سوتشي، أو بالشركسية، وهي لغة أهلها الأصليين، "ساتشا"، تعني رأس السيف، هي مدينة شركسية خالصة على البحر الأسود، لكنها اليوم لا تحتضن أي شركسي؛ بسبب المذابح التي قامت بها القيصرية الروسية في القرن الـ19 والتي أدت إلى تهجير أهلها إلى الدولة العثمانية عام 1864م، وهو ما يجعل أحد السوريين المهجّرين اليوم يتساءل: "كيف لسوتشي المحتلة أن تعيد سوريا ﻷهلها؟!، بحسب ما ذكر موقع "الخليج أونلاين" في تقرير لها.
وأشار الموقع الى أن "هذه المدينة الساحلية، التي باتت مقر إقامة رسمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحتضن مؤتمراً يوم 29 و30 كانون الثاني 2018، يجمع أغلب السوريين الثائرين على حكم آل الأسد المستمر منذ نصف قرن، والذين هجّرهم نظام بشار الأسد بعد أن دمر مدنهم على مدى السنوات السبع الماضية، على أن هدف المؤتمر الوحيد هو تصفية قضيتهم بالكامل".
ولفتت الى أن "الجانب الروسي لم يحاول من طرفه أن يبدد مخاوف المعارضة من المؤتمر، الذي من شروطه عدم المطالبة برحيل بشار الأسد، كما سبق أن صرّح المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، كشرطٍ لحضور المؤتمر، الذي أطلق عليه "الحوار الوطني السوري!".
من جانبه، حسم رئيس الهيئة التفاوضية السورية المعارضة، نصر الحريري، قبل يومين من المؤتمر، الجدل حول المشاركة في مؤتمر سوتشي، ليؤكّد مقاطعة المعارضة له.
وأضاف الحريري، في مؤتمر صحفي من فيينا، حيث كانت تجتمع المعارضة برعاية الأمم المتحدة وحضور المبعوث الأممي، ستافان دي مستورا: "لقد قرّرنا بتصويت حرّ ديمقراطي، كان قرار الهيئة عدم المشاركة في مؤتمر سوتشي"، مبيّناً أن "الشعب السوري دفع ثمناً باهظاً خلال الفترة الماضية"، وأن الجهود ستتواصل لإيجاد حلٍّ مشترك للأزمة السورية.
كما أصدر نحو 40 فصيلاً عسكرياً سوريّاً معارضاً، من أبرزها جيش الإسلام وحركة أحرار الشام، في الـ16 من يناير الجاري، بياناً مشتركاً أعلنت فيه رفضها القاطع لمؤتمر سوتشي.
- واشنطن السبب
يقول الدكتور باسل الحاج جاسم، الخبير في الشؤون الدولية والمطلع على مسار مؤتمر "أستانة"، إن كل ما كشف حتى الآن حول سوتشي يوضح أنه ليس بديلاً عن جنيف، الذي يعاني موتاً سريرياً بـ"رغبة أمريكية غير معلنة"، كما قال.
وأوضح الحاج جاسم أن "سوتشي خطوة ستليها خطوات كثيرة، ونتائج تلك الجهود مرتبطة بمدى التغيير العسكري في المواقع داخل سوريا، والصيغة الأنسب له هي النسخة السياسية لمسار أستانة".
وأوضح أن "رغبة واشنطن لن تتغير بتفعيل جنيف إلا إذا تغيرت المعادلات على الأرض السورية، بما يخدم مشروع واشنطن، الذي لا علاقة له لا بسوريا ولا بالسوريين"، متهماً إياها بأنها "حاولت الضغط وإدخال الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا والناتو إلى مفاوضات جنيف، ولكن دعمها تلك المجموعات في محاربة داعش لم يتمكن من إضفاء شرعية على ذلك".
وبيّن أن "وجود هذا الامتداد في سوريا لا يختلف عن وجود داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية؛ لذلك فإن مسار جنيف لا يعنيها إلا من ناحية رغبتها في الاستفادة بمزيد من الوقت وإشغال الأطراف الدولية والسورية ريثما تتمكن من ترتيب واقع جديد يناسبها في سوريا".
- كواليس الدعوات
طيلة شهر كانون الأول الماضي كان يجري العمل على تحضير الدعوات للحضور، وحددت الخارجية الروسية في 18 كانون الأول الماضي، سقف مشاركة المعارضة في المؤتمر بالتخلي عن فكرة عدم بقاء الأسد في السلطة.
وفي إصرار واضح، حددت روسيا عدد المشاركين في المؤتمر بـ1600 عضو (من الجانبين؛ المعارضة والنظام)، وهو الأكبر على مستوى جميع المؤتمرات التي عقدت حول سوريا، بحسب ما أكده ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، الشهر الماضي، بهدف تمثيل جميع فئات الشعب السوري، شرط موافقة رأس النظام السوري (أي بشار الأسد) على اللجنة الدستورية التي سيشكلها المشاركون في سوتشي.
