ربح الرئيس نبيه بري المعركة الإنتخابية قبل إجرائها وفرض دور ما يمثل بقوّة الشارع الذي تتحرك دون إذن مسبق كونه المعني في ما تؤول اليه السياسة من تحالفات وخصومات ومن أحوال في مرحلة يعاد فيها رسم أدوار جديدة لقوى كانت نائمة بفعل فشلها في الممارسة السياسية أو في تجربة الحكم وخاصة تلك التي دخلت السياسة من بوابة الحروب المتنقلة وزرعت رعبها في كل حيّ وبيت وشارع فحصدت الأبرياء وقتلت من الآمنيين مقتلاً كبيراً بعد أن رفعت شعارات كثيفة من الإلغاء لهذه الجهة أو تلك.
لا جهة في لبنان لا سجل لها من السياسة الى العسكر وبناءً عليه يحكم اللبنانيون على نظافتها في الأدوار التي لعبتها عندما كانت تحت الضوء وخرجت منه بفعل أسباب أو عندما عادت الى الدائرة الضوئية بموجب أسباب أيضاً فذلك لا يُلغي من اعتبارها جهة مجربة يجب محاكمتها عندما تدّعي ما يبرأ تاريخها الأسود وهذا هو عيب القوى التي تحكم وتحاكم من قبيل أنها من شرفاء مكّة ولا شائبة في سجلها وتتهم الآخرين بالفسادين السياسي والمالي وبمفاسد أخرى.
إقرأ ايضًا: حزب الله - باسيل والمفاهيم الملتبسة
لم تكن الحوادث الأخيرة مجرد فعل وردّ فعل كما يتقول البعض لترقيع الخلاف الذي نشب وسينشب بإستمرار طالما أن هناك دواع له، خاصة وأن بنية السلطة قد أنيطت لجهة غير مُدربة ومتجاوزة لشروط ومواصفات وكفاءات القيادة وقد تمّ تلزيم جزء من السلطة السياسية إلى أشخاص أصغر من المسؤولية لذا يتعثرون دائماً في خطواتهم وتأتي المرجعيات لا لتحاسب بل لتغطي وتترك للشوارع أن تكنس على طريقتها الخطوات المتعثرة.
إن التعاطي مع السلطة باعتبارها عائلة مكونة من أفرادها فقط سيبقي الحال على ما هو عليه وسيدفع الى المزيد من الأزمات فالسلطة ليست مشروعاً عائلياً أو حزبياً ولا هي مناط طائفة هي مساحة تفاعل للقوى السياسية والإجتماعية والبقاء على استعمالها واستخدامها كوسيلة مملوكة لأفراد سيعطل من دورها وسيبقيها مجالاً مفتوحاً للخلافات عليها وهذا ما سيسبب الكوارث الكبيرة وما كارثة التصريح الاً هزّة خفيفة لم يستطتع لبنان تحملها فكيف سيتحمل الهزات الكبيرة؟
إقرأ أيضًا: بري دولة الدولة
لا نستطيع أن نشكر العدو على وجوده لأننا نؤمن بأنه لقيط غير شرعي لكن يبدو أنه ضرورة عربية استخدم في الماضي لصالح الأنظمة كيّ تبقى وتستمر واستخدم سابقاً ويُستخدم اليوم لتحميله مسؤوليات الاختلافات القائمة فبات هناك مؤامرة خارجية وداخلية رعت بشكل أو بآخر الأخطاء الواردة في الخلاف الناشب، حمداً لنفط نأمل أن يكون على أيامنا وتباً لعدونا وعدو ثرواتنا الذي فرض علينا طيّ الخلافات لننتبه له وكل على هواه.
لم تكن مجرد أزمّة وعدّت أو غيمة صيف عابرة كما يقول أهل الدبلومسية المزيفة مادامت مبرراتها وأسبابها موجودة وما دامت الدوافع الإنتخابية قائمة ومادامت السلطة في جزء منها بأيدي من لا يستحقها لذا لا نعوّل كثيراً على المصفقين عندما يُطلب منهم التصفيق ولا على المحرضين عندما يطلب منهم التحريض ولكن نعوّل على سياسات حكيمة لا تستخدم السلطة ضدّ من لا سند له بعد أن تبيّن استحالة ذلك على من لهم السند والعضد وأن تترك مجالات العنف السياسي وغير السياسي وأن يتسع فضاؤها ليشمل اللبنانيين جميعاً حتى لا يتحزب الناس لطوائفهم كيّ تحميهم من بطش السياسة وهذا دور إنقاذي يبني وطناً بمواصفات وطنية لا مزرعة بمواصفات طائفية.
ربح دولة الرئيس بري ركون السلطة اليه بعد أن ظنّ الكثيرون أن باستطاعتهم أن يخيطوا بغير مسلة الرئيس فأكدّ للقاصي والداني أنه بري ولحمه لا يؤكل.