أخذت الأزمة السياسية بين حركة أمل والتيار الوطني الحر طريقها نحو الحل، بعد الاتصال الذي أجراه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برئيس مجلس النواب نبيه بري، بمسعى من رئيس الحكومة سعد الحريري، ومن المفترض أن يطوي لقاء الثلاثاء المقبل صفحة الفيديو المسرب عن وزير الخارجية جبران باسيل، ببركة التهديدات الاسرائيلية ومحاولة العدو مصادرة البلوك التاسع في المياه الاقليمية الخالصة في جنوب لبنان، الأمر الذي وضع الجميع أمام مسؤولياتهم وأعادهم الى رشدهم.
أربعة أيام عاش فيها اللبنانيون أجواء حرب أهلية حقيقية، كان آخرها في بلدة الحدث التي شهدت إطلاق نار من مناصري حركة أمل الذين إجتاحوا شوارعها بدراجاتهم النارية، وظهورا مسلحا لأنصار التيار بهدف الدفاع عن النفس مع كلام طائفي بغيض، جعل كثير من المعنيين يشعرون بأن الشارع بدأ يتفلت من عقاله ولا بد من لجمه، فعاد التواصل السياسي، وإستجاب المعنيون للوساطات التي فتحت الخطوط بين الرئاستين الأولى والثانية.
لا يختلف إثنان على أن الأزمة السياسية كشفت وضع لبنان الهش، وأكدت أن اللبنانيين يفترض بهم أن يعيشوا أيامهم ساعة بساعة، وأنه لا يمكنهم التخطيط حتى لأربع وعشرين ساعة، لأن البلد برمته على ″كف عفريت″، وأن أي موقف قد يصدر عن أي جهة فيه من شأنه أن يقلب الأمور رأسا على عقب.
بعد إنقشاع دخان الاطارات المشتعلة من سماء لبنان، بدا أن ثمة رابحين وخاسرين في هذه الأزمة التي أرخت بثقلها على الانتظام العام في البلد، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون إهتز عهده بشكل غير مسبوق، وهو بدا محرجا في كيفية التعاطي مع الخطأ الذي إرتكبه صهره جبران باسيل، لذلك فقد حاول الإستفادة من رد حركة أمل على الخطأ بخطأ، لكي يدعو الى المسامحة والتسامح وفق القاعدة اللبنانية الشهيرة لا غالب ولا مغلوب، لكن بيانه الرئاسي لم يلق آذانا صاغية، قبل أن يجد نفسه مضطرا الى الاستجابة للوساطات.
في حين وجه الرئيس بري رسالة الى الجميع بأن مقام الرئاسة الثانية خط أحمر، مستفيدا من التضامن السياسي الأفقي الذي حظي به ومن كل الطوائف والمذاهب، ومؤكدا في الوقت نفسه أنه مفتاح السلم والحرب في لبنان.
من جهته حقق الرئيس سعد الحريري إنتصارا شكليا متأخرا باقناع الرئيس عون الاتصال بالرئيس بري، لكنه خسر في المضمون إنطلاقا من محاولات باسيل الدائمة مصادرة السلطة التنفيذية، وعدم قدرة الحريري على مواجهته أو إنتقاده بالرغم من تعريضه الحكومة لخطر تفجيرها من الداخل، فبدا الحريري محرجا في علاقته مع باسيل، ومحرجا أمام شارعه الذي كان ينتظر من رئيس الحكومة أن "يفش خلقه" بالوزير المستفز، ومحرجا أيضا أمام الرئيس بري لعدم إيفائه بوعده له بعدم التوقيع على مرسوم أقديمة الضباط، الأمر الذي عطل وساطته معه، وقطع طريق عين التينة أمامه.
أما جبران باسيل الذي يمضي في منطق التحدي، حيث غادر لبنان الى أبيدجان لرعاية مؤتمر الطاقة الاغترابية بالرغم من كل الاعتراضات، فقد نجح في شد العصب المسيحي، وربما ساهمت التحركات الشعبية لحركة أمل في تقوية هذا العصب، لكن ثمة خسائر كبيرة لحقت بباسيل قد لا تظهر نتائجها في الوقت الحالي، أبرزها خسارته للصوت الشيعي في البترون والكورة بشكل نهائي، وكذلك للصوت السني الذي لن يتجاوب مع الحريري نظرا لحالة الاستفزاز التي يشكلها باسيل لهذا الشارع الغاضب على رئيس الحكومة لعدم وضع حد لجنوح باسيل نحو الاستئثار بالسلطة، وهذا أمر قد يعرضه للخطر في الانتخابات المقبلة خصوصا في ظل تكاتف تيارات وشخصيات مسيحية وازنة ضده، كما من المفترض أن يخسر التيار الوطني الحر بفعل هذه الأزمة الصوت الشيعي في كثير من الدوائر المتداخلة سواء في بعبدا والمتن وجزين وزحلة وغيرها.
ويقول مطلعون: إذا كان باسيل سيواجه صعوبة بعد كل ما حصل في الوصول الى مجلس النواب، فإن حظوظه في سلوك طريق قصر بعبدا باتت معدومة، خصوصا أن الطرف الشيعي لا يمكن أن ينسى الاساءة التي ألحقها بالرئيس بري وبمقام الرئاسة الثانية، إضافة الى أنه لم يترك له صاحبا في الشارع المسيحي.
اللافت أن حزب الله أمسك العصا من الوسط، وحافظ على الثنائية الشيعية، وعلى تحالفه مع الرئيس ميشال عون، لكنه رفع بطاقة صفراء في وجه جبران باسيل، في تأكيد على أنه ليس "في كل مرة تسلم الجرة".