أمام اليأس الذي يكتنف طبقات واسعة من العراقيين بشأن الانتخابات البرلمانية التي لن يتوقع أن تغير واقعهم المرير، شهد الخطاب السياسي السني في العراق تحولا مهما خلال الأيام القليلة الماضية من المطالبة بتأجيل الانتخابات المقررة في 12 مايو المقبل إلى مقاطعتها، في ظل الرفض الشيعي الذي يواجه الخيار الأول.
ودفعت الكتلة النيابية السنية في البرلمان العراقي نحو تأجيل الانتخابات عبر تشريعه في مجلس النواب، لكن مساعيها قوبلت برفض شيعي صلب، ما دفعها إلى التلويح بمقاطعة الاقتراع في حال أجري في موعده من دون أن توفر الحكومة الشروط اللازمة له.
ورفضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق الأحد مطالب نواب سنة وأكراد بتأجيل الانتخابات، وذلك بهدف السماح لمئات الآلاف من النازحين جراء الحرب بالعودة إلى ديارهم.
وقال سياسيون شيعة، بينهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، إن تأجيل الانتخابات سيكون غير دستوري.
وقضت المحكمة في بيان “بوجوب التقييد بالمدّة المحددة في المادة ’56/ ثانيا’ من الدستور لانتخاب أعضاء مجلس النواب الجديد وعدم جواز تغييرها”.
وبدا البرلمان، السبت، عاجزا عن حسم موقفه بشأن إجراء الانتخابات، وألقى الكرة في ملعب المحكمة الاتحادية وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، للبت في الخلاف.
وجاء قرار المحكمة الاتحادية ليضع الساسة السنة أمام مصير مجهول خلال الاقتراع.
وتخشى القوى السياسية التقليدية في الأوساط السنية من أن تواجه خسارة قاسية في حال أجريت الانتخابات في موعدها.
وتتمثل مخاوف هذه القوى في عزوف الناخبين عن التصويت لها، وقدرة الحشود التي تطوعت للحرب ضد داعش على تغيير اتجاهات التصويت لصالحها بسبب امتلاكها للسلاح.
وخلال الحرب على تنظيم داعش، تشكلت مجاميع قتالية سنية كثيرة أقامت صلات تنظيمية مع الفصائل العراقية الشيعية الموالية لإيران ضمن قوات الحشد الشعبي.
وبحسب مصادر محلية، فإن الحشود السنية التي تنسق مع الحشد الشعبي الشيعي لديها قوائم معدة للمشاركة في الانتخابات العراقية بعد أن شكلت عددا من الأحزاب لهذا الغرض.
وترد أنباء من الأنبار ونينوى، أكبر محافظتين يسكنهما العرب السنة في العراق، عن بطء عمليات تحديث سجلات الناخبين ومحاولات أحزاب شراء بطاقات تسمح بالاقتراع دون حضور أصحابها.
ويقول النائب أحمد الجبوري إن محافظة نينوى التي ينحدر منها، لم تشهد حتى الآن افتتاح مقرات لتحديث سجلات الناخبين.
ويتوقع الجبوري أن يتسبب تلكؤ مفوضية الناخبين في إجراءاها داخل المناطق المحررة في حرمان نحو مليون ومئتي ألف ناخب من الإدلاء بأصواتهم.
وفي الأنبار، قالت مصادر في مفوضية الانتخابات لـ”العرب”، إن سكان المحافظة الأكبر في البلاد يعزفون عن تحديث بياناتهم، إما بسبب اليأس الذي أصابهم من التجارب الانتخابية السابقة وإما لعجز المفوضية عن افتتاح مكاتب لها هناك.
وأكدت المصادر أن نسبة السكان الذين قاموا بتحديث بياناتهم في الأنبار لم تتجاوز الـ5 بالمئة، في مؤشر على إمكانية أن يكون الإقبال على الاقتراع في أدنى معدلاته خلال انتخابات مايو القادم.
وأوضح الجبوري أن “القوى السياسية في المناطق المستعادة تبحث عن موقف موحد من الانتخابات”، مضيفا أن “القوى السياسية لديها خيارات عديدة أبرزها مقاطعة الانتخابات”.
ولا يشعر الساسة الشيعة بحرج في مواجهة الدعوات التي تتسع لمقاطعة الانتخابات.
