وُلدت فانيسا مصطفى (4 سنوات) بتشوه خلقي في الكبد. لم تمضِ 4 ايام على ولادتها حتى بدأت ملامح وجهها تتغيّر، ومال لونها إلى الاصفرار. بقيت في العناية المشددة لمراقبة وضعها، وبعد إجراء الفحوص الطبية تبين انها تعاني من عدم تصريف المادة الصفراوية في الكبد. وفق والدتها لينا "خلل في الكبد جعلها تخوض غمار الجراحة باكراً، حيث خضعت فانيسا في عمر الشهرين الى جراحة من خلال مدّ قناة وصل من المصران الى الكبد لمساعدته على الفرز، بالإضافة الى اعطائها دواء مساعداً لتصريف المادة الصفراوية".
هكذا كان على الطفلة فانيسا ان تعيش مع مرضها الخلقي في انتظار انقاذها من الموت، كانت حياتها مهددة في حال لم تخضع لزراعة الكبد. من بعلبك الى بيروت، قطعت فانيسا تلك المسافة بحثاً عن علاج فعال، أشهر من الفحوص والمراقبة والعلاجات الى حين قررت والدتها لينا التبرع بجزء من كبدها الى طفلتها وتبدأا معاً رحلة جديدة من حياتهما معاً.
"انا روحي بعطيها"
مرّت 4 سنوات قبل اجراء زراعة الكبد. تروي والدتها لينا مصطفى تفاصيل الجراحة وحالة ابنتها قائلة " قررنا اجراء عملية الزرع وبعد الفحوص اللازمة لتطابق الانسجة، أجرينا الجراحة منذ أسبوعين تقريباً. خرجتُ من المستشفى لكن فانيسا ما زالت في العناية الخاصة لزراعة الكبد. تخضع للفحوص والمراقبة للتأكد من كل شيء وتفادي المضاعفات الناتجة من جراحة كهذه. صحيح اني اشعر بتعب احياناً بسبب بقائي بقربها لكن "الحمدلله بشكر الله لأنو وصلنا لهيدي المرحلة".
تعجز لينا عن وصف مشاعرها، فهي سعيدةٌ بما استطاعت ان تحققه لابنتها وتعبّر عن فخرها وسعادتها "انا روحي بعطيها، حاسة حالي عملت شي لإبنتي، انا قدرت عيّش بنتي عنجد". تحتاج فانيسا الى متابعة وعناية خاصة في المنزل لمدة شهرين لأن مناعتها ضعيفة في هذه المرحلة، ومن ثم تسترجع حياتها بشكل طبيعي كسائر الأطفال".
زراعة الكبد... قراءة طبية
رأى رئيس قسم زراعة الكبد والبنكرياس والأعضاء في مستشفى الرسول الأعظم الدكتور محمد السيد أن "زراعة الكبد تعتبر جراحة معقدة جداً وتحتاج الى توافر عدد من الاختصاصات الطبية والتشخيص الدقيق والمعالجة الحثيثة قبل جراحة الزرع وأثناءها وبعدها، إذ يحتاج المريض الى متابعة اثناء الجراحة وبعدها خوفاً من رفض الجسم للعضو الجديد. لذلك يكون العمل بعد تشخيص الحالة وتحديد السبب، ونضطر الى زراعة الكبد عند وصوله الى الفشل التام".
اسباب كثيرة ومختلفة تُسبب مشاكل في الكبد وتالياً تحتم أحياناً ضرورة زراعة الكبد. وفق السيد الأسباب الأكثر شيوعاً عند الأطفال تكون نتيجة التشوهات الخلقية أو فشل في انزيم معين يؤدي الى تراكم المادة وتسبب وجود بحص في الكبد. اما عند الكبار فتكون غالباً نتيجة إلتهاب الكبد الفيروس "ب" او "C" او التهاب الكبد المناعي. وبغض النظر عن الأسباب لا نجري زراعة كبد إلا بعد فشل تام للكبد".
عملية زراعة الكبد بحسب نوعها
كذلك يشرح رئيس قسم زراعة الكبد والبنكرياس والأعضاء في مستشفى الرسول الأعظم الأعراض التي ترافق المريض، والتي يمكن اختصارها بالآتي:
* تراكم المادة الصفراوية
* تراكم الماء في البطن
* نزيف دائم بخاصة في المريء والمعدة غير قابل للعلاج
عندما تصبح حياة المريض مهددة أكثر من المضاعفات والمشاكل الصحية التي قد تنتج من زراعة الكبد، عندها تصبح الجراحة ضرورة محتمة.
لكن كيف تتمّ عملية زراعة الكبد؟ يشير السيد الى انه تجرى الجراحة بعد تأمين الكبد الذي ينقسم الى نوعين:
- من طريق متبرع حيّ (استئصال جزء من الكبد، والأفضل ان يكون بالدرجة الاولى من احد افراد العائلة وفي حال تعذر ننتقل الى الدرجة الثانية)
- مريض متوفٍ دماغياً ويكون التنسيق عبر اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء ولائحة الانتظار.
وتبقى النقطة الأهم من زراعة الكبد دراسة حجم قطعة الكبد المستأصلة حتى تكفي المريض المتلقي دون أن تؤثر على المتلقي. في حال كان المتبرع حيّاً نجري الجراحة في الوقت نفسه حيث يقوم فريق طبي باستئصال الكبد فيما يُحضر الفريق الآخر المريض الملتقي لزراعة قطعة الكبد المستأصلة. وتستغرق الجراحة نحو 6-8 ساعات. (ساعتين لنقل الكبد والعمل الطبي الباقي يقتصر على المتلقي).
أما في حال كان المتبرع متوفياً دماغياً، نرسل فريقاً طبياً لاستئصال الكبد (معظم الحالات تكون في مستشفيات اخرى) وحفظه بمواد حافظة وتأمين نقل مبرّد لإيصاله الى المستشفى لزرعه في جسم المريض. نتأكد من صحة الكبد وتطابقه مرة اخرى قبل ان نزرعه. ويستغرق هذا النوع من الجراحة حوالى 4-5 ساعات.
43 على لائحة الانتظار
لكن، ماذا عن أخطر المضاعفات الناتجة من هذه الجراحة؟ يؤكد السيد أن "أخطر مشكلة قد نواجهها عدم عمل الكبد مباشرة بعد زرعه ونسبتها لا تتعدى 1-2%. اما المضاعفات الاخرى فتتمثل بانسداد الشرايين التي وصلت الى الكبد وتخثر الدم. وعادة نجري جراحة لفتح الشرايين وهي قابلة للعلاج ونسبتها لا تتخطى 7-10%. كما قد تتسبب زراعة الكبد ببعض الالتهابات نتيجة الادوية المخففة للمناعة وتالياً يصبح الجسم معرضاً للالتهابات.
برأي رئيس قسم زراعة الكبد والبنكرياس والأعضاء في مستشفى الرسول الأعظم أن "وفق التقارير التي أصدرها مركز الجامعة الأميركية بلغت جراحة زراعة الكبد بين العام 1998 و2015 21 جراحة. في حين هذه السنة شهدت على جراحة واحدة في المركز و3 جراحات مماثلة في مستشفى الرسول الأعظم لتكون الحصيلة النهائية لغاية اليوم 25 زراعة كبد في لبنان". ويضيف "لا وجود لإحصاءات دقيقة، ولكن وفق لائحة الانتظار في اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء هناك حوالى 43 مريضاً مسجلاً، لكن بناءً على المراجعات الطبية يمكني القول ان العدد المسجل لا يتجاوز 40% من الحالات الواقعية في لبنان".