تشي الحملات المتبادلة خلال الاسبوع الماضي بين إعلام «حركة امل» و«التيار الوطني الحر»، بأن العلاقات ماضية الى مزيد من التأزم السياسي والانتخابي، خاصة اذا تأكد ان معركة صيدا – جزين الانتخابية ستكون بين لائحتي «امل» و«التيار»، ما يعني انها معركة تثبيت الحضور السياسي لكل طرف سواء في المجلس المقبل او في الحكومة المقبلة. وربما تكون معركة تشكيل تكتلات نيابية كبرى في ظل الاصطفاف الحاصل بين تياري «المستقبل والحر والقوات اللبنانية» من جهة، وبين «الثنائي الشيعي» وحلفائه من جهة اخرى، ما فتح الباب على تأويلات شتى بأن الاصطفاف وبالتالي الانقسام، السياسي سيكون بين اكثر من فريقين بوجود تيارات وقوى بين الطرفين وتشكل وزنا سياسيا ونيابيا مثل النائب وليد حنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي وآخرين.
معركة على رئاسة المجلس واحتمال تمديد ولايته حتى الإنتخابات الرئاسية
وتدخل عوامل اخرى خارجية على خط محاولة فرض الاصطفافات والتحالفات الجديدة، منها الضغوط الاقليمية والدولية على «حزب الله» ولبنان، والتي قد تؤدي الى تحالفات تختلف عما يتم تداولها، لا سيما بين الحزب و«التيار الحر» بعد اعلان الحزب و«حركة امل» تحالفهما في كل الدوائر التي يتواجد فيها الطرفان، ومنها دوائر يتواجد فيها «التيار الحر»، خاصة في دوائر بيروت الثانية وبعبدا وربما في صيدا – جزين. اضافة الى ان ثمة شروطا قد تفرض على لبنان في مؤتمرات الدعم في روما وباريس، منها اقتصادي – مالي يفرض ما تصفه الدول المانحة «إصلاحات بنيوية في الاقتصاد والمالية العامة»، ومنها سياسي يتعلق بـ«حزب الله»، عبر العقوبات الدولية المفروضة عليه، ما يمكن ان يُفسّر على انه محاولة للضغط على الحلفاء المفترضين ومنهم «التيار الحر»، خاصة اذا قرر التيار التحالف مع «تيار المستقبل» وهو الاتجاه الرائج، فيما «المستقبل» اعلن على لسان امينه العام احمد الحريري قبل يومين بأن التحالف مستحيل مع «حزب الله»، وكذلك اعلنت «القوات اللبنانية» على لسان الوزير بيار بو عاصي عدم التحالف مع الحزب في دائرة بعبدا وسواها من دوائر مشتركة!
«سيناريو شيطاني» حول إنعكاسات الإصطفافات السياسية بعد الإنتخابات النيابية
في المحصلة فإن التجاذب السياسي والانتخابي سيكون على اشده اذا استمر الخلاف، وثمة من يتوقع ان تنعكس هذه الخلافات بعد تشكيل البرلمان الجديد على تشكيل الحكومة، فتطول عملية تشكيلها الى موعد الانتخابات الرئاسية التي تلي نهاية ولاية المجلس بأشهر عدة، وثمة من يذهب في هذا «السيناريو الشيطاني» والخطير الى الاعتقاد بأن يُصار الى تمديد ولاية المجلس الجديد من حزيران 2022 حتى موعد الانتخابات الرئاسية في نهاية تشرين الاول يوم انتهاء ولاية الرئيس عون، ولكن يبقى هذا الاعتقاد مرتبطاً بالتكتلات الجديدة والاصطفافات السياسية التي تنشأ وموقع العديد من القوى الاساسية من هذه الاصطفافات مع او ضد او على الحياد.
وهناك من يعطف على هذا السيناريو، امكانية عدم تصويت نواب «التيار الوطني الحر» لانتخاب الرئيس نبيه بري رئيسا للمجلس المقبل، بعدما «رد بري الاجر» للتيار بعدم انتخاب الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية، بعدما امتنع نواب التيار عن انتخاب بري لرئاسة مجلس العام 2009، فباتت لعبة تبادل لكمات او عض اصابع على حلبة المجلس النيابي، دخلت في متاهات ودهاليز اخرى ليس اقلها اللعب على موضوع الصلاحيات والمشاركة وتطبيق اتفاق الطائف ودستوره، وهنا باتت الخطورة الاكبر.
ومن هنا جاء دخول النائب طلال ارسلان امس الاول، على خط موضوع المشاركة، عبر طلبه من الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري «ان يحسما مسألة تمثيل الأقليات العددية في الدولة بشكل لائق ومرموق، لتثبيت ما ينادون به بالشراكة الوطنية، وتساءل، أليس أضمن للبلد ومصلحته وشراكة أبنائه بحجز ما يسمّى الحقائب السيادية للطوائف الذين ليس لهم توقيع فاعل في تركيبة النظام؟ ريثما نصل الى العلمنة الشاملة او إلغاء الطائفية السياسية؟ أليس هذا أضمن للاستقرار العام من إلغاء البعض لصالح الآخر؟». ليضيف: «لن نقبل بهذا التهميش ولن نسكت عنه مهما كلّف ذلك من ثمن، فإذا طالبنا بحفظ حقوق الأقليات العددية نُتهم بالطائفية، والذي يأكل الأخضر واليابس في الوظائف والوزارات والتعيينات يصبح الوطنيّ الذي يريد الكفاءات على حساب المحسوبيات».
قد لا يكون دقيقاً هذا «السيناريو الشيطاني» او قد يكون مبالغا فيه بدرجة كبيرة، والأرجح انه لن يتم، لكن مجرد التداول به في بعض الصالونات السياسية والاعلامية، بمثابة مؤشر على الوضع السياسي الخطير الذي بلغته البلاد، بسبب الخلافات والانقسامات بين القوى السياسية حول ممارسة الصلاحيات وتقاسم النفوذ في الحكم.