عكس هجوم شنه تنظيم داعش في عمق الأراضي الإيرانية استعجال طهران في الإعلان عن القضاء على تنظيم داعش في العراق، على عكس الولايات المتحدة التي ترى أن الحرب ضد التنظيم مستمرة، وأن قوات التحالف الدولي الذي تقوده ماضية في شن هجماتها على أوكار التنظيم في العراق وسوريا.
وأعلنت السلطات الإيرانية، ليل الأحد، عن مقتل أربعة أفراد من الحرس الثوري بينهم ضابط، في اشتباكات مع عناصر من تنظيم داعش في منطقة أزكلة (بمحافظة كرمانشاه) الحدودية مع العراق.
ويكشف الهجوم الذي شنه التنظيم الإرهابي داخل الأراضي الإيرانية بالقرب من الحدود العراقية عن عزم داعش على اختراق الساحة الإيرانية التي لطالما اعتبر جنرالات الحرس الثوري أن تدخل القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، ناهيك عن قائد “فيلق القدس″ قاسم سليماني في العراق وتأسيس ميليشيات الحشد الشعبي، هو من أجل الدفاع عن الأمن الاستراتيجي الإيراني.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية “إرنا” عن القائد في القوة البرية للحرس الثوري العميد محمد باكبور القول إنه جرى القبض على 16 عنصرا من تنظيم داعش، وقُتل عدد آخر في عمليات جرت ضد مجموعة كانت تتألف من 21 عنصرا.
وترى مصادر إيرانية مستقلة أن أي تمكّن لتنظيم داعش في التوسع والتغلغل داخل الأراضي الإيرانية سيكون كارثة أمنية على الجمهورية الإسلامية، وربما أكبر من تلك التي سببها التنظيم في العراق وسوريا.
ويضيف هؤلاء أن العزلة التي تعيشها إيران داخل المجتمع الدولي بسبب العقوبات من جهة واحتمال انهيار الاتفاق النووي إذا ما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق من جهة أخرى، سيحرمان إيران من تعاون دولي شامل ضروري للقضاء على التنظيم.
وقالت مصادر عسكرية إيرانية حول اشتباك ليل الأحد إن اثنين من الإرهابيين هربا أثناء الاشتباك، إلا أنهما الآن محاصران من قبل قوات مقر “النجف الأشرف” بالحرس الثوري.
وتنقل هذه المصادر عن دوائر مقربة من وزارة الدفاع في إيران أن طهران تنظر بقلق إلى الاشتباك الأخير الذي يعبر عن أعراض خطيرة تضاف إلى ذلك الاختراق الكبير الذي تحقق إثر الهجوم المزدوج الذي قالت الأجهزة الأمنية آنذاك إن داعش نفذه ضد البرلمان ومرقد آية الله الخميني في 7 يونيو 2017.
وكان منفذو الهجوم آنذاك جميعا من الأكراد الإيرانيين من المنطقة الكردية الواقعة غرب إيران على مقربة من الحدود العراقية.
وأطلق الحرس الثوري الإيراني عدة صواريخ على قواعد “داعش” في سوريا، في 18 يونيو الماضي، ردا على هذا الهجوم.
وتقول المعلومات إن الوزارات المعنية بالدفاع والأمن في إيران تدرك أن عملية القضاء على تنظيم داعش، والتي لم تنته بعد، تطلبت تشكيل تحالف دولي من حوالي 60 دولة واحتاجت أيضا إلى تنسيق كامل بين واشنطن وموسكو وعواصم إقليمية من أجل تبادل المعلومات وتضافر الجهود الأمنية والعسكرية المباشرة وغير المباشرة، بما في ذلك عقد تفاهمات محلية في سوريا والعراق لمحاصرة التنظيم داخل المناطق التي يسيطر عليها.
وتضيف المعلومات أن وضع إيران الدولي سيحرمها من عمليات تبادل المعلومات كما الدعم العسكري الذي أصبح من أبجديات أي مسار جدي ناجع للقضاء على داعش وعلى كافة التنظيمات الجهادية الإرهابية في المنطقة، كما أن المأزق الإيراني في علاقات طهران مع المحيط العربي يحرم طهران من أي إمكانية لأي تعاون إقليمي في هذا الصدد.
غير أن خبراء في الشؤون الإيرانية يعتبرون أن استحقاق مواجهة الخطر الداعشي ليس تفصيلا داخل الجمهورية الإسلامية التي تعاني من قلاقل واختلالات داخل المناطق الكردية كما في بلوشستان والأحواز وغيرهما، ناهيك عن أن الشارع الإيراني ما زال متوترا منذ اندلاع المظاهرات الأخيرة التي انفجرت شرارتها الأولى في مدينة مشهد في أواخر ديسمبر الماضي قبل أن تمتد إلى العشرات من المدن الرئيسية الأخرى بما فيها طهران.
وفي هذا الصدد أيضا ترى أوساط إيرانية معارضة أنه، ومع الاعتراف بإمكانية قيام داعش بالانتشار وشن عمليات داخل إيران، إلا أن شكوكا تدور حول سعي سلطات الأمن في إيران إلى رعاية عمليات إرهابية من هذا النوع.
وأضافت أن طهران يهمها النفخ في هذه الأشرعة بغية شد أنظار الإيرانيين إلى خطر كبير مزعوم يتهدد أمنهم، في محاولة لكبت حالة الامتعاض العامة التي تسود البلاد جراء تراجع الوضع الاقتصادي والتي عبرت عن نفسها بشكل مقلق من خلال المظاهرات الأخيرة داخل البيئات الاجتماعية والتي من المفترض أنها موالية للمرشد الأعلى علي خامنئي ولرجال الدين والتيار المحافظ في البلاد.
ويقول خبراء دوليون في شؤون مكافحة الإرهاب إن الأجهزة الدولية الكبرى تعرف مدى تورط إيران في دعم المنظمات الجهادية، وإن العلاقة بين الأجهزة الإيرانية وتنظيم القاعدة قبل سنوات أضحت معروفة ومثبتة، وإن العلاقة مع داعش هي جزء من استراتيجية تعتمدها طهران لتحريك سوق الإرهاب في العالم بصفته أداة تقليدية من أدوات السياسة الخارجية الإيرانية منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979.