ويشكك سياسي شيعي مقرب من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في دوافع الأطراف السنية المطالبة بتأجيل الانتخابات أو مقاطعتها.
ويقول لـ”العرب”، إن “دعوة المقاطعة ليست حقيقية.. السنة يريدون بعض الوعود من العبادي، فهم يخشون أن تذهب أصوات السنة إلى قوى جديدة قريبة من الحشد الشعبي”.
ويضيف، “سبق للسنة أن قاطعوا الانتخابات في 2005، وهم يدفعون ثمن هذا الخطأ حتى الآن، فتلك المقاطعة أفقدتهم حصتهم في المؤسسات الحكومية”.
وبالرغم مما يبدو إجماعا سنيا بشأن الانتخابات، فإن هناك قوى سنية مؤثرة تدعم تثبيت موعد الاقتراع الحكومي، لكنها تتهم بأنها تدور في فلك القوى السياسية الشيعية.
وتقود حركة الحل، بزعامة جمال الكربولي الذي ينحدر من محافظة الأنبار، حملة للتشكيك في نوايا قوى المقاطعة.
ويقول قادة في الحركة إن “القوى الراغبة في التأجيل أو الداعية إلى المقاطعة فاشلة سياسيا وتخشى عقابا انتخابيا من الجمهور”.
ويوفر موقف حركة الحل تطمينا للطبقة السياسية الشيعية، “مضمونه أن المقاطعة السنية للانتخابات، في حال تحققت، لن تضر بتركيبة ممثلي الطوائف في البرلمان القادم ومن ثم الحكومة”.
لذلك يحظى موقف الكربولي بتشجيع شيعي واسع لأنه يضفي الشرعية على أي تركيبة في البرلمان القادم ما دامت تضم “ممثلين عن المكون”، بغض النظر عن أحجامهم.
وتقول قيادات في الحشد الشعبي ترشحت للانتخابات، إن المقاعد المخصصة للمحافظات المحررة من داعش ستذهب لنواب سنة في كل الأحوال بغض النظر عن حجم المشاركة في الانتخابات.
ووفقا لمراقبين، فإن “الأطراف الشيعية مطمئنة إلى مشاركة حزب سني واحد على الأقل في الانتخابات القادمة، ما يضفي شرعية على نتائج الانتخابات ومن ثم تمثيل المكونات في البرلمان، وهو ما يمثل حماية شكلية للحكومة”.
ويجد السياسيون الشيعة أن الوقت صار مناسبا لقيام حكم الأغلبية وإنهاء نظام المحاصصة الطائفية لصالح حكم الطائفة الواحدة وهو ما لا يعارضه النواب السنة الحاليون في حال تمكنوا من الحصول على وعود شيعية ببقائهم في مناصبهم وهو ما يشترط تأجيل الانتخابات في المناطق السنية إلى وقت غير معلوم.
وكما يبدو فإن الحرب على داعش كانت مناسبة لفضح الكثير من الصفقات التي عقدها السياسيون السنة من أجل البقاء في الحكم بغض النظر عما لحق بالمناطق التي يمثلونها من خراب. غير أن تلك الحرب وما انطوت عليه من مآس لم تكن مواقف النواب السنة منها بالمستوى المطلوب، بل فتحت الباب أمام الأحزاب الشيعية والحشد الشعبي لتشكيل مجاميع سنية موالية لمشروعهما في المناطق التي تم تحريرها من قبضة داعش.
وتوقع مراقب سياسي عراقي إبرام صفقات بين الأحزاب الشيعية والحشد الشعبي من جهة ومن جهة أخرى جماعات سنية مناوئة للتمثيل التقليدي للسنة في الحكومة والبرلمان على حد سواء.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “كما هو متوقع فإن تلك الصفقات تقوم على أساس تسليم المناطق السنية لحكم محلي تقوم بغداد بتمويله من غير الحاجة إلى استمرار تمثيل السنة في الحكومة والذي كان عبر اثنتي عشرة سنة حكرا على طبقة من السياسيين المزايدين الذين لم يفعلوا شيئا في الأوقات العصيبة التي شهدتها المناطق التي انتخبتهم. ولسان حال السياسيين الشيعة يقول: لقد انتهت مرحلة التلفت الحائر بين الطوائف وآن الأوان للانتقال إلى المرحلة التي يكون فيها الحكم مركزيا، يومها سيكون الحشد الشعبي هو العمود الفقري للسلطة”.