وسيكون ذلك بمثابة بداية لمرحلة من التحديات الشاقة، ما دام من المبكر الادعاء ان لبنان انضم الى نادي الدول المنتجة للنفط.
في الفترة الأخيرة، ظهرت دراسات واجتهادات ركّزت على ضرورة التحلّي بالواقعية في مقاربة ملف الثروة النفطية الموجودة في لبنان. المبرّر لصدور دراسات مماثلة، هو ارتفاع منسوب الاوهام الذي رافق هذا الملف منذ بداياته في العام 2013.
ان المبالغة في تضخيم أهمية هذا الملف ارتكزت بشكل أساسي على ثلاث نقاط حيوية:
اولا – من حيث حجم الثروة النفطية والغازية في المياه اللبنانية. في وقت تمّ فيه إطلاق أرقام مختلفة ومتفاوتة بشكل كبير عن حجم المخزون المتوقّع، تبنّت جهات رسمية في الدولة أحد الأرقام المتداولة، وتحدثت في العام 2013 عن وجود 95.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. في النتيجة، تبين ان المسوحات الثنائية والثلاثية الابعاد التي أجرتها شركات عالمية متخصصة أظهرت ان مخزون الغاز هو في حدود 25 تريليون متر مكعب. بما يعني ان «الخيال الحكومي» ضاعف الثروة المقدّرة بحوالي 4 مرات.
ثانيا – في الفترة التي قد يستغرقها بدء استخراج الغاز والنفط. وهذا الامر جرى توضيحه مرات عدة، من قبل الخبراء، ومن قبل وزارة الطاقة اللبنانية. التنقيب لن يبدأ قبل العام 2019، وسيستمر خمس الى ست سنوات. سيتم خلال هذه الفترة حفر بئرين واحدة في البلوك رقم 4 وأخرى في البلوك رقم 9. وبنتيجة ما سيتبيّن من كميات متوفرة من الغاز، يمكن ان يبدأ العمل للاستخراج. وهذه العملية تستغرق ايضا حوالي اربع سنوات. بما يعني ان الانتاج لن يبدأ قبل 10 الى 11 سنة من الان، أي بين 2028 و2029.
ثالثا – في احتمالات وجود كميات تجارية كافية من الغاز للاستخراج. هذا الامر يتم التعاطي معه بخفة، خصوصا من قبل سياسيين لا علاقة لهم بالملف مباشرة. وبين الحين والاخر، تصدر تصريحات تتحدث بثقة غير مبرّرة عن وجود حتمي لكميات كبيرة من الغاز الصالح للاستخراج. ويجري الحديث عن انعدام احتمال عدم وجود كمية تجارية استنادا الى المسوحات التي أجرتها الشركات العالمية.
وأخيرا، زاد نشر الأوهام في هذا الاتجاه، استنادا الى العرض الذي قدمه الكونسورتيوم المثلث الأضلع (فرنسي-ايطالي-روسي). اذ يتم الاستناد الى هذا العرض للتأكيد ان الغاز موجود بكمية تجارية وإلا لم تُقدِم هذه الشركات العالمية المتخصصة الى تقديم عرضها. وسوف تموّل هذه الشركات عملية التنقيب بالكامل، وليس من مصلحتها ان تخسر الاموال، وبالتالي لم تكن لتجازف لو لم تكن هناك احتمالات كبيرة في العثور على كميات تجارية.
هذا التحليل قد يكون منطقياً، لكن ينبغي تحديد معنى عبارة «احتمال كبير» لوجود غاز بكميات تجارية. ما هي النسبة التي تجعل الشركات جاهزة لتقديم عروض التنقيب؟ هل هي مثلا 50 في المئة، كما روّجت مصادر لبنانية رسمية في اعوام سابقة، عندما انتهى المسح الثلاثي الابعاد قبل اربع سنوات تقريبا؟
الجواب تعطيه شركة «ريتشموند اينرجي بارتنرز» (Richmond Energy Partners) العالمية المتخصصة في داتا التنقيب عن الغاز والنفط، والتي تساعد الشركات العالمية في ادارة اعمالها لجهة تقديم العروض، وخفض الخسائر من خلال التقليل من مستوى المجازفة.
تقول هذه الشركة في تقرير حديث، ان نسب النجاح في العثور على الغاز والنفط، استنادا الى المسوحات بين 2012 و2016 وصلت الى 31 في المئة. وان نسب النجاح في مناطق شبيهة بلبنان كانت حوالي 7 في المئة فقط.
هذا يعني انه بين كل مئة عملية تنقيب في العالم، بناء على معطيات المسح التي كانت تُظهر وجود نفط، هناك 31 عملية أسفرت عن اكتشاف كميات تجارية قابلة للاستخراج، مقابل 69 عملية حفر انتهت الى فشل، والى اكتشاف آبار جافة، أو كميات غير تجارية لا تصلح للاستخراج.
اذا أهملنا نسبة الـ7 في المئة التي تحدث عنها التقرير بالنسبة الى المناطق الشبيهة بلبنان، واستندنا الى الرقم الاكثر تفاؤلا، استناداً الى معلومات موثّقة، يتبين ان فرص العثور على الغاز ليست مرتفعة بالقدر الذي يروّجه البعض.
هذه الصورة الواقعية، ينبغي أن تُضاف اليها وقائع أخرى، منها على سبيل المثال، طرق التسويق التي تبدو بدورها شاقة ومعقدة، بالاضافة الى منسوب الفساد الذي يعتبر عاملا اضافيا في عرقلة الاعمال، أو في خفض حجم الايرادات اذا استُخرج النفط والغاز فعلا. وقد تم تصنيف لبنان من قبل البنك الدولي في المرتبة 14 بين على لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم. بالاضافة أيضا الى مخاطر التوتر والمواجهات، على الجبهة الاسرائيلية.
بناء على كل هذه المعطيات، ينبغي ان يتمّ التعاطي مع ملف النفط. ومن كان يحلم بحل كل المشاكل المالية والاقتصادية استنادا الى الثروة النفطية الموعودة، ربما عليه ان يعيد النظر في حساباته، وعلى الدولة ان تتوقف عن بيع الاوهام، لتخدير الناس، وايهامهم بأن الفرج آت، وما عليهم سوى الصبر لبعض الوقت.