طرفان يصران على اخراج مشروع قانون العفو الى حيز الوجود، هما "حزب الله" المتبني قضية الطفّار في البقاع و"التيار الوطني الحر" المتبني قضية إعادة المسيحيين الذين هربوا الى إسرائيل بعد العام 2000.
بين الطرفين يبدو "تيار المستقبل" عاجزاً عن الحصول على وعد في شأن الموقوفين الإسلاميين، على اعتبار انهم موصومون بالارهاب. هذه التهمة هي على الموضة وأكثر جاذبية من الاتجار بالمخدرات او العمالة لإسرائيل، إن كانت في صفوف الحلفاء.
الهدف من اصدار قانون عفو ليس العدالة الاجتماعية بالتأكيد، وانما الحصول على أصوات انتخابية تكرس الفوز المطلق في الانتخابات المرتقبة بعد ثلاثة اشهر ونيف.
ولأن الحزب لا يجد حرجاً في جمع الشيء ونقيضه، ما دامت مصلحته تتطلب هذا النقيض، قد يبصر القانون النور، مع تجاهل تامّ للمقدّس الوهمي الذي يستمد منه مبرر ارتكاباته، الا وهو العدو الصهيوني الغاشم. ولا حرج في رفع شعار "الموت لإسرائيل" مع القبول بالعفو عن لبنانيين فضّلوا الانسحاب مع "جيش الدفاع الاسرائيلي" لأنهم يعرفون جيداً ما ارتكبت أيديهم، وعاشوا 18 عاماً في أحضان الشيطان الأصغر ونشأ ابناؤهم في بيئة صهيونية، وتستعين ببعضهم بيئتهم الحاضنة الجديدة على حواجزها لترويع الفلسطينيين والتنكيل بهم.
منع "The Post" وملاحقة المخرج زياد دويري للمزايدة في موضوع الشيطان الأصغر، لا يقارَن بموضوع هامشي مثل العفو عن أناس كانوا قد اتخذوا خيار العمالة ضد أهل الجنوب ابان الاحتلال الإسرائيلي.
مع كل هذه المعطيات البديهية، لا يصدر عن الحزب أي تعليق في شأن اصدار قانون عفو عنهم مقابل العفو عن طفّار البقاع الذين يحسب حساب أصواتهم في صناديق الاقتراع لتغيير المعادلات.
آه يا زمن.
عندما يصبح شعار المرحلة الحالية: أصوات لله يا مطلوبين... تنكشف عورات الثقة الكبيرة التي يطالعنا بها المفوّهون الذين يؤكدون انهم كـ"حزب الله"، "مرتاحون مسبقاً لأي نتيجة تكون عليها الانتخابات"، وان كل ما يهمهم هو "أنّ مروحة التمثيل المناطقي والشعبي ستكون أوسع من أي وقت مضى، وان حساباتهم ليست مبنيّة على عدد النواب المحسوبين عليهم، بل مبنيّة على سعة التمثيل"، وانهم "لا يبحثون عن أغلبية نيابية في المجلس النيابي، ولا عن الثلث الضامن أو المعطل للمجلس".
مع هذا، لا بأس بالعمل تحت الطاولة ليوضع على الطاولة قانون العفو الذي، ولغايات انتخابية، قد يعيد زرع من عاشوا 18 عاماً في إسرائيل على أساس انهم كانوا مبعدين قسراً، مقابل أكثر من 40 الف هارب من الملاحقات الأمنية والقضائية.
ويقولون ان لا قلق من تغيير المعادلات، فما ارتكبه القيّمون على الأحزاب العالمون تماماً ان الإيحاء المستمر من جانبهم بأنهم الأقوى لن يحتاج الى إعادة نظر، لأنهم يراهنون على ثقة الناخبين بهم لقدرتهم على تنظيف سجلاتهم العدلية وقت الحشرة.
وايّ حشرة أفضل من عشية الانتخابات للاستفادة من أصوات الطفّار والهاربين الى الكيان الصهيوني ليدعموا صناديقهم، ويسعون الى حجب نعمة العفو العام عن الإسلاميين، ليضربوا عصافير عدة بحجر واحد.
في التفاصيل ان قانون العفو اذا ما صدر، سيكون أكبر دليل على ان الإقامة في إسرائيل ليست عيباً في ذاته، بل العيب في ان يكون المقيم او من يزور إسرائيل او من يمر إسرائيلي على مقربة منه، مصادفة، اذا كان خارج لبنان، ضد مشروع الممانعة او ان يحضر فيلم "The post"، حينها يصبح المعني عميلاً حتى قبل اجراء أي تحقيق او محاكمة.
في التفاصيل ان تجربة الانتخابات البلدية في بعلبك تحديداً، ولمن يحاول التناسي، ضربت المعتدّ بقوته ضربة استوجبت تغيير ما في الصناديق وإعلان الفوز بفارق بسيط، فكيف العمل وكيف الامر مع القانون النسبي الذي يحرج ويخرج، في حين ان المطلوب مصادرة البلد شرعياً ودستورياً بعد مصادرته أمنياً وبلطجياً.
المفارقة ان المطالبة بقانون العفو تترافق مع ارتفاع نسبة الجريمة في لبنان.
وترتفع نسبة القرف عند الإشارة الى ان قانون العفو يشمل ميشال سماحة، إضافة الى غاياته الانتخابية.
ميشال سماحة الذي ضبط بالجرم المشهود صوتاً وصورة واسلحة، قد يشمله قانون العفو. اما معظم الموقوفين الإسلاميين فلم يخضعوا لمحاكمات، ومنهم من أوقف بناء على وثيقة اتصال بلا أي اتهام واضح أو دليل، كما يقول من يتبنى الدفاع عن قضيتهم.
السبب ان في محور الممانعة إرهاباً بسمنة وإرهاباً بزيت. إرهاب سماحة مغفور، فهو لم يرتكب هذه الجريمة بالذات، وإن أعد العدّة لها. لكن هل تم التحقيق معه في شأن جرائم وتفجيرات قيل ان نوع المتفجرات التي عثر عليها في سيارته تشي بعلاقة وثيقة مع تفجيرات حصلت.
عفواً، فالبراعة لدى الجهات الأمنية ايضاً تخضع لمعادلة السمنة والزيت. فقد حلّت عقدة محاولة اغتيال مسؤول "حماس" برقم قياسي وأُلقي القبض على المتهم في تركيا، في حين ان الجرائم التي تنظف الطريق امام محور الممانعة، لا حل لطلاسمها.
كذلك لا حل لطلاسم اطلاق سراح وتنظيف سجل عدلي لنحو 40 ألف مطلوب بتهمة الاتجار بالمخدرات إضافة الى قتل عناصر أمنية أثناء ملاحقتهم، مقابل 5000 فرّوا الى الكيان الصهيوني، واستثناء 1200 موقوف بتهمة الارهاب، مع ما يمكن ملاحظته لجهة النعرات الطائفية التي قد يتسبب بها الاستثناء.
ولا عجب، ذلك ان المطلوب مزيد من شحن البيئة السنّية ضد الحريري حتى يبقى رهين "الاستقرار" الذي يمنحه إياه "حزب الله" ومعه رئاسة الحكومة بالطبع.
وتلك لعمري، نعمة العفو ومشتقاته.