تلك المحاولات، كما يقول الديبلوماسي، إصطدمت بقرار دولي أميركي أوروبي مانع لها، خشية ان تفتح لبنان على أزمة كبرى قد لا تنحصر مواجهاتها في الميدان السياسي بل قد تتجاوزه الى الميدان العسكري والامني الذي قد لا ينحصر ضمن البقعة اللبنانية، بل قد يتوسّع الى ما هو أبعد اقليمياً وعلى نحو يصعب فيه من الآن رسم الصورة التي ستنشأ عن مثل هذا الوضع في لبنان ومحيطه.
وثمّة نصائح وردت تِباعاً الى مستويات سياسية وغير سياسية في لبنان لعدم الاستخفاف بالعامل الأمني بل إحاطته برعاية استثنائية، لمسناها بالفعل من جهود الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية التي حققت إنجازات مشهودة ومتتالية في الآونة الاخيرة، ولا سيما على صعيد كشف الخلايا الإرهابية وتوقيف الارهابيين.
إحباط محاولات تعطيل الانتخابات، معناه في رأي الديبلوماسي الغربي، انّ في إمكان اللبنانيين الذهاب الى انتخاباتهم في أيار المقبل من دون مؤثرات خارجية، بصرف النظر عن النتائج التي ستنتهي اليها، والتي أيّاً كانت طبيعتها وأيّاً كان شكل الأكثريات التي ستفرزها، وحتى ولو ربح فيها «حزب الله» وحلفاؤه، وحتى لو حصل ذلك فعلاً، فلن يكون ذلك باعثاً للقلق من ان يسيطر الحزب على لبنان، فهذا امر صعب جداً، ولا نعتقد انّ الحزب في وارد هذه المغامرة المكلفة عليه خصوصاً وعلى لبنان بشل عام، وثمّة تجربة عاشها لبنان بَدا فيها «حزب الله» وحلفاؤه يملكون اكثرية وحكموا من خلالها في عهد حكومة نجيب ميقاتي، ولكن حكمهم لم يكن فيه «حزب الله» حاكماً بأمره، بل بقي هذا الحكم محكوماً للتركيبة اللبنانية.
نحن على يقين تِبعاً لِما نعرفه ونلمسه، يقول الديبلوماسي الغربي، انّ غالبية الأطراف اللبنانية ترفض بعضها البعض الى حد التمني بإلغاء ومحو وجود بعضها البعض. لكنّ تركيبة لبنان، هي التي ستفرض نفسها، وستتحكّم بالتالي بنتائج الانتخابات المقبلة، على قاعدة اللاغالب واللامغلوب، وانّ أحداً في لبنان لا يملك القدرة على إلغاء الآخر، حتى ولو رغب بذلك.
معنى هذا الكلام انّ لبنان مقبل على تجديد حيويته البرلمانية، في انتخابات لا تحدث تبديلات جذرية ونوعية او انقلابية لا في صورته السياسية ولا في شكل نظامه السياسي، ولا في شكل صورة الحكم فيه لا رئاسياً ولا في الحكومة ورئاستها ولا المجلس النيابي ورئاسته.
وحرص الغرب على إجراء الانتخابات نابع من انّ الصورة السياسية التي ستنجم عنها ليست مُستفزّة له بل صورة مُستنسخة بشكل شبه كامل عن الصورة الحالية، وقد أشار الديبلوماسي الغربي بوضوح الى هذه المسألة، وبقدر ما الحرص الغربي كبيراً على الاستقرار السياسي، كذلك الحرص وربما اكبر بكثير على إبقاء لبنان في مدار الاستقرار الأمني. لماذا؟
- لأنّ تفجير لبنان يشكل شرارة قد تفجّر كل المنطقة.
- لأنّ أيّ خلل أمني في لبنان سيؤدي الى انفجار القنبلة الموقوتة المتمثّلة بملف النازحين السوريين، بما سيفتح حتماً باب هجرة هؤلاء في اتجاه الغرب وأوروبا تحديداً، بما يفاقم العبء الذي يُثقل بعض الدول جرّاء تنامي الارهاب فيها.
