يعكس انضمام رئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال غادي أيزنكوط، إلى التهديدات التي أطلقها منذ مطلع الأسبوع، كل من رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ضد "حزب الله" ولبنان عموماً، توافقاً نادر الحصول بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي لجهة شن حرب جديدة على لبنان، في حال فشلت "الجهود" والخطوات الإسرائيلية المختلفة، السرية منها والعلنية لوقف مساعي إيران، وفق الادعاءات الإسرائيلية، لتحويل لبنان إلى "قاعدة كبيرة لإنتاج الصواريخ"، ومواصلة "حزب الله" بناء قوته العسكرية. ويأتي ذلك خصوصاً بعد أن اتجه الحزب أخيراً (في ضوء النجاحات التي حققها النظام السوري وحلفاؤه في إعادة بسط سيطرة النظام على مناطق واسعة في سورية) إلى إعادة تركيز نشاطه في لبنان لاستعادة "الشرعية" داخل لبنان، عبر نشر قواته في الجنوب، خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي الذي أنهى الحرب الثانية على لبنان عام 2006.
وربما يكون ملف النفط والغاز، الذي تبدأ بيروت قريباً التنقيب عنه في المياه اللبنانية التي تدعي إسرائيل أنها مشتركة مع الحدود الفلسطينية البحرية المحتلة، حجة تضاف إلى إيران ونفوذها في لبنان، لاستفزاز إسرائيلي مثلما توحي به تصريحات ليبرمان أمس الأربعاء، علماً أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله سبق له أن لوح بأن أي اعتداء إسرائيلي على ثروة لبنان النفطية (المفترضة) سيكون مادة للرد من قبل الحزب. وقال ليبرمان إن إعطاء لبنان حق التنقيب في حقل بحري للغاز في المياه الإقليمية (هو البلوك رقم 9 جنوبي المياه اللبنانية) "أمر استفزازي جداً"، وحث الشركات العالمية على عدم تقديم عروض للتنقيب، مدعياً أن هذا الجزء من المياه "ملك لنا بكل المقاييس... وهذا يمثل تحدياً سافراً وسلوكاً استفزازياً هنا". كلام سرعان ما رد عليه الرئيس اللبناني ميشال عون، واصفاً إياه بأنه "تهديد للبنان ولحقه في ممارسة سيادته على مياهه الإقليمية"، وهو ما كرره رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل.
وسبقت إشارة ليبرمان عن المياه الإقليمية اللبنانية، تصريحات حربية له، مفادها أنه "إذا اندلعت الحرب مجدداً مع لبنان، فإن هذا البلد سيدفع ثمناً كاملاً" لدعم إيران. ورفع ليبرمان من سقف تهديداته قائلاً، في خطاب له أمام مركز أبحاث الأمن القومي، إن "الحرب المقبلة، وفقاً لما شاهدناه في المنطقة، لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها من دون مناورات برية واجتياح بري للأراضي اللبنانية، لأنه لا يمكن تحقيق ذلك من دون أقدام على الأرض". وزعم ليبرمان أن "حزب الله ضحّى بالمصالح الوطنية للبنان بالخضوع الكامل لإيران"، مضيفاً: "نتيجة ذلك، سيكون لبنان بالكامل هدفاً عادلاً في أي حرب مستقبلية، والجيش اللبناني سيُستهدف، وإذا أُجبر أي مواطن من تل أبيب على الاحتماء في ملاجئ، فستكون بيروت عرضة لذلك أيضاً". وخلال حوار اجراه معه رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي عاموس يادلين، ادعى ليبرمان أنه "يمكن تفادي المواجهة العسكرية من خلال التصميم والردع واستخدام كافة العوامل الدولية للضغط على إيران، وهو ما يعرفه الجميع اليوم في واشنطن وموسكو".
وكان الجنرال أيزنكوط وجّه هو الآخر أمس الأول تحذيرات لـ"حزب الله" مما سماه بتداعيات بناء الحزب لقوته العسكرية وتزوده بصواريخ دقيقة. وادعى أيزنكوط أن "حزب الله يخرق قرار مجلس الأمن الدولي، ويحافظ على تواجد عسكري في المنطقة (جنوب لبنان) ويتزود بمنظومات قتالية وأسلحة لتعزيز قوته القتالية، وأن الجيش الإسرائيلي يعمل لمواجهة هذه التهديدات ليل نهار لضمان جاهزيته القتالية وقوة الردع. سنقوم بكل ما يلزم للمحافظة على الحدود الشمالية لإسرائيل آمنة وهادئة".
هذا التصعيد الإعلامي من قبل الاحتلال، الذي يمكن القول إنه بلغ ذروته في محاولة جيش الاحتلال، مطلع الأسبوع، عبر المتحدث باسمه، الجنرال رونين ملينسا، "مخاطبة" اللبنانيين مباشرة من خلال نشره مقالاً بالعربية في مواقع لبنانية وعربية مختلفة، للترويج فيها لمقولات الاحتلال بأن إيران و"حزب الله" يعرّضان لبنان للخطر من خلال السعي الحثيث لإقامة مصانع لإنتاج الصواريخ على الأرض اللبنانية، دفع بمحللين في الصحافة الإسرائيلية إلى القول إن حكومة نتنياهو تُعد الرأي العام لحرب "اختيارية جديدة" سيكون على الحكومة شنّها بعد سلسلة التصريحات والتهديدات لـ"حزب الله" وإيران، وإلا ستضطر إلى جر أذيال الخيبة وضرب قوة الردع كلياً في حال لم تنفذ تهديداتها، وفق ما ذهب إليه محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان.
