تبيّن حجم الإختلاف بين الرئاستين الأولى والثانية واتضحت أبعاد المخاوف التي لم يخفها يوماً الرئيس نبيه بري على الطائف وعلى الاستقرار الذي أرساه بعد حرب ضروس طحنت اللبنانيين ونالت منهم دون استثناء فأفقدت الطائفة التي احتلت الطوائف الأخرى لزمن دون اعتبار لشركاء دُفعوا الى الحروب بعد أن استعصت السياسة وتمّ رفض الاصلاح الذي يسد أبواب الحروب التي جعلت الوطن أطلالاً لشعب مازال يدفع أثمان الاصلاح في بنية باتت مستعصية بفعل سقوط الدولة في أحضان الطوائف .
حتى الآن يراوح الخلاف بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري مكانه بعد أن دفعا به الى نقطة أصبح التراجع عن الموقف الذي بُني عليه أمراً يخدش الرئاسة المتراجعة وهو ما فتح المجال لفضاء خلافي أوسع ليشمل الاستحقاق الانتخابي النيابي الذي سيحدد طبيعة المرحلة القادمة على ضوء التوازن الذي ستتيحه نتائج الانتخابات وماهية التحالفات التي ستُعزز من نفوذ قوى و أطراف على حساب قوى و أطراف أخرى مما يعني أن تحالف طائفتين كبيرتين سيكون على حساب طائفة كبيرة أخرى أي أن تحالف الموارنة و السنة سيكون على حساب الشيعة والعكس أيضاً مؤداه إضعاف طائفة من الطوائف الكبرى .
ثمّة همس صريح للبدء بورشة الطائف نفسه كونه أخذ من طائفة السلطة الكثير من مسؤولياتها التي كانت حصرية لها دون غيرها وبالتالي يجب بشكل أو بآخر إعادة ما فقدته بطرق من الطرق كونه ضرورة لحماية الأقليات بعد تهديد الأكثرية لها في أكثر من حرب دائرة في المنطقة وهذا ما تشير اليه الحملة اليومية لنافذين في الوسط المسيحي من خلال شدّ العصب, وتحريك الغريزة الطائفية , وبطرح جملة شعارات تستبطن استفزازاً ما, عندما يحمس المحمسون الناس على العصبية الزائدة بعد أن انتهى الزمن الذي كان فيه المسيحيون مهمشون وتابعون لهذه الطائفة أو تلك وغير المسيحية أو لصالح هذه الدولة العربية أو تلك نتيجة وصاية العرب على لبنان بفعل الطائف .
اقرأ أيضا : جنبلاط ينضم لجبهة بري مُغردًا
هذا الكلام وغيره من المواقف المعلنة إضافة الى الممارسة السياسية لتيار طائفي دفع بالمدافعين عن اتفاق الطائف الى أخذ الحذر اللازم واتخاذ التدابير الآيلة الى حفظ الاتفاق الوطني وقد انضم الزعيم وليد جنبلاط الى دائرة المواقف الخائفة على الطائف باعتباره الحصن الأخير للبنانيين ودونه ثمّة عودة الى طاحونة الموت وهذا ما سيكرس نزعات شوفينية جديدة من مهمتها خلق توتر عالي بين اللبنانيين هم بغنى غنه في ظل انقسامهم في الخلافات الاقليمية المهددة دوماً للإستقرار في لبنان .
تبدو تفسيرات المفسرين من خبراء القوانين لمرسوم" الضباط "مشروعاُ مفتوحاً على تفسيرات لقوانين الطائف وهذا ما يعكس صورة المشهد السياسي للمرحلة المقبلة خاصة اذا ما جاءت نتائج الانتخابات مُعززة للقوى المستعدة للنظر في الطائف وطبيعة الصلاحيات التي أتاحها وهذا ما سيجعل من دقّة التوازنات الداخلية هدفاً للإطاحة بها طالما أن كفّة القوة مائلة لتحالف يبغي البعض فيه إتاحة الفرص المناسبة لإعادة المُلك الضائع.
لقد دفع الرئيس نبيه بري ما يلزم للخروج من الحرب واعتبر الطائف ضرورة الممكن لفتح معركة بناء الدولة كإطار سياسي ومرجع قانوني وقال بأن التنمية ما هي الاّ المقاومة المطلوبة لمحاربة الحرمان ومازال في موقعه كرجل دولة لحماية المنجز الوطني والتاريخي رغم الكثير من التحديات الداخلية والخارجية .
وثمّة من يعتبر أن ما يُثار من كلام في غبار الخلاف القائم ما هو إلاّ لشد العصب الطائفي على باب الانتخابات النيابية ولا يمكن وضعه في خدمة التخلي التدريجي عن اتفاق الطائف طالما أن ميزان القوة في الداخل مائل الى الآخر لجهة من لا يريد التفريط بالطائف وبالتالي فإن الدول المعنية في لبنان وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ترى في الطائف خشبة الخلاص الوحيدة للبنانيين ولا إمكانية للتغيير في مضمون الاتفاق .
لهذا فإن الخلاف سيحط رحاله في نهاية المطاف عند حدود التعاون بين الرئاستين وبين الرئاسات الثلاثة كونه المعبر الآمن والوحيد لها ولا مفرّ منه.