تشهد البلاد هذا الأسبوع ما يشبه «الهدنة» في المواقف الرئاسية، بفِعل بعض الأسفار الرئاسية، ما سيجمّد البحثَ والتواصل الرئاسي وعلى المستويات الحكومية والوزارية المختلفة في الملفّات الخلافية الماثلة، وأبرزُها مرسوم الأقدمية لضبّاط دورة 1994، واقتراح الوزير جبران باسيل تمديدَ فترة تسجيل المغتربين الراغبين الاقتراع في الانتخابات النيابية، ويُنتظر أن ينصبَّ الاهتمام على مهمّة وفدٍ أميركي رفيع سيزور لبنان خلال الساعات المقبلة وهو برئاسة مساعد وزير الخزانة الأميركية لعقدِ لقاءاتٍ مع المسؤولين الكبار ومسؤولين حكوميين وإداريين للتدقيق في معلومات جمعَتها وزارة الخزانة الأميركية من مصادر عدة حول الشبكات السرّية الإرهابية وتلك التي امتهنَت الإتجارَ بالمخدّرات والممنوعات وتهريب الأموال القذِرة بين الدول.

إقليمياً، انشدّت الأنظار إلى عفرين حيث تتسارع التطوّرات الميدانية فيها، في إطار عملية «غصن الزيتون» التي بدأتها تركيا السبتَ الماضي ضد وحدات «حماية الشعب» الكردية، وقد باشرت أمس عملية برّية معلِنةً عن سعيها إلى إنشاء «منطقة آمنة» بعمق 30 كلم فيها، في وقتٍ يجتمع مجلس الأمن الدولي اليوم لمناقشة الوضع في سوريا.

أمّا داخلياً، فسيُسجّل هذا الأسبوع إطلالتين خارجيتين: الأولى لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يبدأ غداً زيارته الرسمية المؤجّلة الى الكويت، ويرافقه وفد يضمّ الوزراء: جبران باسيل، نهاد المشنوق، جمال الجرّاح، عناية عز الدين، وأيمن شقير، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر ووفدٌ استشاري وإداري وإعلامي. وسيلتقي عون أميرَ الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح ووليَّ العهد ورئيسَ مجلس إدارة الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ومديره العام وأبناءَ الجالية اللبنانية.

أمّا الإطلالة الخارجية الثانية فستكون لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي يغادر إلى سويسرا غداً الثلثاء أيضاً، للمشاركة في «مؤتمر دافوس» الاقتصادي. وعليه، تغيبُ جلسة مجلس الوزراء لهذا الأسبوع ليتصدّر العنوان الانتخابي المشهدَ السياسي، بعدما تراجَع الحديث عن أزمة مرسوم الأقدمية الذي قال فيه كلّ طرفٍ كلمته، مُتمترساً بسلاح موقفِه.

وعُلِم أنّ النائب وائل ابو فاعور سيزور رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم موفداً من رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، ناقلاً إليه موقفَ عون والحريري من مبادرته، وتردَّد أنّ هذا الموقف لا يزال غيرَ واضح، خصوصاً أنّ عون كان قد أعلن إقفالَ النقاش في مرسوم الأقدمية.

لجنة الانتخاب

إنتخابياً، لا يزال قانون الانتخاب في صدارة الاهتمام والمتابعة، ومن المقرّر ان يحضر بند تمديد المهَل لتسجيل أسماء المغتربين اللبنانيين في الخارج في اجتماع اللجنة الوزارية المقرّر اليوم مبدئياً، بعدما نزَع رئيس الحكومة فَتيل الخلافِ حوله في جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي، وسط استمرارِ الانقسام السياسي حوله.

قانصو

وفي حين نفى مصدر وزاري لـ«الجمهورية» وجود نيّة لدى أيّ طرف لتطيير الانتخابات النيابية، جازماً بأنّها ستُجرى في موعدها في 6 أيار المقبل، أوضح عضو اللجنة الوزير علي قانصو «أننا لم نتبلّغ بعد أيَّ دعوة الى اجتماع للّجنة، ولا نعرف ما إذا كنّا سنُبلَّغ اليوم»، وقال لـ الجمهورية»: «نحن حزب موجود في كلّ قارّات العالم، وفي حسابات المصلحة، لنا مصلحة في أن يتمدّد الوقت لتسجيل المغتربين، لكنّ المناخات غير مؤاتية، فالوقت صار داهماً، فكيف نمدّد فترة تسجيل المغتربين ونحن على مسافة أشهر من موعد الانتخابات؟

ثمّ الجوّ السياسي ليس جوَّ إدخالِ تعديلات على قانون الانتخابات، لأنّ فتح البابِ أمام تعديلات يهدّد الانتخابات، إذ حينها كلّ طرفٍ في جيبه تعديلٌ معيّن سيطرحه، فتُغرق أيّ جلسة نيابية بسَيلٍ من التعديلات المقترحة، وهذا لن يساعد على إنجاز أيّ تعديل.

