لا يبدو المشهد العراقي مُقبلا على تغييرات جوهرية خلال الانتخابات العامةّ المقرّرة لشهر مايو القادم من شأنها أن تطال أسس العملية السياسية وتعدّل في طبيعة الخيارات الكبرى للبلد داخليا وخارجيا، لكنّه لن يخلو مع ذلك من تغييرات في إطار العملية ذاتها، بدأت تلوح معالمها مؤشّرة إلى أفول نجم بعض السياسيين وصعود أسهم البعض الآخر.
ويبدو أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي سيكون أكبر المتضررين في الانتخابات بعد أن انفضّ حلفاؤه من حوله واحدا بعد الآخر، لكونه لم يعد قابلا للتسويق محلّيا بفعل كارثية حصيلة سنوات حكمه، كما لم يعد موضع رهان أكبر لاعب إقليمي على الساحة العراقية وهو إيران.
ويخلي تراجع المالكي الساحة أمام لاعبين بارزين هما كلّ من رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي وزعيم منظمة بدر هادي العامري اللذين سيتنافسان على أرضية واحدة وهي النصر المتحقّق ضدّ تنظيم داعش.
وتعقّدت أوضاع المالكي بعد أن تشظّت قائمته الانتخابية إلى ثلاثة أقسام، تتنافس كلها على أصوات الجمهور نفسه.
وبعد أن كان ائتلاف دولة القانون مظلة تجمع طيفا واسعا من الأحزاب والشخصيات الشيعية الكبيرة، على غرار العبادي والعامري، انكمش إلى مجرّد قائمة انتخابية تضم عددا من الأقارب فحسب.
وخرج العبادي من تحت مظلة المالكي، لتشكيل تحالف انتخابي عريض، حمل عنوان “النصر”، فيما اختار العامري الانفصال، سياسيا، عن رئيس الوزراء السابق، مترئسا ائتلافا انتخابيا واسعا، يضم معظم فصائل الحشد الشعبي.
لم تقف خسائر المالكي عند حد العبادي والعامري، بل امتدت لتشمل الحزب المدني الذي قرر بدوره أن يخرج من ائتلاف دولة القانون، ليخوض الانتخابات المقبلة منفردا
ووفقا لقراءات متخصصين في الاتجاهات الانتخابية، فإن هذه القوى الثلاث ستتنافس على الجمهور الشيعي نفسه، ما يعني أن مقاعد ائتلاف دولة القانون، التي تجاوزت المئة في الدورة السابقة، قد تنخفض إلى نحو 30 بل إنّ تقديرات بعض المراقبين تهوي بحظوظ المالكي في البرلمان المقبل إلى ما دون الـ15 مقعدا.
ولم تقف خسائر المالكي عند حد العبادي والعامري، بل امتدت لتشمل الحزب المدني الذي قرر بدوره أن يخرج من ائتلاف دولة القانون، ليخوض الانتخابات المقبلة منفردا.
ووفقا لهذه الخارطة، تحوّل المالكي من منافس شرس على لقب “الفائز الأكبر” في الانتخابات المقبلة، إلى ساع للبقاء في المشهد. ويقول مراقبون إن زعيم ائتلاف دولة القانون سيعاني في بناء مفردات خطابه الانتخابي، بعدما خسر مرتكزات مهمة، أبرزها الحشد الشعبي.
ويحرص المالكي على تذكير العراقيين بأنّه هو صاحب فكرة تشكيل الحشد، وهو عبارة عن تجمّع لمتطوّعين غير نظاميين في الحرب على داعش، جرى توزيعهم على فصائل قتالية لمواجهة زحف تنظيم داعش في العراق، صيف العام 2014.
ولم يعد ممكنا، بالنسبة للمالكي، الحديث عن الحشد الشعبي، بعدما نظم ممثلو هذه القوة، أنفسهم في تجمّع انتخابي منافس، وباتوا يحتكرون الحديث عن “تضحياتهم”، ويخططون لاستثمارها انتخابيا.
كما لا يمكن للمالكي تذكير الناخبين بأحداث شهدتها البلاد في ولايته الثانية، أهمها احتلال تنظيم داعش لأجزاء واسعة من البلاد، فضلا عن فشل حكومي كبير في توفير الخدمات الأساسية للسكان، وشيوع الفساد المالي والإداري. وعلى العكس، تحوّلت حصيلة ولاية المالكي الثانية إلى فرصة انتخابية يمكن للعبادي أن يستغلها، معتمدا على المقارنة بين عهدين، شهد الأول ضياع نحو ثلث أراضي العراق، فيما شهد الثاني استعادة هذه الأراضي جميعها.
وبالنسبة للأوساط السياسية العراقية، فإن منافس العبادي الأول في الانتخابات المقبلة، لن يكون المالكي، بل قوى الحشد الشعبي المدعومة من إيران. ولا يخفي قادة هذه القوى طموحاتهم في تولي منصب رئاسة الوزراء، الذي كان لشهور خلت هدف المالكي الأول.