مع توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات بمراحلها الاربع، تنطلق صفارة الانطلاق الفعلي للإنتخابات التي سترسم الخريطة النيابية الجديدة التي ستحكم البلد على مدى السنوات الاربع المقبلة. وسط هذا الجو، وصل الى بيروت مساء امس، مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسليا، وزار عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، منوّهاً بالتعاون الذي تلقاه وزارة الخزانة الاميركية من مصرف لبنان، والسلطات المالية اللبنانية، واكد التزام بلاده دعم الاقتصاد اللبناني والجيش الذي اعتبر انّ دوره أساسي في المحافظة على الاستقرار في لبنان. وأكد عون للمسؤول الاميركي أنّ لبنان يشارك بفعالية في الجهود العالمية الهادفة الى مكافحة تمويل الارهاب وتبييض الاموال، من خلال مصرفه المركزي والسلطات المالية المختصة، وذلك وفق المعايير والقوانين الدولية المعتمدة. وشدد على انّ المؤسسات الامنية اللبنانية ساهرة على ملاحقة الخلايا الارهابية النائمة بعد الهزيمة التي ألحقها الجيش بتنظيم «داعش» في الجرود اللبنانية، وانّ العمليات الامنية الاستباقية أثبتت جدواها».

النتيجة الطبيعية لدعوة الهيئات الناخبة هي دخول البلد في عطلة والتفرّغ للانتخابات، الّا أنّ العلامة الفارقة هو انّ الحكومة سبقت الجميع في الدخول في عطلة غابت فيها عن مقاربة كل الاساسيات، ما خلا اجتماعات خجولة تغطي من خلالها سياسة تقطيع الوقت. وطبيعي الّا يسجّل لها اي انجاز ولو متواضع وان تتفاقم الملفات الى حد لا يعود في إمكانها ان تحتويها.

فها هي النفايات، ونتيجة العجز والتقصير والمزايدات وانعدام الرؤية السليمة لسبل معالجة هذا الملف تتراكم في مكبّات أصغر من ان تحتويها، وتزحف بحراً في اتجاه اماكن أخرى، وترتفع صرخة المواطن، ولا مَن يجيب. وها هي الكهرباء يعود ملفها الى الدوران في حلقة الاهتراء المزمن والعجز على المعالجة، اضافة الى حبل طويل من الملفات التي لم تجد لها مقاربة سليمة.

مكانك راوح

وراوحت أزمة المرسوم في سلبيتها، وتؤشّر الاجواء السائدة الى انها تزداد تعقيداً، وتحرّك النائب وائل ابو فاعور مجدداً لإحداث ثغرة في جدارها، فزار لهذه الغاية كلّاً من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري.

وقال عون: «ما من احد يجب ان يقبل ان يكون فوق سلطة القضاء ويرفض الاعتراف بقراراته واحكامه، لأنّ ذلك من شأنه ان يقوّض سلطة الدولة ويقضي على ثقة المواطنين بها وبأحكامها، ويصبح اللجوء الى شريعة الغاب الخيار البديل، وهذا ما لا يمكن ان نسمح به مهما كانت ردود الفعل، لا سيما تلك التي تتم غبّ الطلب وكلما دعت الحاجة».

وفيما قال بري: «الذي يطبّق اليوم على اللبنانيين: اللّاطائف واللّادستور»، اكدت اوساط عين التينة لـ«الجمهورية»: «لا شيء جديداً حتى الآن، ما زالت الامور في مكانها. واضح انهم لا يريدون الحل، مع انه سهل جداً، سبق للرئيس بري ان طرحه عبر إهمال مرسومي الاقدميات والترقيات والاستعاضة عنهما بمرسوم واحد يوقّعه رئيسا الجمهورية والحكومة ووزراء المال والدفاع والداخلية».

الانتخابات

الى ذلك، لم تجتمع اللجنة الوزارية للبَتّ باقتراح تمديد تسجيل المغتربين. وفيما لم تبرز اي اشارة الى سبب عدم انعقاد الاجتماع او ارجائه الى موعد آخر، قال مصدر وزاري لـ«الجمهورية»: «مجرّد توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ألغى كل إمكانية لتعديل قانون الانتخاب، وكذلك الامر بالنسبة الى المغتربين مع تحديد موعد انتخاباتهم اواخر نيسان المقبل. ومعنى ذلك انه لم يعد هناك اي فائدة او طائل من تضييع الوقت في اللجنة حول تعديل سطحي او جوهري للقانون، فالموعد تَحدّد والوقت لم يعد يسمح بذلك».

واذا كان توقيع القانون يعدّ إجراءً طبيعياً، الّا انه ينطوي على أهمية وسط الجو المشكّك بإجراء الانتخابات في موعدها، حيث جاء هذا التوقيع كردّ على ما يُثار في اوساط سياسية حول محاولات خارجية عدة لنسف الانتخابات، مقروناً بتأكيد عون أنّ الانتخابات حاصلة في موعدها، «وهي خطّ أحمر لسلامة الديموقراطية والجمهورية على حد سواء».

بدوره، اكد بري امام زوّاره على اجراء الانتخابات، وقال: «لا مفر من هذه الانتخابات، ولا تعطيل لها على الاطلاق، حتى التفكير بهذا التعطيل ممنوع، قد يكون هناك من لا يريد ان تجري الانتخابات الّا انه لن يتمكن من تعطيلها، نحن مصممون على إجرائها في موعدها المحدد، وستجري في موعدها ولن تتأثر لا برغبات ولا بأمنيات».

