الأمر لا يتصل حصراً بحرية الإعلام. ثمة تيار سياسي إعلامي يزداد فجوراً. من يدخل فلسطين المحتلة ويعمل لخدمة العدو ثقافياً وفنياً، لا يجد قاضياً للادعاء عليه. أما من يسخر من شخص تحدّث عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فيعاجله القضاء بادعاء وإحالة على المحكمة. فيوم أمس، فوجئ اللبنانيون بانتشار خبر يفيد بأن النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود طلب من النائب العام في جبل لبنان القاضية غادة عون الادعاء على الإعلامي هشام حداد، وإحالته على محكمة المطبوعات. والجرم؟

الإساءة إلى ولي العهد السعودي. حتى ليل أمس، لم يتضح ما إذا كانت النيابة العامة قد تحرّكت من تلقاء نفسها، أو أن أحداً غيرها قرر التطوّع لأداء دور الخادم الأمين لنظام طويل العمر الذي يعد أبناء الجزيرة بالمن والسلوى و«الانفتاح»، تحت بنادق كتيبة «السيف الأجرب».
مراجعة موضوع الشكوى تكشف أن حداد لم يُسئ لابن سلمان في ما قاله، في برنامجه على قناة «أل بي سي آي». فهو سخر مِن «توقّع» ميشال حايك بأن يتلقى ابن سلمان نصيحة بالتخفيف من تناول الوجبات السريعة! حتى بمعايير القانون اللبناني المتخلّف، لم يوجّه حداد أي إساءة لولي العهد السعودي. ربّما استُفزّ الادعاء من تلميح حداد ــ بنبرة مخفّفة وساخرة ــ إلى العدوان السعودي على اليمن، وإلى الاعتقالات التي أمر بها ابن سلمان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، اختطاف رئيس الحكومة سعد الحريري في الرابع من تشرين الثاني الماضي، وإجباره على الاستقالة.


 

 


خطورة ما جرى لا تنحصر في الدعوى، بل في المسار العام الذي تنتهجه «الدولة» في لبنان، أو على الأقل، بعض منها. قبل 10 أيام، أمر رئيس الحكومة سعد الحريري النيابة العامة بإصدار مذكرة لتوقيف قائد تنظيم «عصائب أهل الحق» العراقي، الشيخ قيس الخزعلي. جريمة الأخير أنه وقف قرب الحدود مع فلسطين المحتلة مطلع كانون الأول الماضي، وتوعّد العدو الإسرائيلي بمساعدة لبنان في وجه أي عدوان عليه. قبل ذلك، تدخّل سياسيون ومسؤولون ومصرفيون وقضاة لمنع ملاحقة المخرج زياد الدويري، رغم أنه أمضى في فلسطين المحتلة أشهراً، في مخالفة واضحة للقانون الذي يمنع «زيارة أراضي العدو». يصعب الفصل هنا بين التيار المؤيد للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، والتيار الذي لا يريد من لبنان سوى أن يكون في خدمة النظام السعودي الذي اختطف رئيس الحكومة، ويشجّع إسرائيل على الاعتداء على لبنان. والتياران نافذان إلى حد شديد الخطورة. فما يقومان به يُفقد البلاد أي منعة وطنية، ويُطبق في الوقت عينه على ما تبقى من حريات، مرة باسم الحرية الثقافية، ومرة أخرى باسم منع الإساءة إلى دولة شقيقة. وعلى سيرة «الأشقاء»، يجول ضابط استخبارات مُعتمد في سفارة دولة خليجية شقيقة، على مسؤولين رسميين، سياسيين وأمنيين وقضائيين، موجّهاً تهديداته لوسائل إعلامية لبنانية، لأنها تتحدّث عن بعض الجرائم التي ترتكبها الدولة الخليجية في اليمن وليبيا وغيرهما، وطبعاً، من دون أن يجد من يرسم له حداً ليقف عنده.
وزير العدل، سليم جريصاتي، مطاَلب بالتوضيح:
من اتخذ قرار ملاحقة حداد؟
هل تحرّك القاضي حمود من تلقاء نفسه، أم أن مسؤولاً سياسياً أوعز إليه للتدخل؟
هل مرّ بوزارة العدل طلب سعودي لملاحقة حداد؟
ما الذي يضمن استمرار هامش الحرية المتبقي للإعلام اللبناني، في ظل سطوة المال النفطي، إذا ما تقرر إغراق المؤسسات الإعلامية بدعاوى ترمي إلى إسكاتها ومنعها من انتقاد هذه الدولة أو تلك؟

مبادرة لباسيل: تعالوا إلى الدولة المدنية

على صعيد آخر، يطرح وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر صحافي اليوم «مبادرة للذهاب نحو الدولة المدنية». مصادر في التيار الوطني الحر قالت لـ«الأخبار» إن المبادرة تأتي رداً على الاتهامات الموجّهة الى العهد في الموضوعين الطائفي والمذهبي، و«اختراع الثنائية المارونية ــــ السنية، كما اخترعوا لنا سابقاً الثنائية المارونية ــــ الشيعية» بعد تفاهم التيار مع حزب الله عام 2006.
وأوضحت المصادر أن «هناك من يريد المسّ بالنظام السياسي الذي نلتزم بحذافيره. إذا كان هناك من يريد الخروج من هذا النظام الطائفي، فتعالوا جميعاً إلى الدولة المدنية. وإذا كنا مع تطوير هذا النظام، إلا أننا ضد اختراع الفزاعات. والتيار يرفض كل الثنائيات، باستثناء الثنائية المسيحية ــــ الإسلامية».