريس عبر الشاشة، معتبرة انه اذا كان في باريس فعلا فقد فضّل عدم حصول اي إشكال اضافي مع انصار «حركة امل» في المؤتمر يعيد توتير الاجواء في لبنان، وانه بذلك يساهم في تكريس اجواء التهدئة.
 لكن مصادر حركة «امل « افادت من ابيدجان، ان باسيل وصل فعلا الى هناك لكنه لم يحضر المؤتمر بسبب الحضور الهزيل المشارك في المؤتمر.
 واشارت مصادرسياسية متابعة انه اذا كانت العلاقات الرئاسية قدعادت الى مجراها تقريباً بعداتصال الرئيس عون بالرئيس بري، فإن العلاقة مع الوزير باسيل لازالت غير محسومة والخلاف لازال قائماً بينه وبين «امل».
وتزامن موقف باسيل في ابيدجان، مع كلام نقل على لسانه في مجلة «الماغازين» الناطقة باللغة الفرنسية، اعتبر فيه ان حزب الله يأخذ خيارات في الموضوع الداخلي لا تخدم مصالح الدولة اللبنانية، مذكرا انه في وثيقة التفاهم مع الحزب هناك بند أساسي يتعلق ببناء الدولة، لكن لسوء الحظ هذه النقطة لم تطبق بحجة الاعتبارات الاستراتيجية.
ونفى باسيل لاحقا هذا الكلام معتبرا انه كان مجتزأ ومحرفاً، لكن رئيس تحرير المجلة الزميل بول خليفة أوضح عبر صفحته على «الفايسبوك» ان مقابلة باسيل نشرت حرفيا وغير محرفة أو مجتزأة، وأعاد نشر النص الحرفي للمقابلة، مؤكدا ان كلامه واضح ولا يحتمل اخراجه من سياقه.
لقاء الحدث
اما اللقاء التضامني الموسع الذي انعقد صباح أمس في بلدية الحدث، وضم نوابا ومسؤولين في حركة «امل» وحزب الله والتيار الوطني الحر وفعاليات من منطقة الضاحية الجنوبية بشقيها الجنوبي والشرقي، فقد جاء تتويجا عمليا للخطوات السياسية على صعيد الرؤساء وتحصينا للوحدة الوطنية والعيش المشترك، بعد ان كادت ردود الفعل في الشارع ان تطيح بالاستقرار وتنذر بفتنة.
 وقال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمار الذي حضر لقاء الحدث لـ«اللواء»: لن نتكلم كثيرا بل سندع الوقت للعمل، ونكتفي بما انجزناه الان على الارض، وهناك خطوات مقبلة ان شاء الله استكمالا لخطوة لتثبيت الاستقرار والوحدة الوطنية».
وقالت مصادر نيابية شاركت في اللقاء ان ما جرى من احداث على الارض اصبح وراءنا وتجاوزته القوى السياسية والارادة الشعبية، والوضع الان افضل بكثير مما كان قبل يومين، والنَفَسْ الذي ساد اللقاء كان عفويا وليس مفتعلا ومصطنعا، عبرت عنه الكلمات التي القيت، وهناك ارادة كبيرة لحل مشكل كبير كاد يترك انعكاساته على الوضع الوطني العام.
 واكدت المصادر ان العمل السياسي قائم لتثبيت الاستقرار وسيُترجَم اكثر يوم الثلاثاء في لقاء الرؤساء عون وبري والحريري، ببات بينما الجانب الامني بات بيد الجيش لقمع اي إخلال بالامن والاستقرار والوحدة الوطنية من اي جهة. ولديه كل الصلاحية لاتخاذ اي اجراء يراه مناسبا، خاصة ان لا غطاء سياسيا على المخلين.
الحملات الانتخابية
انتخابياً، أعلنت هيئة الاشراف على الانتخابات ان الحملات الانتخابية تبدأ بدأت فتح باب الترشيحات.
ويطلق حزب الكتائب حملته الانتخابية غداً الأحد في الفورم دو بيروت، وهو وجه الدعوات للمحازبين ولوسائل الإعلام، والمعركة المقبلة ستكون تحت عنوان «نبض الجمهورية».
وكان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أطلق أمس الماكينة الانتخابية لحزب الله في منطقة الجنوب - 2، معتبرا ان ما نشهده في الحدث مشهد جامع، وهو شوكة في عيون كل من حاول احداث شرخ. وقال قاسم: موتوا بغيظكم فتحالفاتنا قائمة ومستمرة ولا تهزها بعض المشاكل التي يُمكن معالجتها.
على صعيد الضغوطات الأميركية على حزب الله، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ستة افراد وسبع شركات مرتبطة برجل الاعمال اللبناني أدهم طباجة الذي يشتبه بانه يمول حزب الله كما اعلن البيت الابيض أمس. وتعتقد السلطات الاميركية ان رجل الاعمال اللبناني هو احد ابرز خمسة ممولين للحزب وتمتد شبكة علاقاته في انحاء الشرق الاوسط وافريقيا. وقال مسؤول كبير في الادارة الاميركية رافضا الكشف عن اسمه «سيكون يوما سيئا جدا» لطباجة. والعقوبات تستهدف مسؤولين يعملون لديه وشركات في لبنان وسيراليون وغانا وبينها حظر تجاري وتجميد اصولهم. وتعتبر هذه العقوبات الاولى ضمن «موجة» من العقوبات تستهدف حزب الله بعد اجراء ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب مراجعة لسياستها.
والمستهدفون بالعقوبات التي تسابق التهديدات الإسرائيلية حول البلوك 9 وغيره:
- جهاد محمد قانصو (لبناني من مواليد 10 فبراير/شباط 1966. يحمل جوازي سفر، واحد لبناني وآخر من فنزويلا).
- علي محمد قانصو (لبناني مقيم بين بيروت وسيرا ليون. من مواليد 1 اكتوبر/تشرين الأول 1967).
- عصام أحمد سعد (لبناني من مواليد 19 اكتوبر/تشرين الأول 1964).
- نبيل محمود عساف (لبناني من موليد 11 سبتمبر/ايلول 1964).
- عبداللطيف سعد (لبناني مقيم في العراق. من مواليد 10 اغسطس/اب 1958).
-محمد بدرالدين (لبناني مقيم في العراق. من مواليد 12 اكتوبر/تشرين الأول 1958).
وقد تم فرض عقوبات أميركية عليهم «لعملهم لصالح عضو وممول حزب الله أدهم طباجة، أو لصالح شركته «الإنماء» للهندسة والمقاولات».
كما شملت العقوبات الشركات التالية: Blue Lagoon Group LTD (مركزها في سيراليون)، وKanso Fishing Agency Limited (مركزها في سيراليون)، وStar Trade Ghana Limited (مركزها في غانا)، وDolphin Trading Company Limited (مركزها في ليبيريا)، وSky Trade Company (ليبيريا)، وGolden Fish Liberia (ليبيريا)، وGolden Fish S.A.L، وهي شركة «عابرة للبحار» لكن مركزها في لبنان. وهذه الشركات مملوكة أو مسيّرة من علي محمد قانصو.