قبل نحو ثلاثة أشهر على الانتخابات النيابية، ترتفِع وتيرة التشنجات السياسية، بعد أن شكّلت المواجهة الشرسة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري حول «مرسوم الأقدمية» أولى شراراتها. ودخلت الأزمة أسبوعها الخامس، ولا شيء يوحي بأن مسارها يتجه نحو التهدئة. ويزيد تعنّت المتخاصمين من عمق الأزمة، ما أوصلها إلى الذروة أمس مع نعي بري للدستور والطائف. ورغم الحديث عن إمكان تسبب هذه الأزمة بتطيير الانتخابات، أتى توقيع رئيس الجمهورية أمس مرسومَ دعوة ​الهيئات الناخبة​، بعد إرساله الأسبوع الماضي من وزارة الداخلية إلى مجلس الوزراء، ليقطع الشك باليقين، ويؤكد تمسّك العهد وحلفائه وخصومه بالاستحقاق في موعده.

وبعيداً عن الأزمة والانتخابات، عاد إلى الظهور التدخل الأميركي الوقح في الشؤون اللبنانية، بذريعة مراقبة القطاع المصرفي للتثبت من عدم استخدامه لتمويل حزب الله. إذ وصل إلى بيروت أمس مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسليا، بعد أن أعلن القضاء الأميركي إنشاء وحدة خاصة للتحقيق حول حزب الله واتهامه بالإتجار بالمخدرات لغايات الإرهاب. وكان لافتاً أن زيارة بيلينغسليا الذي من المتوقع أن يزور عدداً من المرجعيات في زيارته التي تستمر يومين، تحديداً من القطاع المصرفي، سبقها اجتماع للسفير السعودي في لبنان وليد اليعقوب بالرئيس السابق لجمعية المصارف فرنسوا باسيل وعدد من المصرفيين على مائدة غداء في منزل النائب السابق فارس سعيد، حيث قدّم هؤلاء بحسب معلومات «الأخبار» شرحاً مفصلاً عن «أهمية القطاع المصرفي الذي يحمي البلاد من الانهيار».
وقد استقبل رئيس الجمهورية بيلينغسليا والسفيرة الأميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد مساء أمس بحضور وزيري المالية والعدل علي حسن خليل وسليم جريصاتي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمستشارة الرئيسية لرئيس الجمهورية ميراي عون الهاشم، والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير.


 

 

 

وضعت مصادر في فريق 8 آذار زيارة الموفد الأميركي في إطار «المتابعة، وإبداء بعض الملاحظات على القطاع»، ولا سيما أن «لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي أقرت قبل أسابيع تعديلات على قانون تجفيف منابع تمويل حزب الله، ووضعته في إطار مكافحة تمويل الإرهاب»، معتبرة أن «الإدارة الأميركية ستذهب إلى فرض إجراءات جديدة بحق الحزب». ورأت المصادر التي أكدت أن لقاءات الموفد الأميركي ستشمل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وممثلين عن المصارف والهيئات الإقتصادية، أن هؤلاء «سيحاولون تدوير الزاويا مراعاة لمصالحهم، وسيتبعون أسلوباً رمادياً مع الزائر لأنهم لا يستطيعون تجاهل مكون داخلي أساسي وهو حزب الله». وكان عون قد أبلغ بيلينغسليا خلال لقائه به أنّ «​لبنان​ يشارك بفعالية في الجهود العالمية الهادفة إلى مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال»، مشدّداً على أنّ «المؤسسات الأمنية اللبنانية ساهرة على ملاحقة الخلايا الإرهابية النائمة وعلى مكافحة تهريب ​المخدرات​ على أنواعه».
من جهة أخرى، وقبل يوم واحد من مغادرة عون إلى الكويت في زيارة رسمية، وسفر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى سويسرا للمشاركة في منتدى دافوس الاقتصادي، بقيت أزمة مرسوم الأقدمية عالقة، رغم تحرّك الوزير السابق وائل أبو فاعور على خط عين التينة وبيت الوسط. إذ زار الأخير أمس الرئيس الحريري لتحريك الملف، وركّز بعد اللقاء على أن «رئيس الحكومة يبذل جهوداً مكثّفة في هذا الأمر للتوصّل إلى نتيجة». وقال: «إذا توافرت النية السياسية لإيجاد علاج، فإنّه يمكن إيجاد الأفكار الخلاقة الّتي تخرجنا من هذا المأزق، ولكن أي أفكار خلّاقة يجب أن تكون من ضمن الدستور واحترام المؤسسات و​اتفاق الطائف​، لأنّنا لا نريد أن يقودنا النقاش حول هذا المرسوم إلى استطرادات لا نحبّذ أن نخوض فيها أو نشكّك فيها أو نقتنع بها، فربما هناك محاولة لتجويف الطائف أو الخروج عليه». والتقى أبو فاعور الرئيس برّي، وأشار إلى أن «الحريري بذل في الأيام القليلة الماضية جهداً بالاستناد إلى المبادرة التي قدمها دولة رئيس المجلس، لكنها فرملت بلحظة معينة». وكان بري قد اعتبر أمس أن «الذي يطبَّق اليوم على اللبنانيين اللاطائف واللادستور»، وجاء موقفه مطابقاً لما غرّد به النائب وليد جنبلاط على صفحته على «تويتر»، إذ قال إن «خلف كل قرار تقريباً من مجلس الوزراء يجري تعميق العجز وزيادته بدل الحد منه، لكن الأخطر يجري تجويف الطائف وتفريغه بدل التمسك به وتطويره». مصادر في الحزب الاشتراكي لفتت إلى أن كلام جنبلاط هو ردّ على ما حصل في جلسة الحكومة الأخيرة «حين تمّ تمرير البند المتعلق بنقل كلية العلوم البحرية من عكار إلى البترون دون العودة إلى وزير التربية مروان حمادة، ما أثار استياء جنبلاط وحمادة، مؤكدّة أن «الأخير لن يوقّع على القرار». كذلك كتب جنبلاط مغرداً ليل أمس: «كفى تلاعباً بمصير الناس، فالفئة الرابعة والثالثة والثانية لا تخضع للتوازن الطائفي»، لافتاً إلى أن «قرار ​مجلس الوزراء​ عن الخدمة المدنية مخالف للدستور». وأضاف: «كفى تطويع انتخابي في ​الجيش​ و​الأمن الداخلي».
من جهة أخرى، حسم الرئيس عون أمس الشكوك في إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها بتوقيعه مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، الأمر الذي اعتبره وزير الداخلية نهاد المشنوق «أبلغ ردّ على كل الشكوك والشائعات، وتأكيد على أن الانتخابات ستجري في مواعيدها الدستورية ولا رجوع عن الالتزام بإجرائها».
وكان عون قد أكد عشية سفره إلى الكويت، في مقابلة مع وكالة «كونا» الكويتية، أن «الرسالة التي أحملها معي إلى الكويت لا تختلف عن تلك التي حملتها للدول، التي زرتها منذ انتخابي رئيساً للجمهورية، والتي سأزورها أيضاً، تتضمن رغبة لبنانية صادقة في الانفتاح والتعاون مع الجميع، إنما ضمن المعايير والمفاهيم المعتمدة التي تحفظ لكل بلد حقوقه واستقلاليته وسيادته واحترام خصوصيته». ولفت إلى أن «الوضع السائد في لبنان والاستقرار الذي يعيشه هو شهادة عملية وميدانية بأن الاستقرار فيه خط أحمر لا يمكن تجاوزه».