وبحسب فيشمان، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية يسعى لتمهيد الرأي العام الدولي لعدوان أو عمليات إسرائيلية في لبنان، بينما يتولى ليبرمان تمهيد الرأي العام الإسرائيلي لحرب كهذه. ووافق المحلل ران إيدليست هو الآخر هذا التقييم في مقال له في "معاريف"، بينما خصصت "هآرتس" أمس الأربعاء افتتاحيتها للحديث عن حرب اختيارية تشنّها إسرائيل ضد لبنان، خلافاً "لحرب تُفرض على إسرائيل، أو حرب استباقية لا مفر منها". وتعكس هذه التحليلات قراءة للتغيير في موقف القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل وداخل مراكز التقديرات العسكرية، لجهة كسر ميزان الردع الحالي بين إسرائيل و"حزب الله"، وإغفال التحذيرات التي سادت في السنوات الأخيرة من احتمالات تدهور "عملية موضعية" إلى حرب شاملة.
ويبدو أن دوائر صنع القرار في إسرائيل، السياسية والعسكرية، باتت ترى أنه بالإمكان إغفال هذه المحاذير، والاستعداد لشن عمليات حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة عسكرية شاملة مع "حزب الله". وهو تطور لا يمكن عزله عن التطورات الإقليمية، خصوصاً في ظل تعزيز التنسيق العسكري بين إسرائيل وروسيا، وهو أمر عكسه لقاء نتنياهو الأخير، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ اختار نتنياهو موسكو ليطلق لأول مرة تصريحاته بأن إسرائيل لن تتردد إذا لزم الأمر في العمل في لبنان لوقف نشاط "حزب الله" في بناء قوته العسكرية وتزوده بالأسلحة المتطورة الكاسرة للتوازن، وعدم الاكتفاء، كما كان سائداً لغاية الآن، بضرب قوافل الأسلحة المعدّة للحزب من داخل الأراضي السورية.
وإذا كان تردد حكومة إسرائيل في هذا السياق مرهوناً بقضايا التنسيق مع روسيا، فيبدو وفق تصريحات نتنياهو الأخيرة، ووصول وفد أمني روسي يقوده مستشار الأمن القومي الروسي إلى تل أبيب نيكولاي باتروشيف، ويشمل أيضاً نائب وزير الخارجية الروسي، عنصراً مساعداً للمستوى السياسي الإسرائيلي في تهيئة الرأي العام الدولي، أيضاً، في ظل الدعم الأميركي المطلق والمضمون، في الاتجاه نحو خيار شن حرب اختيارية على لبنان.
العامل الآخر الذي يعزز هذا التوجّه، هو ما عكسته نتائج ومعطيات مؤشر الأمن القومي أمس الأول الثلاثاء، التي أفادت لأول مرة منذ الحرب الثانية على لبنان في تموز 2006، بأن 66 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون شن عمليات ضد "حزب الله" حتى لو كان ثمن ذلك اندلاع حرب شاملة في لبنان. كما أن 85 في المائة من الإسرائيليين الذين شملهم استطلاع المؤشر المذكور، اعتبروا أن الوجود الإيراني في سورية، يشكل تهديداً خطيراً لإسرائيل.
إلى ذلك، يبدو أن إسرائيل تحاول الاستفادة أيضاً من الأوضاع الراهنة في سورية، واشتداد التنافس بين روسيا وإيران هناك، لجهة ضرب قوة "حزب الله"، من دون أن تخشى رداً روسياً معارضاً، بل ربما تفاهم مع روسيا التي تسعى وفق التقديرات الإسرائيلية، إلى محاولة تقليص النفوذ الإيراني مستقبلاً، وبالتالي فإن ضرب "حزب الله" باعتباره ذراعاً لإيران يصب في خدمة المصالح الروسية الإقليمية.
وفي هذا السياق، تنبغي الإشارة إلى التقرير الذي كان قد رفعه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، للحكومة الإسرائيلية عن محادثاته التي أجراها في روسيا قبل ثلاثة أشهر، وجاء فيه أنه وجد لدى الروس كما لدى الولايات المتحدة آذاناً صاغية بشأن معارضة إسرائيل لامتلاك "حزب الله" أسلحة كاسرة للتوازن، وهو التقرير الذي شكل أساساً للقاء نتنياهو الأخير، مطلع الأسبوع، مع بوتين، وبناء عليه تطرق نتنياهو لأول مرة بشكل مباشر إلى لبنان واعتزام إسرائيل التحرك إذا لزم الأمر وضرب لبنان لمنع "تحوّله إلى قاعدة صواريخ".