تشجع إيران عددا من حلفائها في العراق على التنسيق لضمان منع رئيس الوزراء حيدر العبادي من الحصول على ولاية ثانية.
وكشفت مصادر سياسية رفيعة في بغداد لـ”العرب”، أن زعيم منظمة بدر هادي العامري سيحظى بالدعم الإيراني الكامل بعد انتخابات مايو المنتظرة، ليكون مرشحا لمنصب رئيس الوزراء.
وقالت المصادر إن “العامري تلقى وعدا صريحا من زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، الذي انشق للتو عن تحالف العبادي الانتخابي، بدعمه ليصبح رئيس الوزراء في الدورة المقبلة”، مؤكدة أن “زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي سيلتحق بهذا التنسيق قريبا”.
وشدد الحكيم خلال لقائه بالعامري على رص الصف وتشكيل التحالفات العابرة للطائفية. الأمر الذي أثار تهكما في الأوساط الشعبية العراقية من أن يصدر مثل هذا الكلام عن مصدر الطائفية الأول في العراق.
وأغضب صعود العبادي السريع، شعبيا، استنادا إلى الإنجازات العسكرية في الحرب على تنظيم داعش، خصمه اللدود وزعيم حزب الدعوة الذي ينتمي إليه، نوري المالكي، فيما تعكرت علاقة العبادي بكل من العامري والحكيم إثر انفراط عقد تحالفهم الانتخابي الواسع.
ويحظى كل من العامري والحكيم والمالكي بدعم إيراني، ولكن بدرجات متفاوتة.
وعلى حد تعبير سياسي شيعي في بغداد، فإن “طهران نجحت أخيرا في جمع حلفائها المهمين داخل العراق في جبهة واحدة، بعدما شتتتهم مفاوضات تشكيل التحالفات الانتخابية بين عدة مشاريع سياسية”.
وقال السياسي في تصريح لـ”العرب”، إن “العبادي اقترب من أن يتحول إلى صداع للإيرانيين، بعدما اقترب كثيرا من الأميركيين والغرب والخليج ودول عربية، ومع هذا لم تتحرك طهران ضده لأنها كانت تظن أنه الأقوى في الساحة الشيعية”. وأضاف “اعتاد الإيرانيون دعم الزعيم الشيعي الأقوى، وهذا ما خططوا له، ولكن تقلبات العبادي التحالفية أضرت بصورته العامة، ولم يعد ذلك الزعيم الذي لا يمكن قهره انتخابيا”.
إلا أن مراقبا سياسيا عراقيا لا يرى أن حصر المشكلة في صراع العبادي ــ العامري على منصب رئاسة الوزراء، يمثل جوهر المشكلة التي يعاني منها التحالف الشيعي الحاكم. فهو تحالف هش سعت إيران إلى إبقائه تحت سيطرتها من خلال إضعاف مكوناته وإلهائها بخصومات داخلية، هي في حقيقتها واجهة لعملية تقاسم النفوذ والغنائم.
وتوقع المراقبون أن تعكس تحالفات العبادي الانتخابية صعود الجناح الشيعي المعتدل، لكنه فاجأ الجميع بالتحالف مع قادة فصائل الحشد الشعبي ومن بينهم العامري، المدعومين من إيران، قبل أن يعلن تحالفه مع الحكيم.
ولكن هذه التحالفات التي وصفت بـ”غير المنطقية” لم تصمد، فسرعان ما ابتعد قادة الحشد عن العبادي، وتبعهم الحكيم.
ورشح أن العبادي “تعامل بغرور مع قادة الحشد خلال المفاوضات، وطلب منهم الالتحاق بقائمته أفرادا وليس كيانات”.
وتقول النائبة الشيعية حنان الفتلاوي إن “العبادي انتفخ سياسيا، وبات يعتقد أنه الزعيم الأوحد القادر على اكتساح الجميع″.
ويعتقد مراقبون أن صورة العبادي تضررت شعبيا بعد موجة تحالفاته الأولى، وبدا كأنه لا يمانع في العمل مع المتطرفين والفاسدين.
وعلى حد تعبير مصادر سياسية في بغداد فقد “استغلت طهران المزاج السيء لحلفائها العراقيين نحو العبادي، وشجعتهم على تشكيل ائتلاف يمنعه من الحصول على ولاية ثانية”.
