لم تغير مشاركة دمشق بوفد من نحو 1200 شخص ولا مقاطعة «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة لـ«الحوار الوطني السوري» في سوتشي من نتائج المؤتمر، ذلك أن التفاوض الفعلي كان يجري في غرف وممرات جانبية بغياب السوريين، إذ إن الدول «الضامنة» الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، اتفقت مع الأمم المتحدة على صيغة البيان الختامي، وعلى أن تقوم كل دولة بترشيح 50 عضواً إلى اللجنة الدستورية على أن يباركها زيادة أو نقصاناً المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الأمر الذي هو أشبه بـ«محاصصة ثلاثية» للدستور السوري المستقبلي.
دمشق التي لم تستطع تحمل مسؤولية إفشال «سوتشي» الذي رعاه الرئيس فلاديمير بوتين قبل انتخابات الرئاسة في 18 مارس (آذار) المقبل، «غاضبة» من نتائج المؤتمر، وكان أحد التجليات أن جميع وسائل الإعلام الرسمية وموالين لدمشق نشروا البيان الختامي من دون مقدمته وخلاصته السياسية وحرفوا الوثيقة الرسمية المتفق عليها بيان «الضامنين» الثلاثة.
بحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن نتائج «سوتشي» أنجزت قبل بدء المؤتمر ذلك أن مفاوضات ماراثونية جرت بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نهاية الأسبوع الماضي بعد قرار «هيئة المفاوضات» المعارضة مقاطعة المؤتمر، إذ إن الأمم المتحدة ربطت مشاركتها بسلسلة من الشروط بينها أن يقتصر المؤتمر على جلسة واحدة من دون تشكل لجان مؤسساتية وتكرار سيناريو «مسلسل اجتماعات آستانة»، وأن يقرر المبعوث الدولي مرجعية وأسماء وآليات عملية اللجنة الدستورية واختيار أعضائها من قائمة تقدمها الدول «الضامنة» الثلاث، إضافة إلى إقرار المبادئ السياسية الـ12 التي كان أعدها دي ميستورا، ورفض رئيس وفد الحكومة بشار الجعفري البحث فيها في الجولتين السابقتين من مفاوضات جنيف.
المفاجأة الإيجابية، كانت أن ما تم الاتفاق عليه بين الأمم المتحدة وموسكو تحقق. جرت محاولات لتغيير مسودة البيان المتفق عليه لكنها لم تنجح، خصوصاً عندما لوح دي ميستورا بالانسحاب صباح الافتتاح. بالتالي، لم تؤثر عملياً الاعتراضات والمطالبات من أعضاء الوفد القادمين من دمشق، ومقاطعة ممثلي الفصائل المسلحة وعودتهم من مطار سوتشي إلى أنقرة، إذ إن الوفد التركي تكلف الحديث باسم المعارضة، فيما تحدثت طهران وموسكو باسم دمشق.
لوحظ أن وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) و«وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) نشرتا أمس البيان الختامي لـ«سوتشي» وفق تفسيرهما، إذ إن البيان خلا من المقدمة والخلاصة التي تتحدث عن آلية تشكيل اللجنة الدستورية. وأفادت «سانا» بأنه «تم الاتفاق على أن تكون النسبة في لجنة مناقشة الدستور الحالي ثلثين تدعمهم الحكومة، وثلث للأطراف الأخرى، لمناقشة الدستور الحالي حيث تتكون اللجنة من 150 عضواً هم مندوبون لمؤتمر الحوار الوطني السوري – السوري، ويتم اختيار الرئيس ونائبه وأمين السر من تكوين اللجنة». وبحسب تفسير «سانا»، يتخذ أعضاء اللجنة «القرار بالأغلبية حول ضرورة المساعدة من خلال الخبراء بطريقة تقديم المشاورات إلى أعضاء اللجنة».
كما لوحظ أن «سانا» عدلت في البيان الختامي، إذ ذكرت أنه «شدد على أهمية المحافظة على الجيش والقوات المسلحة، وأن يقوم بواجبه وفقاً للدستور بما في ذلك حماية الحدود الوطنية والشعب من التهديدات الخارجية ومكافحة الإرهاب حماية للمواطنين، حيثما يتطلب ذلك. وإن تركز المؤسسات الأمنية والاستخباراتية على الحفاظ على الأمن الوطني وتعمل وفقاً للقانون»، علما أن وثيقة المؤتمر الرسمية لـ«سوتشي» نصت على «بناء جيش قوي يقوم على الكفاءة ويمارس بواجباته وفق الدستور»، وأن تعمل «أجهزة الاستخبارات والأمن القومي لحماية أمن البلاد وفق مبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان بحسب نصوص الدستور والقانون، ويجب أن يكون استخدام القوة مقتصراً على تفويض من مؤسسات الدولة ذات الصلة».
وعكس هذا الموقف «غضباً» في دمشق من نتائج المؤتمر الذي سعى مسؤولون إلى وضع «خطوط حمراء» له قبل سفر المشاركين من العاصمة السورية إلى المنتجع الروسي، مقابل صمت إيراني ونشر مجتزئ للبيان الختامي. وقال مسؤول غربي إن طهران «فاجأت الحاضرين بقبول البيان في سوتشي»، قبل أن يشير إلى نشر وسائل إعلام إيرانية تفسير دمشق للبيان.
كما أن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة حسين جابري أنصاري التقى شخصيات من المعارضة السورية في سوتشي وسط أنباء عن استعدادات إيرانية لعقد مؤتمر مماثل لـ«سوتشي» في طهران.
في المقابل، أعربت أنقرة عن الارتياح لنتائج المؤتمر عبر اتصال الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان. كما أن الخارجية التركية أصدرت بيانا بنتائجه و«الطريقة البناءة». وقال مسؤول تركي: «أهم نتائج المؤتمر الدعوة إلى إنشاء لجنة دستورية واختيار مجموعة تتألف من 150 مرشحاً لهذه اللجنة، إذ قدم الوفد التركي الذي منح تفويضاً بتمثيل جماعات المعارضة التي لم تحضر المؤتمر، قائمة تضم 50 مرشحاً بالتشاور مع المعارضة». ومن المقرر أن يشكل دي ميستورا اللجنة دستورية «تبحث عن التمثيل النسبي للمعارضة»، وأنقرة «سترصد عن كثب عملية إنشاء اللجنة الدستورية كضامن للمعارضة».
عليه، تترقب دول غربية شاركت كـ«مراقب» المرحلة المقبلة ومدى وفاء موسكو بنتائج المؤتمر وممارسة نفوذها على دمشق وطهران اللتين تريدان شراء الوقت إلى ما بعد انتخابات بوتين في 18 مارس، كي تقدم موسكو رسميا قائمة الـ150 مرشحاً إلى دي ميستورا كي يبدأ عمليه في اختيار 45 - 50 عضواً للجنة من قائمة «الضامنين» وخبراء وسياسيين من خارجها.
وبدأت عواصم غربية تبحث كيفية المواءمة بين «الوثيقة الخماسية» التي صاغتها واشنطن وحلفاؤها، وتضمنت تفاصيل المرجعية السياسية للعملية الدستورية، وصلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء، وطابع النظام السياسي السوري من جهة، ووثيقة سوتشي التي رعتها موسكو و«الضامنين» التركي والإيراني من جهة ثانية، على أن تكون الورقة المبنية الجديدة من الوثيقتين مرجعية سياسية لعمل اللجنة الدستورية.