وتعليقاً على توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، غَرّد وزير الداخلية نهاد المشنوق بالقول: «لبنان ينتخب» لم يَعُد شعاراً بل أصبح منذ اليوم واقعاً وحقيقة، والعام 2018 سيكون عام تجديد الديمقراطية في عروق لبنان. توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة هو أبلغ ردٍّ على كلّ الشكوك والشائعات، وتأكيد على أنّ الانتخابات ستجري في مواعيدها الدستورية، وأن لا رجوع عن الالتزام بإجرائها».

مرجع أمني

في الموازاة، تزايد الحديث عن العامل الامني والتحذير من ان يشكّل شرارة التعطيل للانتخابات عبر تطورات امنية قد تطرأ في اي لحظة. الّا انّ مرجعاً أمنياً قال لـ«الجمهورية»: «الوضع جيّد وافضل من اي بلد آخر، والحضور الامني مشدّد اكثر من اي وقت مضى، والجهوزية في اعلى درجاتها، ما مَكّن الاجهزة من كشف محاولات عدة للإخلال بالامن».

اضاف: «مختلف الاجهزة تبذل جهداً لترسيخ الوضع الامني وتنقيته من اي توترات لتمرير الاستحقاق الانتخابي في جو هادىء، ولسنا قلقين على الانتخابات، والاجهزة تسخّر أقصى طاقاتها للوصول بهذا الاستحقاق الى بر الأمان».

قنبلة النفايات

من جهة ثانية، وفي ظاهرة ليست غريبة على السلطة الحاكمة وكتعبير واضح عن عجزها، إنفجرت قنبلة النفايات، وقذفَتها العاصفة من مكبَي الكوستابرافا وبرج حمود، واجتاحت باوساخها وكل ما تحمله من أوبئة الشاطئ الممتد من نهر الكلب وصولاً الى معمل الزوق.

وجالَ رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل على شاطئ كسروان وتوقف عند «هذا المشهد المقّزز»، وحمّل إدارة مجلس الانماء والاعمار المكلّفة رقابة هذه الاعمال، ووزير البيئة طارق الخطيب، والحكومة كلها مسؤولية هذه الكارثة البيئيّة، وطالب بتحرّك القضاء وباستقالة وزير البيئة الذي جال في المكان من دون اتخاذ اي تدبير.

وقال: «اننا ذاهبون الى القضاء الدولي لأنّ السلطة تعمل ضد الشعب ومن حق الشعب ان يحاسبها»، سائلاً: «هل من المعقول تحويل لبنان مزبلة كبرى؟»

الخطيب

وقال الخطيب لـ«الجمهورية»: «لا استطيع ان اجزم ما هو مصدر النفايات. أرسلتُ فريقاً فنياً لإجراء كشف ووضع تقرير، وعندما ينجز هذا التقرير أحدد مصدرها. أمّا بخصوص وضع الكوستابرافا وبرج حمود، فهناك جدار إسمنتي وأرجّح صوابية رأي مجلس الانماء والاعمار.

اضاف: امّا بشأن دعوة النائب سامي الجميّل الى الاستقالة فقد سمعته، وليس بمجرّد ان يدعوني الى الاستقالة سأفعل. كنت أتمنّى على النائب الجميّل الذي وافق من خلال 3 وزراء له على خطة الحكومة التي أقَرّت مطمري برج حمود والكوستابرافا، ان ينضَمّ الى وزراء «التيار الوطني الحر» ويعارض هذه الخطة، لا ان يوافق عليها في الحكومة ويتظاهر بمحاربتها على الارض كسباً لأصوات انتخابية من هنا وهناك.

نحن ضد وجود النفايات على اي بقعة على الارض اللبنانية وعلى الشاطىء اللبناني، لكنني لا استطيع ان اجزم او اجاري النائب سامي الجميّل في انّ هذه النفايات مصدرها برج حمود او الكوستابرافا. غداً، عندما يرفع إلي التقرير نعرف مصدرها ونضع خطة لمعالجتها».

سعيد يكرّم اليعقوب

من جهة ثانية، كان لافتاً الغداء الذي أقامه رئيس «لقاء سيدة الجبل» النائب السابق الدكتور فارس سعيد ظهر امس على شرف السفير السعودي وليد اليعقوب، في حضور عدد من الشخصيات السياسية والدينية والمصرفية والاعلامية.

وقال سعيد لـ«الجمهورية» انه اراد تكريم السفير اليعقوب «لأنه اولاً صديق، وثانياً لشكره على الجهود التي بذلها في سبيل إنجاح زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى الرياض. وجرى عرض للعلاقات الثنائية وللوضع في لبنان والمنطقة من دون الدخول في اي تفاصيل سياسية داخلية او انتخابية».

وأوضح، ردّاً على سؤال، انه لم يتبلّغ أيّ زيارة مرتقبة لموفد سعودي الى لبنان «وليس عندي أيّ مُعطى بشأن اي زيارة»، نافياً اي زيارة قريبة له الى الرياض، مؤكداً ان لا علم لديه «عن زيارات لبنانية مرتقبة الى المملكة».

وعن موقف السعودية من الاستحقاق النيابي وهل من رسائل محددة؟ اجاب: «لم ندخل في اي تفصيل داخلي. في رأيي الانتخابات ستجري في موعدها، امّا السفير السعودي فلم يُبد اي رأي في شأن هذا الاستحقاق».

وعندما سُئل: لكنّ كلاماً كثيراً قيل عن دخول سعودي مُرتقب على خط الانتخابات لاستنهاض الحلفاء؟ أجاب: «السفير اليعقوب لم يدخل في خصوصيات الشأن اللبناني، كذلك لا اعتقد أنّ السعودية على استعداد للدخول في هذا الشأن»