- لأنّ الاولوية حالياً هي للملف السوري الذي يتجاذبه الميدان العسكري، وكذلك محاولات صياغة تسوية للأزمة السورية. هنا، يستحضر الديبلوماسي الغربي ما يجري في عفرين والتحرك العسكري التركي في اتجاهها. ويقدّم قراءة للوضع هناك، يَستهلّه باستعارة جملة معبّرة للرئيس المصري السابق حسني مبارك قالها في بداية ما سمّي «الربيع العربي» تقول: «المتغطّي بالأميركان عريان»، هي جملة تنطبق على ما بات يصطلح على تسميته «الربيع الكردي».
بحسب قراءة الديبلوماسي الغربي، انه لا يجب الاستهانة بما يجري في هذا الجيب الكردي في الشمال السوري، اذ قد يؤدي الى إعادة خلط أوراق كل المنطقة.
خصوصاً انّ قوى دولية كبرى تتصارع فيها؛ الولايات المتحدة الاميركية لم تعترض على إطلاق رجب طيب اردوغان حملة عسكرية ضخمة، تحت مسمّى «عملية غصن الزيتون»، للسيطرة على عفرين لمنع قيام كانتون كردي قرب الحدود التركية الجنوبية مع سوريا. ويبدو جلياً انّ غَضّ النظر الاميركي عن هذه الحملة يرمي الى منع أو اعاقة استدارة تركيا نحو المعسكر الروسي.
وعلى خط مواز، يقول الديبلوماسي: حصل اردوغان على «ضوء أخضر» من روسيا للمضي قدماً في الاندفاعة العسكرية ضد الأكراد، وذلك بناءً على تفاهمات غير معلنة جرى الاتفاق عليها في قمة يالطا نفسها، والتي كشفت ملامحها بعض وسائل الإعلام الروسية سريعاً، واضعة إيّاها ضمن معادلة «عفرين مقابل إدلب».
وهنا لم تكن مصادفة، على الإطلاق، أن تبدأ العملية العسكرية في عفرين، بالتزامن مع التقدّم الميداني الكبير الذي أحرزه الجيش السوري، مدعوماً من روسيا، في محافظة إدلب السورية. ويَشي هذا التحوّل أو تلك المقايضة، بتغيّرات دراماتيكية في الاستراتيجية التركية في الأزمة السورية.
اضافة الى ذلك، يحدّد الديبلوماسي ثلاثة أهداف روسية من إعطاء الضوء الأخضر للأتراك في عفرين:
الأوّل، هو ضمان الدور الإيجابي لتركيا في العملية السياسية قبل أيام من انعقاد مؤتمر سوتشي.
والثاني، قطع الطريق أمام التشويش الأميركي على المؤتمر المذكور، وتجنّب أية عرقلة ميدانية للتقدّم الجاري في إدلب (على غرار ما حدث في هجومي الهاون والطائرات المسيرة على قاعدتي حميميم وطرطوس).
والثالث، كبح الاندفاعة الاستقلالية للأكراد، من خلال إسقاط مقوّمات الكيان المستقل، وهو هدف يتماشى مع الخطوط العريضة للحل السوري، وفق الرؤية الروسية، والقاضي بتشكيل نظام سياسي في سوريا، بات يختصر بعبارة «أقل من فدرالية... أكثر من لا مركزية موسّعة».
خلاصة قراءة الديبلوماسي الغربي انّ عفرين تمثّل اليوم مفترق طرق أمام الأزمة السورية: فإمّا أن تمضي العملية التركية وفق حدود زمنية تتماشى مع إيقاع تسوية استانا - سوتشي، وإمّا أن تطول أكثر من اللازم، لتتعقّد بذلك الامور مجدداً وتصبح فرَص التفجير أكثر احتمالية. والاكثر وضوحاً على مفترق الطرق هذا انّ الوضع في كل المنطقة ليس مطمئناً، وعناصر التفجير اكبر وأكثر من أيّ وقت مضى.