تشبه الاتصالات واللقاءات الجارية بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، اللقاءات التي كانت تعقد بين القوات والتيار الوطني الحر قبيل ولادة ورقة إعلان النوايا بين الفريقين المسيحيين. منذ استقالة الرئيس سعد الحريري، مروراً بتريثه وتراجعه عن الاستقالة، وعلاقة تيار المستقبل والقوات تحتاج إلى ولادة جديدة وعملية أكثر من قيصرية. تبدو العلاقة حالياً كأنها تسبق مرحلة الخطوبة، بعدما كانت زواجاً مارونياً. في إنجاز إعلان النوايا، تعبّدت طريق الرابية معراب، بفعل جهود الوزير ملحم الرياشي والنائب إبراهيم كنعان، فنجح الرجلان بالوصول إلى مرحلة تخطّت سنوات الحرب بين الحزبين. وما يحصل بين الرياشي والوزير غطاس خوري هو تكرار لسيناريو إعلان النوايا.
لدى سؤال أحد المستقبليين عن سرّ تدهور العلاقة مع القوات، وعدم إصطلاحها سريعاً بخلاف تجاوز "إنكسار الجرّة" إبان موافقة القوات على القانون الأرثوذكسي، يجيب الشخص المعني قائلاً: "صحيح أن العلاقة بين القوات والمستقبل كانت زواجاً مارونياً باعتراف قيادتي الحزبين، ولكن في المعنى السياسي الأعمق، فإن هذه العلاقة، ولدت في لحظة عفوية على حسابات سياسية وشعبية كبيرة، ولم ينشأ التحالف بناء على حوار سياسي مفصّل، إنما كان اللقاء على العنوان. لذلك، كانت العلاقة تمرّ بمحطات عصيبة، لكن السقف السياسي والتلاقي العام كان يفرض عودة هذه العلاقة إلى قوتها، فيما تبقى المشكلات بلا حلول. والإشكاليات الأكبر، كانت تكمن في كيفية توزيع المناصب في السلطة، سواء أكان على صعيد الترشيحات النيابية أم على صعيد الحصص في الحكومة. وهذا ما تحتاج إليه العلاقة حالياً لتتبلور وتتضح أكثر.
وعلى خطى إعلان النوايا، تسير العلاقة القواتية المستقبلية، بلقاءات متكررة بين رياشي وخوري. وبعد زيارة الأخير إلى معراب موفداً من الحريري، حطّ رياشي في بيت الوسط موفداً من جعجع. وتؤكد معلومات متابعة أن النقاش دخل في التفاصيل. وتتلخص وجهة نظر القوات في أنه طالما هناك إتفاق على الأمور السياسية الكبرى والخط الاستراتيجي، يجب أن يكون هناك توافق في الأمور التفصيلية والتكتكية. وتتحدث المصادر عن إيجابية في العلاقة وتقدّم بين الطرفين. لكن الأمور الجوهرية ومسألة التحالفات الانتخابية أمور ما زال من المبكّر الحديث عنها، خصوصاً أن المستقبل ما زال على ضياعه، لأن حساباته الحالية توجب احتساب التحالفات وفق الأرقام التي ترجّح كفة مرشحيه. ما يعني أن أي تحالف سيتم بناؤه على القطعة. وقد اتفق الطرفان على تكثيف اللقاءات في الأيام المقبلة، ولديهما عملياً مهلة أسبوعين لحسم خيارهما. وهذا ما سيعمل على بلورته ثنائي الرياشي- خوري.
وتفيد المصادر أن الرياشي قدم عرضاً مفصلاً للحريري بشأن مصلحته التي تقتضي بالاحتفاظ بالعلاقة الجيدة بين القوات والمستقبل، واستمرار تحالفهما، لأن انفراط عقد هذا التحالف، سينعكس سلباً على الحريري شعبياً وسياسياً، في الداخل والخارج. ولا شك أن القوات تريد من خلال إعادة إحياء تحالف متين، أن تعيد بثّ الروح في الخطاب السيادي لقوى 14 آذار، إذ لا يمكن للقوات التحالف مع المستقبل على أساس سقف سياسي منخفض، ولا وفق التسوية المنسوجة التي أطاحت بثوابت قوى 14 آذار.
في المقابل، فإن المستقبل مصرّ على استمرار التسوية بسقفها التهدوي، وعدم الذهاب إلى التصعيد، مفضّلاً الإستناد إلى الخطاب التنموي لتحفيز الناس على تأييده في صناديق الاقتراع، بدلاً من الخطاب السياسي المرتفع الذي سيشنّج الأجواء السياسية والشعبية. فيما هناك من يشير إلى أن المطلوب من المستقبل أكبر من ذلك، وربما استعادة خطاب مرحلة ما قبل العام 2009. وهذا ما يضع المستقبل بين نارين، يجد صعوبة في الاختيار بين إحداهما، لا سيما أن فريق رئيس الحكومة يرفض الذهاب إلى أي نوع من الاشتباك مع رئيس الجمهورية، مهما كانت المساعي تهدف إلى تحسين وضع العلاقة مع القوات. ويجد المستقبل نفسه في وضع لا يحسد عليه، فكل تلك المساعي لا يعني أنها ستترجم بتحالفات انتخابية. وعند أي خلل في تلك العلاقة، سيكون هناك إنعكاسات في مجالات متعددة.