الأرجح أن عين المعلوماتية تنظر إلى سنة الرئيس دونالد ترامب الأولى بإحساس مختلف عن السياق النقدي الذي تلحظه العيون القوية في السياسة والاقتصاد والنسوية وغيرها. وفي رمزية مكثّفة، تَقاطع الاحتفاء بسنته الأولى في البيت الأبيض مع نجاح اقتصادي معلوماتي مزدوج تمثل في إعلان شركة «آبل» خطة عودتها إلى أميركا، مع أموال تناهز 350 بليون دولار، وآلاف من الوظائف التقنية.
الأرجح أن ترامب حقق نجاحاً ملحوظاً في العوالم الإلكترونية يتخطى كثيراً الكليشيه الشائعة عن كونه الرئيس المُغرّد الأول. وليس التغريد الرئاسي هيّناً، بل يذكّر برأي مفكر من وزن هنري كيسنجر الذي رأى أن السياسي في القرن الـ21 يجب أن يكون «تاليران مُغَرداً» (Twitting Tallyrand). واستدراكاً، يصعب أن تنسب تغريدة ترامب الشهيرة «زرّي أكبر من زرّك» إلى الحصافة التي اشتهر بها الديبلوماسي الفرنسي شارلز تاليران الذي ساهم في إرساء سلام أوروبي استمر مئة عام بين سقوط نابليون واندلاع الحرب العالمية الأولى.
وفي سجل ترامب المعلوماتي، يبرز أولاً أنه وضع ما يمكن تسميته أول استراتيجية سيبرانية «هجينة» لأميركا، بل هي الأولى التي تقر بتغير استراتيجي عميق متصل بالعصر الرقمي، في مفهوم الدولة الكبرى في القرن الـ21. في أيار (مايو) 2017، قدّم تلك الاستراتيجية المرتكزة الى إقرار بأن الدولة لم تعد الجهة المتحكمة حصرياً بالتقنيات التي يعتمد عليها الأمن الاستراتيجي (والردع المتصل به) في الحروب السيبرانية التي باتت أبرز معطيات القوة الاستراتيجية حاضراً. إذ اعتمدت استراتيجيته على ربط شبكات الدولة المدنية والعسكرية، بما فيها التحكم بالجيوش والأسلحة، بـ «سُحُب رقمية» تُصنع أساساً لدى الشركات، وتُدار بتشارك بين الطرفين، مع استمرار اليد العليا للدولة طبعاً!
آنذاك، لم يكن عبثاً تصريح ترامب «أن صديقي بيل غيتس يستطيع أن يرشدني إلى طُرُق لسد أجزاء من الإنترنت»، لأن القدرة على الردع الاستراتيجي في الإنترنت تعتمد ذلك الأمر: سد الجزء الذي تأتي منه الهجمات، مع الاستمرار في عمل الشبكة التي تعتمد عليها أميركا أكثر من مجتمعات الأرض كلها. وأرفق ترامب تلك الخطوة بترجمة عملية عبر تشكيل «المجلس الأميركي للتكنولوجيا» ليكون جزءاً من الرئاسة، وهو الأول من نوعه تاريخياً. وتناغماً مع استراتيجيته الرقمية، جعل المجلس مختلطاً بين أركان الجيوش الأميركية ومخططي السياسات من جهة، ومديري كبريات الشركات المعلوماتية من جهة ثانية. ولا داعي للتذكير بأن هذا كان الأول من نوعه في تاريخ أميركا العسكري والسياسي.
استدراكاً، سرعان ما ظهرت شروخ في تلك الصورة مع التباين بين مواقف شركات «وادي السيليكون» وترامب، وتحديداً من المهاجرين الذين يعرقل الرئيس تدفقهم، فيما تراهم الشركات مصدراً للعقول المجددة للابتكار، وهو صلب عملها وقلب استمرارها. واللافت أن مجموعة وازنة من مديري الشركات انسحبت من المجلس «التاريخي» لهذا السبب حصرياً، وأبرز هؤلاء المستثمر العلمي آيلون ماسك، مؤسس شركتي «تسيلا موتورز» و»سبايس إكس».
إذاً، ليس السجل المعلوماتي ناصعاً، بل فيه ما يقلق إلى حد أن نجاحه (بل ربما مصير الرئيس والديموقراطية) يتأرجح حاضراً على شيفرة حادة هي «السوشال ميديا». وخلف ضجيج صاخب، يُعتقد أن ترامب يعمل على ضرب صدقية الإعلام الإخباري المهني في التلفزة والصحافة، مع ترك عقول الجمهور في أيدي «السوشال ميديا» التي ثبت بالتجربة أنها لا تصلح لأن تكون مصدراً للإعلام العام. وخلال السنة الأولى لترامب، توضّح ذلك في أوروبا وأميركا، بإقرار من شركات تلك الميديا (مثل «فايسبوك») في شأن موقعها في الأخبار وموثوقيتها. ويعتبر الإخبار الموثوق ركناً في الديموقراطية، لكونه يستند إلى خيارات حُرة لشعب عارف ومُطلع. واستطراداً، ربما يكون نجاح ترامب المعلوماتي، بل ربما رئاسته، معلقاً على الحافة القلقة للتحقيق في شأن التدخل الروسي الإلكتروني في «السوشال ميديا» لمصلحة إيصال «المُغرّد الأول» إلى البيت الأبيض!