قبل نحو أسبوعين، تحديداً عند الخامسة من فجر الثلاثاء الموافق 23 كانون الثاني، أيقظت شرطية إسرائيلية الفتاة غادة إبراهيم (14 سنة) من نومها في زنزانتها الانفرادية في سجن في مدينة القدس المحتلة، و «سحبتها» إلى حافلة صغيرة بيضاء اللون، قبل أن ينطلق السائق إلى حاجز قلنديا العسكري الإسرائيلي، والذي يفصل المدينة المقدسة ويعزلها عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية.
توقفت الحافلة نحو ثلاث ساعات، ثم أخبر رجال الشرطة الفتاة بأنهم سينقلونها إلى قطاع غزة. وصلت الحافلة إلى معبر بيت حانون «إيرز» عند نحو العاشرة صباحاً، فسلّم رجال الشرطة الطفلة المصدومة المذهولة إلى جنود الاحتلال في الحاجز، الذين بدورهم أمروها بدخول أراضي القطاع.
لم تدرِ ماذا تفعل، وإلى أين تذهب، فلم تكن قد وطأت قدماها أرض غزة في السابق، ولا تعرف أحداً فيها. فوجئ أحد رجال الأمن الوطني الفلسطيني بوصولها، فأخبرت الموظفين في المعبر بما جرى معها، وأخذها موظف شهمٌ إلى منزله لتقيم مع أفراد عائلته، إلى أن جاء عمّها في اليوم التالي، واصطحبها إلى بيته.
هذه «الجريمة» وقعت قبل نحو عشرة أيام، وتمت بصمتٍ مريب، فالفتاة قاصر، ويتم ترحيلها قسراً من مكان إقامتها في الضفة إلى قطاع غزة من دون موافقتها أو موافقة والديها أو حتى معرفتهم، ومن دون أن يكون أحدٌ بانتظارها في الطرف الآخر، بل تُترك وحيدة أمام الجهة الفلسطينية من المعبر. والأدهى أن هذه «الجريمة» بقيت طي الكتمان إلى أن كشفها «مركز الدفاع عن الفرد» («هموكيد») الإسرائيلي، فأثارت جلبة وضجة أجبرت سلطات الاحتلال على إعادة الفتاة إلى ذويها مساء أمس.
وروَت غادة، المولودة في بلدة الرام القريبة من القدس لأب غزيّ، في «إفادة» لمركز «الميزان» لحقوق الإنسان حصلت عليها «الحياة»، أنها كانت عائدة عصر الأحد الموافق 21 الشهر الماضي إلى منزلها بعد أن زارت بيت خالتها في العيسوية، أحد أحياء المدينة المقدسة، عندما أوقف جنود الاحتلال الحافلة على أحد الحواجز.
سألها الجنود عن بطاقة هويتها، فأجابتهم أنها تحت السن القانونية ولا تملك بطاقة، فاعتقلوها ووضعوها في زنزانة انفرادية في مركز للشرطة في القدس. وبعد الفحص، تبيّن أن والدها مولود في غزة، فأجابتهم بأنه يعيش في الرام منذ 20 عاماً، وأنها ولدت في هذه البلدة، إلا أن الشرطة قررت تقديمها إلى المحاكمة.
في اليوم التالي، أخبرها القاضي أنها ستعود إلى منزل أهلها، وأنه فرض على عائلتها غرامة مالية قدرها 1500 شيقل، قبل أن تُعاد إلى زنزانتها. غداة ذلك، فوجئت برجال الشرطة يرحّلونها قسراً إلى القطاع بدلاً من إعادتها إلى والديها، في انتهاك جسيم للقانون الإنساني الدولي والمواثيق والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وقال عمها قمر إبراهيم لـ «الحياة» إنه تلقى اتصالاً من شقيقه رامي، والد غادة، أبلغه فيه بأن سلطات الاحتلال نقلتها قسراً إلى حاجز «إيرز». وأكد عمها مساء أمس أنها «الآن في طريقها إلى الرام».
واستنكر مركز «الميزان» «استمرار الانتهاكات الإسرائيلية المنظمة بحق الأطفال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً اعتقالهم واحتجازهم تعسفياً، واستمرار سياسة النقل الجبري وفصل الأطفال عن والديهم، ونقلهم بالقوة والإكراه بعيداً من مناطق سكنهم، مثلما حدث مع الفتاة غادة».
ووصف منسق البحث الميداني في المركز يامن المدهون نقل غادة إلى القطاع من دون معرفة والديها بأنه «جريمة جديدة من جرائم النقل الجبري». وقال لـ «الحياة» إن «ما قامت به سلطات الاحتلال يمثل انتهاكاً خطيراً لاتفاق حقوق الطفل الذي ينص في الفقرة ١ من المادتين ٩ و١٠، على واجب الدولة اتخاذ التدابير كافة لضمان جمع الأطفال بأسرهم». وشدد على أن «عمليات النقل الجبري التي تمارس بشكل منظم بحق المدنيين الفلسطينيين، تُشكل إحدى الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة، خصوصاً المادة ٤٩، إضافة إلى انتهاكها روح الاتفاقية التي تؤكد ضرورة العمل على جمع شمل الطفل بوالديه إذا كانا معتقليْن داخل السجن».