الانتخابات التي ترمز عادة للسلم والاستقرار، وللرخاء والازدهار في بعض البلدان، قد تحمل في العراق معاني عكسية تماما، حين يتعلّق الأمر بالنازحين الذين فرّوا من ديارهم في ظروف عصيبة، وقد يكون مطلوبا منهم العودة إليها على عجل خلال الأشهر القادمة دون أن يكون تغيّر الكثير من تلك الظروف، لا لشيء إلاّ لإدراك موعد الانتخابات والمشاركة فيها وإنجاحها تحقيقا لمصالح الأحزاب والقوى السياسية
 

- قفزت قضية النازحين في العراق إلى صدارة الاهتمام، لا بسبب بعدها الإنساني، لكن على خلفية ارتباطها بقضية الانتخابات القادمة التي تمثّل لقوى سياسية، لا سيما تلك الممسكة بزمام السلطة، مسألة حيوية لمواصلة قيادة البلد وجني المكاسب السياسية والمادية من وراء ذلك.

وحُسم الجدل في العراق بشأن موعد الانتخابات بعد أن أقرّ البرلمان يوم الثاني عشر من مايو القادم موعدا نهائيا، ما سيسلّط ضغطا شديدا على مئات آلاف من النازحين الذين سيكون مطلوبا منهم العودة لمناطقهم بغض النظر عن الظروف التي سيواجهونها في تلك المناطق المدمرة، ليساهموا في إنجاح الاستحقاق الذي يعني للقوى السياسية شيعية وسنيّة، ضمان حصّة في السلطة.

ويدور حديث عن أن أحزابا سياسية تعمل، منذ فترة، على إعادة النازحين قسرا إلى مناطقهم، رغم عدم تأهيلها لاستقبالهم، حتى يصوّتوا لصالح مرشحي تلك الأحزاب في الانتخابات.

وسعت كتل سُنية وكردية في البرلمان العراقي إلى تأجيل الانتخابات ستة أشهر، لإتاحة الفرصة أمام عودة النازحين إلى منازلهم، وضمان قدرتهم على الإدلاء بأصواتهم.

لكن أكبر كتلة في البرلمان، وهو التحالف الشيعي الذي يحوز على 180 مقعدا من أصل 328، عارضت هذا المسعى بشدة.

وكان قرار المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية وقراراتها واجبة التنفيذ وغير قابلة للطعن، حاسما، عندما قضت بأن تأجيل الانتخابات يخالف دستور البلاد.

وأثار حسم الجدل لصالح عدم تأجيل الانتخابات ارتياحا لدى كل من إيران والولايات المتحدة الأميركية اللتين تختلفان على الكثير من الجزئيات والتفاصيل بشأن العراق، لكنّهما متفقتان ضمنيا على إدامة الوضع القائم في البلد، وعلى استمرارية العملية السياسية التي تبقي هذا البلد ذا المقدّرات الضخمة، ضعيفا ومشتتا، وتتيح لكلّ منهما حصته في النفوذ داخله.


رعد الدهلكي: وضع النازحين لا يسمح لهم بالانتخاب سواء عادوا أم لم يعودوا
وتكتسي الانتخابات المقبلة أهمية خاصة، كونها ستنتج الحكومة التي ستقود العراق في مرحلة ما بعد داعش، والتي يأمل العراقيون أن تكون مرحلة استقرار أمني وإعادة إعمار ومحاربة الفساد المستشري على نطاق واسع.

هذا على المستوى النظري، لكن واقعيا لن تكون الصورة مثالية لقسم كبير من العراقيين من بينهم مئات الآلاف من النازحين الذين هجروا مناطقهم فرارا من غزو تنظيم داعش لها ومن الحرب الضارية والمدمّرة التي دارت لاستعادتها من سيطرته.

وتحديد موعد قريب للانتخابات سيفرض على هؤلاء ضغوطا إضافية للعودة إلى منازلهم، قبل الموعد المحدّد ليُستخدموا في إنجاح الاستحقاق الذي يمثّل مصلحة كبرى لجهات داخلية وخارجية، بغض النظر عن تهيئة الظروف المناسبة لعودتهم.

ولا تظهر على النازحة أم عبدالله أي بوادر اهتمام بالانتخابات وهي تجمع أغراضها البسيطة استعدادا للعودة إلى منزلها في مدينة الصينية بمحافظة صلاح الدين شمالي العراق.

وتقول أم عبدالله متحدّثة لوكالة الأناضول من مخيم بأطراف مدينة أربيل مركز إقليم كردستان العراق، إن “الانتخابات ما هي إلا وسيلة لاستمرار السياسيين في الحفاظ على مكاسبهم”، متسائلة “لماذا انتخبهم، وماذا سأجني من ذلك”. وتضيف “سأعود مرغمة إلى مدينتي.. لا مدرسة تنتظر أولادي ولا خدمات”.

وعلى مدى ثلاث سنوات، تسبّبت الحرب بين القوات العراقية مدعومة بالتحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم داعش، بنزوح قرابة 5.5 ملايين عراقي من أصل نحو 37 مليونا يمثّلون مجموع سكّان البلاد.

وتقول الحكومة العراقية إن نصفهم عادوا إلى مناطقهم المحررة، فيما توجد البقية داخل وخارج مخيمات منتشرة في أرجاء البلاد.

ويتعذر على الكثير منهم العودة حاليا؛ بسبب تهدّم منازلهم جرّاء الحرب، وعدم توفر الخدمات الأساسية، فضلا عن مخلفات الحرب وانتشار الألغام والدور والعربات المفخّخة التي خلّفها داعش. وتعهّد رئيس الوزراء حيدر العبادي عدّة مرّات بتهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين إلى منازلهم. لكن المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجّرين، نوروز ستار، استبعد إمكانية عودة كل النازحين إلى منازلهم خلال الأشهر القليلة المقبلة، قائلا “قد تتزايد وتيرة عودة النازحين، خلال الأشهر المقبلة، لكن لا تزال البنى التحتية مدمرة في الكثير من المناطق، فضلا عن وجود مشاكل اجتماعية وعشائرية”، في إشارة إلى عمليات انتقام عشائرية من أشخاص وعائلات ذات صلة قرابة بأشخاص انتموا إلى تنظيم داعش.

وقبل أسابيع قليلة، اتهمت المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق أحزابا سياسية، بالسعي إلى إعادة النازحين قسرا لمنازلهم من أجل ضمان مشاركتهم في الانتخابات.

ونزحت الغالبية الساحقة من النازحين من مناطق شمالي وغربي البلاد، ذات الأكثرية السُنية. ويعتقد كثير من السياسيين السُنّة أن بقاء النازحين في المخيمات أو المحافظات الأخرى سيحرمهم من التصويت في الانتخابات، ما سيؤثّر على حظوظ مرشحيهم في الانتخابات.

وبدورها تجد أحزاب شيعية مصلحة في عودة أكبر قدر ممكن من النازحين لإضفاء شرعية على الانتخابات وعلى المنتخبين الذين ستفرزهم صناديق الاقتراع وعلى الحكومة التي سيساهمون في تشكيلها. وقد دأبت تلك الأحزاب أن تحصل على النصيب الأوفر من مقاعد البرلمان، كما أنّ نظام المحاصصة يضمن لها الفوز بالمناصب القيادية في الدولة وعلى رأسها منصب رئيس الوزراء.

وقال النائب عن اتحاد القوى العراقية، أكبر ائتلاف للسُنّة، رعد الدهلكي “وضع النازحين اليوم غير مؤهل للانتخابات، سواء من عادوا إلى مناطقهم أو الموجودين في المخيمات.