لكن معارضين سوريين اعتبروا مساعي موسكو هذه بتجميع أكبر عدد ممكن من المدعوين، بهدف أخذ غطاءٍ دوليٍّ لمؤتمرها؛ لتمرير حلّها السياسي الذي يُجيز بقاء الأسد في السلطة.
بحسب قائمة المشاركين في "سوتشي"، فقد قسمت على 5 أقسام، أشرف عليها كلٌ من المعارضين ريم تركماني، ورنده قسيس، وهيثم مناع، وأحمد الجربا، بالإضافة إلى "قائمة تركيا"، وقائمة العقيد الروسي كريفوروتشكو، والجنرال الروسي "زورين".
سعاد خبية، الصحفية والمعارِضة السورية، كانت أحد الذين تم التواصل معهم لحضور المؤتمر، روت لـ"الخليج أونلاين" أن إحدى الشخصيات تواصلت معها وكانت من معارفها وعرضت عليها فكرة الحضور بصفتها ناشطة معروفة وذات مصداقية.
وأضافت قائلة: "تناقشنا حول وضع النظام وروسيا والعلاقة بينهما وتمسك روسيا بالأسد وكان هذا رأياً حينها، ولم تكن قد صدرت بعدُ تصريحات الروس بخصوص أن من يرغب في حضور (سوتشي) يجب أن يكون موافقاً على فكرة بقاء الأسد".
وأوضحت أنها طرحت الأمر على مجموعة من زملائها وتناقشت حول الدعوة والمؤتمر. وكما دائماً الوضع السوري في حالة مد وجزر واختلاف، انقسمت الآراء بين من يقول إن الحضور جيد؛ حتى لا نترك مقعدنا فارغاً دائماً، ومن رأى أن الأمر للبصم والتوقيع على ما يريده الروس".
ولفتت في حديثها إلى أنه "تم تزيين الأمر من قِبل الجهة الراعية، وتصويره على أنه واجب وطني، علينا ألا نتركه للآخرين". لكنها في الوقت نفسه، أضافت: "كان قراري الحاسم بعدها، هو عدم الحضور، وقلت للجهة الراعية إن الروس لن يدعونا للنقاش والتفاوض، الروس يريدون منا أن نكون شهود زور ونبصم على تصفية قضيتنا، وهذا ليس مكاني ودوري".
ووصفت الصحفية السورية المعارِضة، المؤتمر بأنه "لتصفية القضية السورية، وفرض رؤية روسيا وإيران والنظام علينا كسوريين ثوريين، وهو سيقوِّض مرجعية جنيف الدولية، ويميِّع القرارات الدولية التي تساند القضية السورية لتصبح مرجعيتها روسيا، وهذا أخطر ما في المؤتمر".
ووفق مصادر مطلعة على توجيه الدعوات، فإن موسكو تواجه مآزق في جمع الأعضاء الـ1600 للمؤتمر، حتى إنها لجأت إلى توجيه الجهات الراعية له، إلى جانب ما يُعرف بالدول الضامنة (إيران وتركيا)، لدعوة أي شخصيةٍ كانت، "ما دامت سوريةً وعلى اطلاع، وإن كان جزئياً، على مجريات الساحة السورية"، حتى إن بعض من تم التواصل معهم، تعجَّب من اتصال إحدى الجهات السيادية في إحدى الدول به؛ لأن مهنته بعيدة إلى حد ما عن "السياسة".
أحد هؤلاء الذين تلقوا اتصالاً، امتنع عن كشف هويته، ذكر أن جهة سيادية اتصلت به وأبلغته أنه مدعوٌّ للمؤتمر بصفته ناشطاً، ما أثار تعجُّبه وظن في البداية أنها "دعابة من صديق".
وتابع قائلاً: "بحثت عن مصدر الاتصال، فتأكدت أنه حقيقي وأن مؤسسة معنيَّة بالشأن السوري هي من رشَّحت اسمي، وأخبرني من ينسِّق الدعوات في هذه المؤسسة بأن الوفد يحتاج دعماً تقنياً، وتوجد مغريات مادية قيِّمة ومعنوية".
ولفت إلى أن منسق الدعوات أخبره بأنه يجب الحضور؛ لتسجيل موقف في المؤتمر، لكنه (المدعو) استدرك وبحث عن المؤتمر وأجندته ليجده يهدف إلى تصفية القضية السورية، وأن روسيا تريد فقط "تعبئة المقاعد" بغض النظر عن وزن الشخصيات الحاضرة، وجعلهم يوقِّعون على "الأجندة الروسية التي تشرعن بقاء الأسد".
كما ذكر "المدعو للمؤتمر" أن أصدقاءً له حذَّروه من السفر إلى "سوتشي"، ووصل الأمر إلى تحذيره بأن علاقتهم معه ستنتهي إن حضر المؤتمر، معتبرين أن "حضوره خيانة وتفريط في دماء شهداء الثورة السورية وحقوق المعتقلين وثوابت الثورة المتمسكين بها، رغم كل آلات القتل العسكرية التي حاولت ثنيهم عنها".