والشهر الماضي، كان المراقبون يتحدثون عن إمكانية أن يكون العبادي هو “الفائز الشيعي الأكبر” في الانتخابات القادمة، متوقعين حصوله على نحو 70 مقعدا في البرلمان العراقي القادم المكون من 328 مقعدا، مع نحو 30 مقعدا لكل من الحشد والمالكي والحكيم ومقتدى الصدر، ولكن في نهاية شهر يناير باتت التوقعات تدور في حدود الـ35 مقعدا، ما يشير إلى أن حظوظ رئيس الوزراء هبطت إلى النصف مع محافظة خصومه على معدل التوقعات نفسه.
وفيما يبدو أنه خطة بديلة، يحاول العبادي ضمان دعم كل من مقتدى الصدر ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، وفقا لمصادر خاصة.
ومنذ مطلع العام 2017، تتحدث التوقعات عن أن العبادي سيتحالف مع هذين الرجلين، ولكن هذا الإجراء سيتأخر ربما إلى ما بعد انتخابات مايو.
ويعول العبادي على حليف بارز في الساحة الكردية، وهو السياسي المخضرم برهم صالح الذي شكل تحالفا لخوض الانتخابات المقبلة.
وزار صالح العبادي في مكتبه ببغداد، وبدا أنهما بحثا مستقبل العمل السياسي المشترك.
ولكن تحالفات العبادي خارج الإطار الشيعي التقليدي، لن تنفعه كثيرا في ظل احتكار المكون لمنصب رئيس الوزراء.
ويقول مستشار خاص لعمار الحكيم في حديث مع “العرب”، إن “فرصة العبادي في الحصول على ولاية ثانية تضررت منذ إعلان تحالفه مع الحشد الشعبي”.
وأضاف “كانت الولاية الثانية مضمونة، فقاعدته الشعبية تتسع، والقوى السياسية التي تثق فيه ومستعدة لدعمه في ازدياد، وعلاقاته بواشنطن وعواصم الغرب والخليج وثيقة، ولكنه أضر بكل هذه المكاسب عندما تحالف مع الحشد الشعبي”.
وكشف أن “الحكيم قرر الخروج من تحالف العبادي بعدما لمس تراجع حظوظه الانتخابية”.
إلا أن مراقبا سياسيا عراقيا يرى بأن المصلحة الإيرانية تقتضي الإبقاء على العبادي رئيسا للوزراء كي تضمن طهران وجود واحد من الممرات الآمنة لنقل الرسائل من وإلى الولايات المتحدة هو نوع من محاولة استرضاء الأخيرة التي لا تحبذ تكريس نجومية هادي العامري.
وإذا ما كان العبادي قد حاول مرات عديدة أن يحدث خرقا في تلك الخطة الإيرانية فإن الضربات التي تلقاها من الفرقاء الشيعة كانت تعيده في كل مرة يُهزم فيها إلى حجمه الحقيقي، باعتباره رقما بديلا في العملية السياسية يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة. وهو ما يضمن بقاءه تحت السيطرة الإيرانية في حالة تم الاتفاق مع الولايات المتحدة على إعادة تنصيبه.
وكل ما يُقال عن الشعبية التي اكتسبها العبادي من خلال الحرب على الإرهاب إنما يشير إلى ما يمكن أن يحصل عليه من أصوات داخل المناطق ذات الغالبية الشيعية وهي أصوات لا يعول على ثباتها عند خيار بعينه إذا ما قررت إيران التدخل من خلال ممثليها من رجال الدين. أما على مستوى المناطق الكردية والسنية فإن العبادي لا يختلف عن سواه من زعماء الشيعة ذوي النزعة الطائفية وإن بدا أقل تشددا.
من جهة أخرى فإن الانتخابات السابقة قد أكدت حقيقة أن تحالفات ما قبل الانتخابات ليست سوى سلم مؤقت يتم الاستغناء عنه حين تُعقد تحالفات جديدة تكون هي القاعدة لنظام محاصصة بديل لأربع سنوات مقبلة. لذلك فإن الخلافات الحالية بين الفرقاء الشيعة لا يمكن أن تقدم صورة لما سيكون عليه المشهد بعد أن يتم توزيع كراسي مجلس النواب بين الكتل الحزبية التي تدين كلها بالولاء لإيران.