هي ليست المرّة الأولى التي يحرج فيها الوزير جبران باسيل حزب الله. كان الحزب يمرر لباسيل فرصةً تلو الأخرى، ويغضّ الطرف عن بعض انزلاقاته. لكن، في مسألة التعرّض للرئيس نبيه بري بالشخصي، ومع استنفار الشارع الأملي، لم يعد الحزب قادراً على التسامح. كان الحرج الأكبر من باسيل، في موقفه تجاه إسرائيل، واعتباره أن ليس لديه معها أي خلاف عقائدي. حُشر الحزب بهذا الموقف، لكنه التزم الصمت. أما في الكواليس، فكانت مداولات عديدة تحصل، بشأن ثقل باسيل ومواقفه، وانعكاساتها سلباً، ليس على حلفاء الحزب من المسيحيين وغيرهم فحسب، بل أصبحت تطاول الحزب نفسه وجمهوره وبيئته.
في تلك الفترة، سُئلت شخصية بارزة في الحزب عن الموقف من باسيل وانحرافاته، فأجابت: إن الرجل يعتقد أن ما يفعله صحيح، وأن هذه المواقف التصعيدية والمتمايزة، ستعود عليه بمزيد من التقدم في مسيرته والوصول إلى رئاسة الجمهورية. يعتبر باسيل أنه يضع حزب الله في جيبه، وبأن الحزب غير قادر على التفريط بالتحالف الاستراتيجي معه. لذلك، هو يعتبر أن الممنوع على غيره مسموح له. ولذلك يحاول استمالة مواقف المناهضين للحزب في الداخل والخارج، لتحصين مسيرته، والتحضير لخوض معركته الرئاسية". وتستطرد الشخصية قائلة: "غاب عن بال باسيل، أن التحالف الأساسي عقد مع شخص اسمه ميشال عون، ثابت في وفائه لحلفائه، ولا يتخلى عنهم عند أول مفترق. بالتالي، فإن وثيقة التفاهم وقعت مع عون الذي كان يرأس التيار".
يحمل هذا الجواب إشارة واضحة، بأنه إذا ما استمر باسيل بما يقوم به، فهذا سيعرّض العلاقة مع التيار الوطني للخطر، وسيعرّض وثيقة التفاهم للسقوط، وحزب الله متحالف مع رئيس الجمهورية، ولم يعد متحالفاً مع التيار. بمعنى آخر، أن ما يسري على عون لا يسري على باسيل، والحزب غير ملزم بالتيار أو رئيسه، بل بشخص عون. وبعد ذلك سيكون الحزب متحرراً من كل القيود. ويبدو الحزب واثقاً من أن العلاقة التي تجمعه مع مسؤولين بالتيار، أكبر بكثير من العلاقة مع باسيل. يقود هذا الجو، إلى التقدير بأن مضي باسيل بالنهج الذي يتّبعه، سيطيح في النهاية بوثيقة التفاهم، خصوصاً حين يجد الحزب نفسه محرجاً في بيئته.
من هذا المبدأ، فتح بري معركته ضد باسيل ونهجه. حذّر رئيس المجلس مراراً، من إعادة تشكيل الثنائية، وأبدى امتعاضه أكثر من مرّة، كما غيره، من ثنائية نادر الحريري وباسيل، باعتبار أنهما يطبخان كل القرارات أو الملفات، وفيما بعد يتم عرضها على مجلس الوزراء، وفي مجلس النواب. وهذا ما حصل في ملفات عديدة، كان أبرزها قانون الانتخاب.
دخل بري في معركة كبرى بالنيابية عن كل المتضررين من التسوية والثنائية. وهو يضع الشروط تلو الأخرى، وهي تتخطى الاعتذار، لتشمل كيفية مقاربة الأمور طوال سنوات العهد، وكيفية إعادة إحياء التوافق، أو الترويكا، بوجه الثنائية، لأن لبنان لا يُحكم بغير التوافق، ولم تكن الاحتجاجات في الشارع، سوى دليل على الاستعداد للقيام بانتفاضة شعبية، بالاستناد إلى رمزية انتفاضة 6 شباط، بهدف إعادة صوغ تسوية جديدة لإدارة الدولة ومؤسساتها وملفاتها.
وتعتبر مصادر متابعة أن الشيعة أصبحوا في الشارع ويقومون بتحركات احتجاجية لأنهم يجدون أنفسهم خارج اللعبة السياسية، أو هناك محاولة لاخراجهم منها. وهذا ما سيرد عليه بري بتصعيد وعدم تساهل. والمسألة تخطّت مجرّد الشتائم والكلام التجريحي، لتشمل مختلف جوانب العهد، فإذا ما حصلت انتخابات لن يكون بعدها تشكيل حكومة، إلا بالتفاهم على السلّة الكاملة والمتكاملة، والتي كان قد اقترحها حين رشّح الحريري عون للرئاسة ورفضت في حينه. يعزز بري موقفه بتلقي الدعم من مختلف قوى الثامن من آذار، ومن بعض قوى 14 آذار. وهذا دليل على بدء بري بالجهاد الأكبر، الذي كان قد تحدّث عنه بعيد انتخاب عون رئيساً للجمهورية، والأساس في ذلك، أن بري يعيد تأكيد أن النظام في لبنان برلماني، وليس نظاماً رئاسياً.