لذلك أعتقد بأنّ الوقت غير مناسب لأيّ تعديل وليس فقط لتعديل فترة تسجيل المغتربين. فلنَنصرف الى التحضير للانتخابات بحيث نستطيع تأمينَ كلّ المستلزمات اللازمة لإجرائها بشكل شفّاف وناجح وفي مواقيتها. فالأولوية هي لإجراء الانتخابات في السادس من أيار وليست الأولوية لإدخال تعديلٍ هنا وتعديل هناك. لذلك لنصبَّ كلَّ جهدِنا على التحضير للانتخابات وإجرائها عوضَ أن نختلفَ في ما بيننا على تعديلات هنا وهناك».

«القوات»

وقالت مصادر»القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ الكلام عن تأجيل الانتخابات أو تطييرها غيرُ واقعي لمجموعة أسباب، أهمّها أنّ الظروف أكثرُ من ملائمة لإتمامِ الاستحقاق النيابي، ولأنّ للعهد والحكومة مصلحةً قصوى بإجرائها، ولأنّه لا يوجد أيّ قوّةٍ سياسية على استعداد لتبنّي التمديد، ولأنّ معظم القوى السياسية بدأت تحضيراتها واستعداداتها، وبالتالي لكلّ هذه الأسباب وغيرها الانتخاباتُ حاصلة حتماً، والكلام عن التأجيل لا يعدو كونه مادةً صحافية، و»القوات اللبنانية» تصل الليلَ بالنهار تحضيراً للانتخابات من خلال اللقاءاتِ المعلنة وغيرِ المعلنة التي يُجريها الدكتور سمير جعجع في معراب، والحركةِ السياسية المكثّفة المعطوفة على ماكيناتها الانتخابية الناشطة.

وفي هذا السياق تأتي اللقاءات مع مروحةٍ واسعة من القوى السياسية من أجل بلوَرةِ تفاهماتٍ وطنية مشترَكة تقود وتُمهّد لتحالفات انتخابية، لأنه لا يمكن، بالنسبة إلى «القوات»، إجراءُ تحالفاتٍ انتخابية من دون تفاهمات وطنية وسياسية، وقد قطَعت هذه التفاهمات شوطاً مهمّاً، ويُنتظَر استكمالها في الأيام والأسابيع المقبلة».

وفي سياقٍ متّصل، جدّدت «القوات» تأييدها تمديدَ التسجيل للمغتربين إلى ١٥ شباط «ربطاً بحِرصها الشديد على إشراك الاغتراب في الحياة الوطنية اللبنانية، ولكنّ المشكلة تكمن في أنّ المدة الزمنية المتبقّية قصيرة جداً، حيث لو تمّ الافتراض أنّ كل القوى مع التمديد والأمور سارت على أفضل ما يُرام فإنه ما بين اتّخاذِ قرار بفتحِ دورةٍ استثنائية ودعوة مجلس النواب لعقدِ جلسة للتصويت ونشرِ القانون في الجريدة الرسمية لن يبقى سوى ١٠ أيام، فكيف بالحريّ أنّ هناك معارضة شرسة تقودها بعض القوى السياسية؟ ولكن يبقى أنّ موقف «القوات» المبدئي مؤيّد للاقتراح، وما تثيره يتّصل بالمدة الزمنية القصيرة المتبقّية ومدى القدرة على تحقيق المرتجى فيها».

الراعي

ووسط الانقسام السياسي المسيطر، وفي غمرة النشاطات الترفيهية القائمة في وسط بيروت لإعادة إحيائه، واصَل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هجومه على الأداء السياسي، وانتقد انشغالَ المسؤولين بتأمين مصالحِهم، وأكَّد في عظة الأحد أنّ «على المسؤولين المدنيّين والإداريّين في المجتمع، وعلى السلطة السياسية في الدولة، أن يدركوا أنّهم وكلاء لا أرباب، خدّام لا أسياد، وأنّهم مؤتمَنون على تأمين الخير العام لا خيرِهم الشخصي فقط ومصالحِهم الفئوية».

وخلال افتتاح «أسبوع الصلاة من أجل وحدةِ المسيحيين» في بكركي، قال الراعي: «إنّ الظروف السياسيّة والاقتصاديّة، وممارسات العنف والتعدّي والإرهاب، تأسرُ شعبَنا وشعوبَ المنطقة داخل حالات الفقر والحرمان والخوف على المصير والتعرّضِ لأوبئة النفايات ناشرة السموم، وانتهاك الحقوق وكرامة الشخص البشري، فيما المسؤولون السياسيّون الموكَّلون على تأمين الخير العام، إمّا منشغلون في تأمين مصالحهم الخاصّة والمذهبيّة والحزبيّة، وإمّا ساعون إلى استغلال مقدّرات الدولة ومالِها العام بالفساد المتفشّي والمحمي، وإمّا متقاعسون عن واجبات مسؤوليّاتهم التشريعيّة والإجرائيّة والإداريّة، وإمّا يتعاطون شؤونَ الدولة بردّات الفعل السلبيّة فيعطّلونها لأغراضٍ سياسيّة وحساباتٍ شخصيّة، من دون أيّ وَخزِ ضمير».